مقالات رأي

“تركيا قوية” .. منتج غير مطابق للمواصفات الدولية

لسنواتٍ خلت، لم تكد تخلو نشرات الأخبار والمقالات والتحليلات في الإعلام العربي والدولي من وصم السلطة التركية بأنها: “حكمٌ إسلامي ومحاولة واضحة لإعادة عهد السلطنة العثمانية”، مرتكزين في ذلك على شخصية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الملتزم دينياً هو وزوجته المحجّبة، في بلدٍ وُلِد من رحم الحرب العالمية الأولى مبتورَ الأطراف.

في الشكل، قد يظن القارئ أن تركيا تتحوّل تدريجياً من البلد العلمانيّ الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك إبّان الحرب، إلى بلدٍ إسلاميٍّ من جديد.

وما يدعم هذه النظرية السطحية هو التكرار الممنهج في الإعلام والمنابر للخطر القادم من إحياء السلطنة العثمانية.

لا تقف الصورة عند هذا الحد، بل يتسابق القريب والغريب على التذكير بـ”ويلات سبّبها الأتراك”، منها ما كان ومنها ما لم يكن، ودون ذكر سياقاتها التاريخية التي قد تبرّر الكثير من الأحداث وقد تؤكد أو تنفي غيرها، مستحضرين إلى الأذهان “صور الظلم” التي هي في الحقيقة مترسّخة في أذهان العرب خصوصاً.

كيف لا وكل الإنتاجات الدرامية على مدى عقود كانت تركّز على إظهار عهد السلطنة كاملاً على أنه عهد الوحوش التي احتلت بلاد العرب والمسلمين وقهرتهم وقتلتهم إلى أن جاءت دول الغرب و”خلّصتهم” من استبدادها. وللتأكد من هذه الصورة المحفورة في الوجدان ليس علينا سوى الرجوع إلى أرشيف الدراما السورية مثلا، التي تعرض حقبات الحكم العثماني.

لكن هذه الصورة المفتعلة لدرجةٍ أصبحت نمطية، جاء مسلسل “قيامة أرطغرل” التركي ليكسرَها، ويحبّب المسلمين والعرب بالأتراك القدامى، ليبلغ عدد مَن شاهدوه حول العالم 3 مليارات شخص بحسب بعض الإحصاءات.

حتى هذا المسلسل لم يسلَم من الانتقاد اللاذع والهجوم الذي خرج في مرات كثيرة عن المنطق. فالدول التي تقف حالياً في الخندق المواجه لتركيا لم تألُ جهداً في محاولة ضرب رسالة المسلسل وجوهره والتشكيك في كل تفاصيله، لدرجة إنكار وجود شخصية اسمها أرطغرل من الأساس.

لكن، إن عدنا إلى الواقع ونظرنا في أسباب الـ “هستيريا” الدولية من الصعود التركي، سنجد أن الغرب قد أحبّ تركيا وتعاون معها فقط في مراحل ضعفها، وأنه كلّما قوِيت شوكتُها كلّما سعى خصومُها إلى إضعافها من جديد.

لماذا؟ لأن تركيا ليست بلداً رَيعيّاً قائماً على المساعدات الدولية التي تُدخِلها دهاليزَ التدخلات الخارجية في سياساتها وقراراتها. بل تمكنت في السنوات العشر الأخيرة من الصعود الصاروخي، معتمدة خطةً اقتصاديةً رفعت البلاد إلى مصاف البلاد المنتجة والمؤثرة اقتصادياً وعسكرياً، وحتى في المجال السياحي.

وهنا لا بد من الإضاءة على الفارق بين حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وبين غيره من الأحزاب الإسلامية السياسية في البلدان العربية والإسلامية.

فالرؤيا التي انطلق منها الحزب ونفذّها على مراحل هي “اتجاه إسلامي اقتصادي” خدمةً لرفع مستوى المواطن ورفاهيته، بينما تتخذ طالبان في أفغانستتان مثلاً منحىً دَعَويًّا يكترث بالآخرة دون الدنيا إلى حدٍ بعيد.

في الواقع، مشكلة الغرب مع تركيا ليست في أسلمتِها، إن صح أن الحزب الحاكم يسعى لذلك تدريجياً كما يقال، وإلا فلماذا لا تتعارض مصالح الولايات المتحدة والغرب ككل مع المملكة العربية السعودية، علماً أنها تنتهج الصورة الأكثر تشدداً للإسلام؟!

باختصار، معضلة الغرب مع تركيا هي في قوّتها، كونها بدأت تسترجع يوماً بعد يوم زخمها وخاصةً في الشرق الأوسط، ولأنها تستخدم قوّتها في مواجهة الغرب المتغطرس، لا في دعم خططه كما اعتاد من التابعين العرب.

.

  بواسطة / ياقوت دندشي/ TRTعربي

أحدث الأخبار

أنطاليا تستقبل أكثر من 16 مليون سائح خلال 2024

حققت ولاية أنطاليا، عاصمة السياحة التركية المطلة على البحر المتوسط، نجاحًا ملحوظًا في استقطاب السياح،…

05/11/2024

إقالة رئيس بلدية أسنيورت: فضائح تعيين الأقارب تثير الجدل

  أعلنت وزارة الداخلية التركية عن إقالة رئيس بلدية أسنيورت بإسطنبول، أحمد أوزار، المنتمي لحزب…

05/11/2024

مقتل جندي أميركي بعدما أُصيب في غزة

أعلن الجيش الأميركي عن وفاة جندي كان في حالة حرجة بعد إصابته خلال مهمة غير…

05/11/2024

أردوغان يدعو لمزيد من الضغط الدولي على إسرائيل

أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الثلاثاء، على ضرورة مواصلة الجهود في العالم التركي…

05/11/2024

ملتقى الأعمال السعودي- التركي بإسطنبول يشهد توقيع 10 اتفاقيات في مجالات متنوعة

انطلقت في إسطنبول أمس فعاليات "ملتقى الأعمال السعودي- التركي"، الذي ينظمه اتحاد الغرف السعودية بالتعاون…

04/11/2024

إنقاذ 10 نساء تم إجبارهن على العمل في الدعارة واعتقال 9 مشتبه بهم (فيديو)

في عملية لمكافحة الدعارة نظمتها الشرطة في كوتاهيا، استهدفت 12 موقعًا، من بينها 3 صالات…

04/11/2024