لقد أقيمت صلاة الغائب كما رُفعت الدعوات عقب وفاة محمد مرسي، في أكثر من مكان بدءًا من تركيا مرورًا بالعديد من بلاد العالم الإسلامي، فضلًا عن آسيا وأوروبا وأميركا. كما تحرك مئات الآلاف على مواقع التواصل الاجتماعي منذ انتشار خبر الوفاة لتضج مواقع التواصل بالمشاركات التي كانت تلهج بالتعزية والحزن العميق، وهي بلا شك كانت نابعة عن حساسية يفرضها الضمير والحس الإنسانيّ.
لقد تم تنظيم مراسم وداع مشرّف لرجل دولة تم اتهامه ظلمًا بنعت الإرهاب في وطنه، وخلال الوداع العظيم شُهد بحق الرجل شهادة حسنة.
أما عن ردود الفعل السلبية تجاه وفاة مرسي فيجدر أن يتم تصنيفها إلى قسمين: 1) الذين سكتوا تمامًا سكوتًا عن دراية، محاولين تصوير مرسي كمتهم ومن ثمّ تجاهله.
2) الذين استقبلوا خبر وفاته بكراهية وضغينة شديدين وتعداد مثالبه وكأنهم يقصدون أنه فعلًا يستحق الموت، بل إن بعضهم قال ذلك صراحة.
الصنف الأول يشمل الدول وأتباعهم الذين دعموا الانقلاب العسكري الذي أبعد مرسي عن السلطة ورئاسة الجمهورية، والإعلام المصري الذي تجاهل الأمر تمامًا ومن المعلوم أنه يقبع تحت وصاية العسكر بشكل تام.
والمملكلة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، عمان والحكومات العربية بشكل عام تغافلت الأمر وكأن مرسي شخص غير موجود أو لم يكن من قبل.
جميع هذه الدول والقوى التي على شاكلتها (على سبيل المثال السلطة الفلسطينية التي منعت حتى إقامة مراسم تعزية على روح مرسي)، تعمل أصلًا وبكل ما أوتيت من قوة ومنذ سنوات على شيطنة جماعة الإخوان المسلمين.
إن من الممكن القول بأن الجماهير التي نشأت على تلقف “مساوئ الإخوان” عبر مؤسسات الإعلام والصحافة؛ لم تعد تهتم بالتعرف على هوية وبنية جماعة الإخوان كما فقدت فضولها إزاء ذلك، بل صارت مع الوقت تتحدث برواية الإعلام عن غير وعي ومعرفة.
كما أن ظهور الحقيقة بشكل شجاع في بلدان تصنّف الإخوان كمنظمة إرهابية ليس بالشيء السهل جدًّا.
ومن المدهش أن إيران هي واحدة من الدول التي استقبلت خبر “إعدام” مرسي بسكوت مطبق.
سواء من قبل المرشد الديني علي خامنئي، أو من رئيس الجمهورية الإيراني حسن روحاني، أو من بقية المسؤولين الرفيعين حيث لم يصدر عنهم أي تصريح أو رسالة تعزية.
اللهم إلا تصريح خاطف من المتحدث باسم الخارجية الإيرانية الذي اكتفى بتعزية عائلة الرئيس مرسي وعموم الشعب المصري ليس إلا.
صدور هكذا موقف عن إيران، يعود سببه بلا شك إلى المسافة التي كانت بين محمد مرسي والنظام السوري.
حيث كان مرسي منذ اليوم الأول من الأحداث في سوريا إلى جانب الشعب، وطيلة كونه رئيسًا للجمهورية كان لا يتردد في انتقاد نظام الأسد على استخدامه الرصاص ضد المدنيين.
بالنسبة لإيران كان إسقاط مرسي وجماعة الإخوان المسلمين أمرًا مهمًّا ليس لأجل المسألة السورية فحسب، بل لأن الإطاحة بأقوى وأصلب مرشح لقيادة زمام القوة في العالم العربي كان أمرًا مهمًّا لها.
إن وجود حكومة مدنية ناجحة ومعتبرة من جماعة الإخوان، ويدعمها الشعب من قلبه، كان بالطبع هو السيناريو الأكثر سلبية بالنسبة لمنظور التوسع الإقليمي الذي تنتهجه إيران.
أما الصنف الثاني من الذين يرون أن محمد مرسي “يستحق الموت” تعبيرًا عن درة فعلهم الصاخبة، فإنهم بينما يكررون أخطاءهم ذاتها، يقومون بإبراز بعض الخطوات التي قطعها مرسي إبان حكمه، ومن ناحية أخرى يبدون طعمًا للإفتراء والاتهامات التي يسوقها إعلام الخليج ضد مرسي.
إن القاسم المشترك لهذه الغوغاء التي تضم شرائح واسعة بدءًا من الذين يعارضون الإخوان إلى الذين يفكرون وفق الخط الإيراني، ومن أصحاب العداء الصريح للإسلام إلى الجماهير الجاهلية؛ إن القاسم المشترك بينهم كان عدم إرادتهم او تكليف أنفسهم بالبحث عمّا شاركوه وتحدثوا عنه.
“مرسي كان رجل الولايات المتحدة”، (دافعوا عن نظرية أن الولايات المتحدة هي من ترعى الإخوان وهي أوصلتها للسلطة في مصر)، “في عهد مرسي، اعتمد البرلمان المصري قرارًا أجاز مضاجعة النساء الميّتات” (أعتذر من قرائي الكرام عن عرض هذه التفاصيل، لكن أريد التوضيح أنه لم يكن أي شيء من هذا، ولم يصدر عن البرلمان المصري هكذا قرار، بل الأمر كان عبارة عن افتراء أشاعه الإعلام السعودي وسوّقه لكل العالم).
“مرسي هو حليف إسرائيل” (لقد اتهموه بهذا لأنه وقف إلى جانب المظلومين في سوريا وانتقد قمعهم بالرصاص الحي)، “مرسي قال للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز: أنت صديقي” (لقد اختلقوا هذا من الخطاب الرسمي الذي كان ضمن الأوراق الدبلوماسية التي كانت بيد السفير المصري حينما تم إرساله إلى تل أبيب” وهناك الكثير والكثير… لقد ساقوا هذه الجمل وشبائهها على ألسنتهم عقب وفاة مرسي، إذن ليس من الصدفة أننا لم نسمع أي انتقاد إزاء الطغمة العسكرية ومن دعمها والتي أوصلت مصر إلى هذا الحال.
بيد أن الحقيقة هي أن أجهزة الدولة لم تكن بيد مرسي، وأن الجيش والمخابرات كانا يعملان ضد مرسي، وأن رؤساء المخابرات كانوا يخفون عن مرسي المعلومات اللازمة ليقوموا بتزويده بأخرى خاطئة بهدف تضليله، وأن القادة العسكريين كانوا يعقدون مناقشات مع الولايات المتحدة وإسرائيل بهدف الإطاحة بمرسي، على الرغم من وجود هذه الحقائق التي باتت واضحة الآن فحال نفسه…
ظ(ولكن يبقى الأمر الأكثر طرافة بين أولئك الذين يكيلون لمرسي، هم بعض السلفية الذين يقولون أن “مرسي كان ديمقراطيًّا مشركًا”.
وهم وإن كان عددهم قليلًا، إلا أنهم يبدون واثقين من موقفهم. بل وعلاة على ذلك، يبدون أنهم قد نسوا الدعم الصريح للانقلاب العسكري من قبل حزب النور السلفي المصري).
ألم يكن لمرسي أي خطأ؟ بالطبع كان له أخطاؤه. مثل أي إنسان، مثلنا نحن.. عندما يتم إعلان حركة سياسية أنها محظورة في البلاد منذ العام 1954 من قلب العسكري، ويتم ملاحقة أتباعها وإعلانها عدوًّا، ومن ثمّ فجأة تجد نفسها على رأس السلطة عام 2011؛ بالطبع ستعيش نوعًا من عدم الخبرة ونقص التجربة، فما الذي سيكون طبيعيًّا أكثر من هذا؟.
ولكن بكل الأحوال لم يكن هناك خطأ بالغ من مرسي يستوجب قيام العسكر بتنفيذ انقلاب عليه وإسقاطه. وهناك أيضًا ما يلي: عندما يتحرك العسكر كالأسطوانة من خلال المدنيين والسياسيين؛ فبدلًا من نقد إطاحته يتم نقد المطاح لهو بعبارة مختصرة؛ تصفيق للظلم وشد على يد الظالم.
بواسطة/طه كلينتش