دعا رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان بعد حوالي أسبوعين من الانتخابات المحلية الأخيرة التي أجريت في 31 مارس / آذار الماضي، عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي الشهير “تويتر”، إلى وضع الخلافات السياسية إلى جانب، والتحرك مع 82 مليون مواطن كـ”تحالف تركيا” من أجل القضايا المتعلقة بمصير البلاد.
هذه التصريحات أثارت علامات استفهام حول ما يقصده أردوغان وحقيقة “تحالف تركيا”. وكان أول سؤال تبادر إلى الأذهان هو: “هل يريد رئيس الجمهورية التركي أن يفك تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية؟”
نظرية “تحالف تركيا”، في الحقيقة، مثل نظرية “تصفير المشاكل” التي أطلقها رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو خلال توليه لوزارة الخارجية ورئاسة الوزراء. وكانت تلك النظرية رائعة كإبداء الرغبة في إنهاء المشاكل مع جيران تركيا، وتخفيف التوتر مع الدول الأخرى قدر المستطاع، إلا أنها كهدف لدولة تقع في منطقة ملتهبة ومحفوفة بالمشاكل لم تكن واقعية على الإطلاق.
أردوغان، كرئيس الجمهورية، رئيس كل مواطن تركي بلا استثناء. ومن الطبيعي أن يدعو إلى تحقيق الوحدة الوطنية، ونبذ الخلافات السياسية في القضايا المصيرية لتعزيز الجبهة الداخلية. كما أن تصريحاته حول “تحالف تركيا”، يمكن اعتبارها محاولة لتخفيف اللهجة السياسية التي استخدمتها الأحزاب خلال الحملات الانتخابية.
إن كان المقصود من “تحالف تركيا” أن يكون جميع المواطنين على قلب رجل واحد، فهذا أمر مستحيل، وحلم وردي غير واقعي. فهناك آلاف من عناصر الكيان الموازي وأفراد أسرهم، بالإضافة إلى الموالين لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية الانفصالية. فمن المستحيل أن يضمهم أي تحالف وطني.
هناك نسبة من المواطنين الأتراك يفضِّلون النظام الإيراني أو النظام السوري على الحكومة التركية المنتخبة لأسباب طائفية. ويمكن أن يضاف إلى هؤلاء يساريون وعلمانيون متطرفون يحقدون على رئيس الجمهورية التركي لأسباب إيديولوجية، ويتمنَّون إسقاطه، ولو أدى ذلك إلى إثارة الفتن والقلاقل وتدمير مكتسبات البلاد. فهل سيضم “تحالف تركيا” هؤلاء؟
القضايا المتعلقة بأمن تركيا واستقرارها ومستقبلها ووحدة أراضيها عديدة. وتأتي مكافحة التنظيمات الإرهابية التي تستهدف البلاد بدعم من القوى الدولية والإقليمية على رأس تلك القضايا. ومن غير المعقول أن يتحالف حزب العدالة والتنمية مع أنصار الكيان الموازي في مكافحة هذا التنظيم الإرهابي الذي قام بمحاولة الانقلاب الفاشلة، أو أن يتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني في الحرب على الإرهاب الانفصالي.
رئيس حزب الحركة القومية، دولت باهتشلي، في تعليقه على تصريحات أردوغان حول “تحالف تركيا”، قال إنه لا يعرف المقصود منها، مضيفا أن تصريحات رئيس الجمهورية هذه زادت علامات الاستفهام التي تشغل الأذهان، ويمكن أن يستغلها تحالف المعارضة ضد تحالف الجمهور الذي أقامه حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. ودعا باهتشلي إلى عدم إعطاء الفرصة للإيقاع بين الحزبين المتحالفين، مؤكدا أنه لا داعي للبحث عن تحالف آخر في ظل استمرار تحالف الجمهور.
أردوغان، في محاولة لطمأنة باهتشلي ومنع استغلال تصريحاته من قبل المعارضة، أشار إلى أن “تحالف تركيا” ليس بديلا عن تحالف الجمهور. ووصف تحالف الجمهور بــ”قاطرة الجهود المبذولة من أجل جمع الشعب التركي حول ذات الأهداف”، مضيفا أن تحالف الجمهور تم تشكيله ليلة 15 يوليو / تموز تحت وابل من الرصاصات والقنابل، في إشارة إلى محاولة الانقلاب الفاشلة، كما شدد على أنه لا يمكن التحالف مع الموالين للتنظيمات الإرهابية.
تحالف الجمهور الذي يجمع تحت مظلته حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية بالإضافة إلى حزب الاتحاد الكبير، ليس مجرد تحالف انتخابي. بل هو تحالف وطني من أجل التصدي للمخاطر والتحديات التي تهدد أمن البلاد ومصالحها العليا. ومن الأفضل أن يتجنب قادة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية تصريحات تعطي المتربصين بهذا التحالف فرصة للنيل منه، وإثارة الخلافات في صفوفه.
بواسطة/إسماعيل ياشا