قراءة في استقالة علي باباجان

اقرأ أيضا

الصبر مفتاح الفرج

أصدر علي باباجان، أول أمس الإثنين، بيانا أعلن فيه استقالته من حزب العدالة والتنمية، ليغادر الحزب الذي شارك في تأسيسه وتولى تحت حكمه مناصب عديدة، مثل وزير الخارجية، ووزير الدولة المسؤول عن الاقتصاد، ونائب رئيس الوزراء، بالإضافة إلى كبير المفاوضين في محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وكانت هذه الاستقالة متوقعة في ظل أنباء تشير إلى استعداد رئيس الجمهورية السابق، عبد الله غول، لتأسيس حزب سياسي جديد بمشاركة باباجان.

 

الاستقالة انطلاقة جديدة

 
باباجان ولد عام 1967 في أنقرة. وبعد أن أكمل دراسته الثانوية، وحصل على شهادة جامعية في الهندسة الصناعية من جامعة الشرق الأوسط التقنية في العاصمة التركية، ذهب إلى الولايات المتحدة لدراسة الماجستير. وبعد عودته إلى البلاد، عمل لمدة حوالي ثماني سنوات في القطاع الخاص بأنقرة. ثم شارك في تأسيس حزب العدالة والتنمية في آب (أغسطس) 2001، ودخل المعترك السياسي، وكان عمره آنذاك 34 عاما. وعلى الرغم من صغر سنه، تولى مناصب عالية لثقة قادة حزب العدالة والتنمية فيه.

 

يعرف الجميع في تركيا أن باباجان إن أسس حزبا سياسيا جديدا فسيكون ذلك الحزب حزب رئيس الجمهوية السابق عبد الله غول

هذه الاستقالة لا تعني خروج باباجان من الساحة السياسية، بل هي انطلاقة جديدة له ليتحمل في المرحلة المقبلة مسؤوليات تختلف عن تلك التي تولاها تحت حكم حزب العدالة والتنمية، وليشارك في تأسيس حزب سياسي جديد قد يتولى رئاسته أو يترك هذه المهمة لغيره.

 

رئيس حزب بالوكالة

باباجان لا يتمتع بشخصية سياسية جذابة، على الرغم من توليه لسلسلة من المناصب. كما أن تولي وزارة يختلف كثيرا عن القيام بدور زعيم يقود حركة سياسية. ولذلك، يعرف الجميع في تركيا أن باباجان إن أسس حزبا سياسيا جديدا، فسيكون ذلك الحزب حزب رئيس الجمهوية السابق عبد الله غول، سواء تولى هذا الأخير رئاسته أو ظل وراء الستار. وبعبارة أخرى، لن يكون باباجان زعيما سياسيا، بل سيكون رئيس حزب بالوكالة.

المرحلة التي دشنها باباجان في مسيرته السياسية باستقالته من حزب العدالة والتنمية، يتوقع أن تتضح ملامحها في المستقبل القريب. وهناك أسئلة سترسم أجوبتها تلك الملامح. ومن المؤكد أن مواقف باباجان من القضايا الساخنة، بالإضافة إلى علاقاته مع القوى السياسية الأخرى ستسهم في تشكل صورة ذهنية لدى الناخبين عن الحزب الجديد.

باباجان يقول في البيان الذي أعلن فيه استقالته، إنه “لا مفر من البدء بعمل جديد، من أجل حاضر ومستقبل تركيا”، ويتحدث دون ذكر أي تفصيل عن المبادئ والقيم الإنسانية، وعن انفصال بين عقله ومشاعره بسبب وجود اختلافات كبيرة بين الممارسات في مختلف القضايا وبين تلك المبادئ والقيم التي يؤمن بها.

 

المؤكد أن مواقف باباجان من القضايا الساخنة، بالإضافة إلى علاقاته مع القوى السياسية الأخرى ستسهم في تشكل صورة ذهنية لدى الناخبين عن الحزب الجديد.

هل سيدعم الحزب الجديد الذي سيؤسسه باباجان مكافحة تنظيم الكيان الموازي الإرهابي الذي قام بمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز (يوليو) 2016؟ وماذا سيكون موقفه من الأزمات التي تشهدها العلاقات التركية ـ الأمريكية؟ وهل سيؤيد الخطوات التي تتخذها تركيا في البحر الأبيض المتوسط من أجل الحفاظ على مصالحها ومصالح القبارصة الأتراك؟ وهل سيتحالف مع حزب الشعب الجمهوري وغيره في الانتخابات ضد حزب العدالة والتنمية؟

الحزب الصالح الذي أسسته مرال آكشنير بعد انشقاقها عن حزب الحركة القومية، نجح في شق صفوف القوميين الأتراك، وضم نسبة منهم إلى التحالف الذي أقامه حزب الشعب الجمهوري مع حزب الشعوب الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني. ويرى محللون أن مهمة حزب باباجان لا تختلف عن مهمة الحزب الصالح، وهي شق نسبة من مؤيدي حزب العدالة والتنمية وضمهم إلى التحالف المعارض الذي يقوده حزب الشعب الجمهوري.

 

المؤكد أن الناخبين سيطلبون من باباجان لتقييم حزبه أجوبة صريحة في مختلف القضايا والملفات، بعيدا عن التصريحات الفضفاضة

تركيا شهدت منذ الانتقال إلى التعددية الحزبية تأسيس أحزاب سياسية كثيرة، ودخلت بعضها المعترك السياسي بضجة وتوقعات كبيرة، إلا أنها سرعان ما خرجت منه، أو ظلت فيه بلا أي ثقل، في مقابل نجاح عدد قليل من تلك الأحزاب. ويقول المثل التركي “من يدخل حمام البخار يتعرق”. ومن حق أي مواطن تركي أن يؤسس حزبا جديدا إلا أن التحدي يبدأ بعده. ومن المؤكد أن الناخبين سيطلبون من باباجان لتقييم حزبه أجوبة صريحة في مختلف القضايا والملفات، بعيدا عن التصريحات الفضفاضة، والحديث عن القيم والمبادئ، وسينظرون إلى الأسماء التي ستصطف معه في المرحلة القادمة من مسيرته السياسية.

.

قراءة في استقالة باباجان بواسطة/ إسماعيل ياشا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.