في آخر رحلة لي إلى دولة قطر قبل أيام، استقليت مع أحد الأصدقاء سيارة أجرة “تاكسي” للانتقال من مكان لآخر داخل العاصمة القطرية الدولة، وكان سائق السيارة من بنغلادش، أتى إلى الدوحة للعمل وكسب قوته وقوت عائلته.
خلال الطريق، كنتُ أتكلم مع صديقي بعض الشيء باللغة التركية وبعض الشيء باللغة العربية، وإذ بالسائق يسألنا بلغة عربية ممزوجة بالإنكليزية “أنتما من تركيا؟”، فقلنا “نعم”، ليبدأ هذا الأخ البنغالي على الفور بالدعاء للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دون أن يسألنا هل نحن معه أم ضده.
بدأ يدعو لأردوغان بأدعية كثيرة، فسألته “هل قابلته من قبل؟ هل يعطيك أردوغان أي شيء؟ لماذا كل هذا الدعاء له؟”، ليرد علي “أنا لم أقابله وهو لا يعطني أي شيء، ولكنه أعطى الأمة… أعطى الأمة دولة قوية اليوم تقف إلى جانب المسلمين في كل مكان، ولذلك يحاربونه من هنا وهناك”.
بعد ذلك سكتنا بقية الطريق، وعندما وصلنا لم يقبل هذا السائق إلا أن ينزل من سيارته ليسلم علينا ثم يقف رافعا يديه إلى السماء وهو يدعو للرئيس أردوغان مجددا، سلمنا عليه وقبّلناه، وذهب كل منا في طريقه.
ذهب كل منا في طريقه جسديا وماديا، ولكن بقيت القلوب متصلة والأرواح متلاقية بنور الإسلام والإنسانية والمحبة، وسؤال واحد ظل يجول في خاطرنا “لماذا فعل هذا السائق ما فعله؟!”.
توصلنا إلى جواب بسيط، أن الله تعالى عندما يزرع حب شخص ما في قلوب أمثال هذا السائق الطيب، لابد وأن يكون ذاك الشخص فعل أفعالا ترضي الله أولا ثم ترضي عباده، فالحب في هذه اللحظة وفي تلك السيارة لم يكن لمصلحة أو غاية، بل كان صادقا نابعا من القلب.
فلا يسعنا إلا أن نقول لرئيسنا رجب طيب أردوغان أن جزاك الله تعالى عنا وعن الأمة كل خير، فعندما يرانا الآخرون يحبوننا لحبهم لك، ويحترموننا لاحترامهم لك، ولا يشتموننا كما يفعلون مع آخرين كرها بمن يتسلط عليهم هنا أو هناك من ديكتاتور أو ظالم أو لص أو عميل.
لقد أكد لنا هذا السائق الذي ينحدر من بلد بعيد عن تركيا آلاف الكيلومترات، أكد لنا حقيقة أن القضية التي يحملها رجب طيب أردوغان ليست قضية شخص وليست قضية منصب وليست قضية جاهة أو وجاهة، بل هي قضية أمة متعطشة لشيء من القوة والكرامة والعزة والافتخار… متعطشة لزعماء يصدقون معها ولا يخونونها، يحافظون على أبنائها ولا يقتلونهم، يدافعون عن أرضها ولا يبيعونها، يذودون عن مقدساتها ولا يسلمونها للأعداء.
وبالتالي لن تموت هذه القضية عند شخص أو منصب، هي قضية يزيد عمرها عن 1440 عام، لن تتزعزع بترك فلان أو علتان لها، ولن يؤثر عليها غياب ضعاف النفوس ومحبي الوجاهات والصدارة، بل بالعكس أن ينزل هؤلاء من قطار قضيتنا لهم تخفيف من الحمل على القطار، وبالتالي ستسهل حركته وتسرع أكثر نحو الهدف المبين.
سائق هذه التاكسي، وجه لنا رسالة بتصرفه معنا، أن الله ينصر هذا الدين بالرجل الصادق، مهما كان عرقه أو لونه أو قوميته، ولا خوف على قضية يتبناها الصادقون ويقودها الطيبون.
ومن هنا نقول وبشكل واضح، أن السيد علي باباجان الذي استقال من حزب العدالة والتنيمة، كان حرا في قراره، بل حاول معه الرئيس أردوغان أن يسلمه عدة مهام مؤثرة في الدولة، ولكنه لم يرض!! فماذا كان يريد أكثر؟!
واضح أن هناك شيء في نفس باباجان ومن قد يكون معه، وشيء ليس بالأمر الطيب نحو القضية الأم، وإلا لكان شارك بعمليات التصحيح والتحسين سواء على صعيد الحزب أو الحكومة بدل أن ينزل من القطار… الصادق تجاه قضيته يشارك بتصحيحها وتحسين أدائها ولا يتركها!
بالنهاية هذا طريق هو اختاره، فله ذلك وله أن يفعل في الحياة السياسية ما يريد، فتركيا ليست دولة ديكتاتور وليست دولة عصابة، بل دولة دستور وقانون وحرية سياسية… ولكن عليه أن يدرك أن نزوله من الطريق لن يكون مؤثرا، فهو فعليا تارك للطريق منذ زمن، وما الاستقالة إلا إعلان صريح بهذا النزول.
قضيتنا لا تقف عند شخص أردوغان ولا شخص باباجان ولا أي شخص آخر، هي مستمرة لن تتوقف، ولكننا نحترم ونجل ونقدر من يحبها ويسير على طريقها ويعمل لأجلها ويخلص في سبيلها ويضحي من أجل نجاحها ويكون طيبا محبوبا من غالبية هذه الأمة العظيمة.
دعاء سائق التاكسي أكد أن الطيب أردوغان الذي يحمل قضيتنا على كتفيه هو على الطريق الصحيح مهما تخلى عنه المتخلون ومهما هاجمه المهاجمون ومهما تعرض له المتعرضون.
فشكرا لأردوغان ولكل مخلص تجاه قضيتنا، الذي لا يلتفت لصغار الأمور وقشور الأحداث وأخطاء اللمم.
وشكرا لسائق التاكسي الذي يمثلنا ويمثل ملايين المسلمين حول العالم… شكرا لهذا السائق الذي أبكانا بفيض مشاعره وعرّفنا حقيقة من نحن معه في هذا الطريق وهذه القضية.
الرئيس الطيب اردوغان .. قال عليه السلام ( إ خير امرائكم الذين تحبونهم و يحبونكم و تدعون لهم و يدعون لكم .. فهو لا يحظى بالدعاء فقط من رعايا تركيا و إنما من عموم مسلمي الأرض .. وقفه الله و سدد خطاه و امده بقوة من عنده حتى تكون قوته قوة لكل المظلومين ..