شهدت منطقة الخليج العربي الشهر الماضي أجواء كانت تبشر بالوصول شبه الأكيد إلى مرحلة الانفجار في وقت يحاول فيه البعض منذ فترة تسخين مياهه. وكانت الولايات المتحدة لم تكتف بتعليق الاتفاق النووي مع إيران، بل تركت انطباعا لدى الجميع أنها قادرة على شن هجوم فعلي على طهران إن تطلب الأمر. لكننا كنت قد حذرنا من خطورة الانخداع بالظاهر بشأن النتائج التي يمكن أن تسفر عنها سياسة واشنطن لتصعيد التوتر.
دائما ما تغلي المراجل في منطقة الخليج، لكن لا يتضح مسبقا من سيسلق في هذه المراجل. فكلما غلى أحد المراجل كان هدفه مختلفا عن الهدف المعلن. وليس هناك أي ضمانة هذه المرة كذلك بشأن أن المستهدف سيكون مختلفا.
بيد أن واشنطن أضافت للمرة الأولى إلى العقوبات التي فرضتها على إيران عقوبة جديدة تغلق كل الأبواب في وجه طهران بشكل قاطع لبيع نفطها. وردا على هذه العقوبة التي تعنى غلق باب الدخل الوحيد لطهران، قبلت إيران التحدي وأعلنت أن لديها القدرة على وقف كل صادرات النفط التي تمر عبر مضيق هرمز إن استلزم الأمر. لقد كان هذه التصريح رد فعل لم يترك واشنطن، التي تصعد التوتر، وحدها، بل تمخض عنه فرصة قيادة حملة ضدها، كما كان يشير إلى تهديدات يمكن للعالم كله أن يشعر بتأثيراتها. وعلى أي حال فإن نحو 40% من النفط حول العالم يمر عبر هذا المضيق، ولم يكن حتى المزاح حول هذا الأمر لطيفا.
غير أن التوتر الذي اعتقد الجميع أنه صار لا بد منه بدأ يهدأ بمرور الوقت بعدما لم ترد الأطراف المتنازعة بحملات مضادة، وبدأنا نشاهد تصريحات من طهران تدعو للتهدئة من خلال اتصالات دبلوماسية بين طهران والعواصم الأوروبية، لتسير التوقعات عكس كل ما كان منتظرا منذ فترة وتعود مجددا نحو التسوية بين جميع جوانب الأزمة.
وقد حدث تطور آخر دعم هذه التوقعات عندما زار رئيس الوزراء الياباني آبي شينزو يوم الخميس طهران والتقى القائد الروحي لإيران علي خامنئي. غير أن تطورا آخر قد حدث في تلك الأثناء أضاف بعض الحطب أسفل المرجل الذي كان قد بدأ يبرد؛ إذ تعرضت ناقلتا نفط كانتا تنقل حمولة من النفط إلى اليابان لهجوم عند مخرج مضيق هرمز، أي أن هذا الهجوم وقع في وقت كان يجري فيه رئيس الوزراء الياباني لقاء من أجل التوسط للمصالحة مع الزعيم الروحي في إيران.
تعرضت هاتان الناقلتان، إحداهما تحمل اسم Kokuka Courageous وتحمل علم بنما والأخرى تحمل اسم Front Altair وتحمل علم جزر المارشال، لهذا الهجوم بينما كانت في طريقهما من الإمارات والسعودية باتجاه سنغافورة. وعقب هذا الهجوم مباشرة ارتفعت أسعار النفط بنسبة اقتربت من 3%. لكن كما رأينا فإنه ليس هناك أي جهة تبنت هذا الهجوم، أي أننا أمام جريمة مجهولة الفاعل. وعليه، فإن هناك سؤال يجب طرحه في مثل هذه الهجمات: في مصلحة من يصب هجوم كهذا؟
كانت إيران قد صرحت مسبقا متحدية بأنها ستفعل ما يلزم من أجل حماية حقوقها، لكنها لم تتبن المسؤولية عن هذا الهجوم. ومن غير المعقول أصلا من وجهة نظرها أن تقدم على خطوة كهذه في ظل الظروف الحالية، ذلك أنها ستعتبر دعوة للدخول في حرب مع الولايات المتحدة. هذا فضلا عن أننا لو افترضنا أن إيران أقدمت على هذا الأمر في وقت استضافت فيه رئيس الوزراء الياباني الذي زارها على أمل إسكات طبول الحرب، بل واستهدفت ناقلتي نفط كانتا في الطريق نحو اليابان؛ يعني أننا نستخف بالعقلية الإيرانية أكثر من اللازم.
غير أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لم يتورع عن الاستخفاف بعقول الجميع عندما حمّل فورا إيران مسؤولية هذا الهجوم دون الحاجة لدراسة الأمر قليلا، مشيرا إلى أنه إنما قدم هذا التقييم للوضع استنادا إلى عدة نقاط منها المعلومات الاستخباراتية والأسلحة المستخدمة في الهجوم وبيانات العملية اللازم لتنفيذ الهجوم. بل وأضاف أن بلاده سترفع القضية إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة.
إنهم لا يريدون هدوء التوتر في مياه الخليج بعد، لكن ليس من الواضح إلى الآن ما هو الهدف الأساسي من وراء هذه الأحداث كما هو متوقع. وعلينا أن نحسب جيدا من سيستفيد ومن سيتضرر من شحن النفط الإيراني أو النفط المنقول عبر الخليج بشكل عام بصورة مستمرة في ظل هذا التهديد الخطير. وعلينا ألا ننسى أن هذا النوع من الخطوات يمكن أحيانا أن يكون لك تأثير “الأثر الكيدي”.
ما الذي أضفى الصغبة الإسلامية على هذا الخبر والفعل؟
كنت قد حضرت خلال شهر رمضان الماضي حفل إفطار جماعي نظمته الجالية السودانية بالعاصمة التركية أنقرة، وفي نهاية الحفل وجّه إليّ مراسل إحدى القنوات الإخبارية سؤالا حول المشاكل الأخيرة التي تعانيها العلاقات التركية – السعودية، غير أن الرد الذي أجبته به تعرض للفبركة بشكل غريب على بعض مواقع الإنترنت التي نقلت عني كذبا عبارة “نساند السعودية في مواجهة إيران”. وكأننا شكلنا محورا ثابتا لا يتغير مهما حدث أي خلاف.
وفي الواقع، لقد كان نص الخبر به الكثير من المشاكل. ويجب أن يكونوا قد حرفوا بنية سيئة تماما كلامي للخروج بتصريح كهذا من تسجيل الكاميرا ونص الخبر. بيد أن كلامي كان كلاما عاما بصورة أكبر ولا يقول شيئا سوى أنه يدافع عن مبادئ السلام والتعاون داخل العالم الإسلامي والاستقلالية ضد التدخل الخارجي.
وملخص كلامنا هو كالتالي: إن غرضنا قائم بالكامل على عدم مهاجمة أو تهديد أي طرف لأي طرف آخر ضمن حدود العالم الإسلامي، وألا نكون سوق للسلاح الأمريكي بسبب التهديدات التي نشكلها ضد بعضنا بعض، وألا نمنح الفرصة للأجانب بالتدخل في شؤوننا واحتلال أراضينا.
نحن لا نريد أن ترى دولتين إسلاميتين بعضهما بعض كتهديد.
عندما نقابل مشكلة بين بعضنا بعض داخل العالم الإسلامي فإننا ندعو الولايات المتحدة للتدخل بيننا، فندعوها لتنشر السلام، غير أننا ندفع الثمن غاليا مقابل خدمة السلام هذه التي تقدمها لنا.
لا يمكننا أن نساند السعودية التي تهدد إيران ولا أن نساند إيران التي تهدد السعودية. فالبديل الوحيد لهذه السياسة التهديدية هي البحث عن حوار بين دول العالم الإسلامي. وما يليق بنا هو تحقيق المصالحة بين الأطراف وليس إذكاء نار الصراعات بينها.
لا يمكن أن يكون وصف موقفنا هذا أو ذلك بعبارة “حب السعودية” أو “حب إيران” سوى رغبة في تأجيج نار الفتنة. ولا ريب أننا لا نحمل كراهية خالصة لأحد، لكن حبنا دائما يكون موجها لحرية الشعوب المظلومة ووحدتها ومن لا يبخل بأي جهد لتحقيق هذا الأمر، وبطبيعة الحال لتركيا في المقام الأول.
وأما الشيء الذي أحزنني أكثر فهو أن اسم الموقع الذي نشر هذا الخبر المفبرك اسمه “التحليل الإسلامي”. ذلك أنهم يخلّون عمدا بنشرهم هذا الخبر بكل مبادئ الإسلام تقريبا. ذلك أننا أمام تحريف للكلام ونشر الافتراء والفتنة بين المسلمين والتحريض بينهم بدلا من تحقيق التصالح وسوء الظن والنية بدلا من حسن الظن بالمسلمين. أي باختصار إننا أمام كل شيء غير إسلامي، لكن اسم الموقع يحمل اسم الإسلام.
فتنظيم داعش الإرهابي يطلق اسم الدولة على أعمال السلب والنهب التي يقوم بها، بل ويلصق بها العلامة الإسلامية. وبطبيعة الحال فإن ما يفعله ليس إسلاميا ولا يحمل في طياته أي مظهر من مظاهر الدولة.