تستعد تركيا لتسلم منظومة الدفاع الصاروخية الروسية المتقدمة «اس – 400» خلال الأسبوع المقبل، وذلك وفقاً لتصريحات كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أدلى بها مؤخراً بعيد لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هامش قمّة مجموعة العشرين في اليابان. ووفقاً للرئيس التركي، فإنّ الصفقة لن تتسبب في مشكلة بين بلاده والولايات المتّحدة، ولن تكون هناك عقوبات على تركيا بسببها، مؤكّداً أنّه سمع شخصياً من ترامب أنّ هذه المسألة غير واردة.
في المقابل، يبدو التقييم الأميركي لهذا الملف مختلفاً عن تصوّرات أردوغان. إذ أكّدت واشنطن مراراً أنّه لا يمكن الجمع بين منظومة الدفاع الصاروخية الروسية ومقاتلة «أف – 35» التي تشارك تركيا في إنتاجها، وأنّه سيكون على الأخيرة التخلّي عنها حال إصرارها على تسلم المنظومة الروسية والاستعداد لفرض المزيد من العقوبات على أنقرة خلال المرحلة المقبلة.
وكانت واشنطن قد اوقّفت عملية تدريب الطيّارين الأتراك الجدد على مقاتلة «أف – ٣٥»، وأمهلت أنقرة حتى نهاية الشهر الحالي للتخلّي عن صفقة شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية أو مواجهة تداعيات قد تشمل إخراجها من برنامج إنتاج مقاتلات «أف – ٣٥» المتعددة المهام، وبشكل نهائي، وحرمانها من الحصول عليها. ويوحي موقف الكونغرس بالإضافة إلى رسالة وزير الدفاع الأميركي بالوكالة إلى أنّ المتاعب التي قد تواجهها تركيا لن تقتصر على ذلك، بل قد تمتد لتشمل عقوبات على شركات دفاعية تركية أيضاً.
3 احتمالات
وفي باب العقوبات، هناك ثلاثة احتمالات رئيسية، لعل أبرزها تلك المتعلقة بقانون مكافحة خصوم الولايات المتّحدة من خلال العقوبات (CAASTA)، حيث يحق للإدارة الأميركية بموجب هذا القانون أن تختار ٥ عقوبات من أصل ١٢ خياراً يتيحها القانون لها لتطبيقها ضد من تعتقد أنّه متعاون مع خصومها، من بينها خيارات تتعلق بفرض عقوبات على القطاع المصرفي والمالي وعلى قطاع الأعمال، وأخرى قد تحرم تركيا كذلك من إمكانية الحصول على قروض أو تسهيلات مالية أميركية.
الكونغرس قد يكون له دور في فرض نوع آخر من العقوبات على تركيا، خصوصاً تلك المتعلقة بالتعاون العسكري بين البلدين ومبيعات الأنظمة والأسلحة الأميركية إلى تركيا. قد تتدرّج هذه الإجراءات من حظر بيع قطع الغيار الخاصة بالمقاتلات الأميركية أو الأنظمة الدفاعية الأميركية الصنع الموجودة لدى تركيا، إلى منع بيع الجانب التركي بعض الأنواع المحددة من الأسلحة، لا سيما المقاتلات والطائرات ونظام الدفاع الصاروخي باتريوت، وليس انتهاء بإمكانية فرض حظر شامل على مبيعات الأسلحة إلى أنقرة كما كان عليه الأمر في السبعينات من القرن الماضي وسحب الأسلحة النووية الأميركية من تركيا.
المجال الثالث يتعلق بقانون التخويل الدفاعي الوطني لعام ٢٠١٩. القانون يتناول السياسة الدفاعية، وجرى إقراره سابقاً، وأوصى في أن يقوم البنتاغون بإجراء تقييم للتأثيرات المتوقعة على أنظمة التسلح الأميركية والمنصات الدفاعية التي تدار بشكل مشترك مع تركيا. وعلى الرغم من أنّه لم تتم إتاحة خلاصة التقييم للعموم، فإن هناك احتمالاً أن يتم تفعيل هذه الخلاصة لاحقاً.
احتياطات تركية
وفي هذا السياق، تشير بعض المعلومات إلى أنّ الجانب التركي بدأ يخزّن بعض قطع الغيار المتعلقة بمقاتلات «أف – ١٦» التي يمتلكها تحسّباً لإمكانية فرض عقوبات أميركية قريباً قد تتضمن حرمانه من الحصول على القطع اللازمة لبعض المعدّات والأنظمة الأميركية الصنع من بينها مقاتلات «أف – ١٦»، حيث تعد أنقرة واحدة من أكبر مشغلي هذا النوع من المقاتلات في العالم. وعلى الرغم من أنّه من غير الواضح متى بدأ الجانب التركي في أخذ احتياطاته في هذا المجال أو من أي جهّة قام بتأمين قطع الغيار هذه، فإنّ هناك مخاوف من أن يكون نطاق العقوبات أكبر في حال قرر الجانب الأميركي فعلاً معاقبة تركيا.
إذا ما صحّت المعلومات حول قيام تركيا بتخزين قطع الغيار الأميركية، فهذا يعني أنّ مسألة عدم فرض عقوبات أميركية عليها هو أمر غير محسوم بعد. في هذه الحالة، يصبح من المنطقي أن نفهم الإجراءات التركية هذه، على اعتبار أنّ وضع سلاح الجو التركي سيصبح صبعاً للغاية إذا صدقت التوقعات بشأن العقوبات ولم يكن لدى أنقرة بدائل آنيّة. وفي هذا السياق، من المتوقع أن تمنح قطع الغيار أنقرة كذلك مرونة أكبر من الناحية السياسية ونفساً أكبر حول أي مفاوضات مرتقبة مستقبلاً بشأن العقوبات إذا ما حصلت.
يبقى أن نشير إلى أنّ عقوبات أميركية محتملة قد تحمل معها كذلك انعكاسات سلبية على المعسكر الغربي، إذ إنّها قد تدفع أنقرة أكثر فأكثر إلى الحضن الروسي في سبيل الحصول على بدائل للأنظمة الأميركية، وعندها فانّ تركيا قد تجد نفسها مضطرّةً لدراسة خيار مقاتلة «أس يو – ٥٧» الروسية المتقدّمة بشكل أكثر جدّية، سواء في ما يتعلق بإمكانية الشراء أو حتى المشاركة في الإنتاج.