نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا لمديرة مكتبها في تركيا، كارلوتا جال، حول دور الرئيس أردوغان في صفقة الصواريخ الروسية إس 400، رأت فيه أن هذه الصفقة تمثل الخطوة الأكثر تصميمًا للرئيس التركي حتى الآن في صياغة رؤيته الخاصة لتركيا المستقلة والقوية التي يمكنها التصدي للقوى الغربية الاستعمارية.
وكتبت جال أن الرئيس التركي حاول على مدار 17 عاما في الحكم إعادة صياغة تركيا لتصبح لاعبا أقوى وأكثر استقلالية على الساحة الدولية، يمكنها أن تتنافس رأسا برأس مع قوى مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وأضافت أن أردوغان وهو يفعل ذلك لم يكن خائفًا من التلاعب بجميع الأطراف ضد بعضهم البعض، حتى لو كان في ذلك خطورة في نفير حلفائهم القدامى، حيث إن تعامله الواضح المزدوج يثير القلق في أوروبا وأمريكا حول من يقف أردوغان إلى جانبه بالفعل.
ورأت جات، أنه إذا كانت هناك رسالة ضمنية في صفقة الصورايخ الروسية، فإنها تتعلق بشكوك الرئيس أردوغان العميقة من أن واشنطن كانت وراء محاولة الإطاحة به في الانقلاب الدموي في عام 2016، عندما قُتل أكثر من 200 تركي، من بينهم أحد أصدقاء أردوغان المقربين.
وينقل التقرير عن أسلي أيدينتاسباش، الزميلة الأقدم في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية قولها: “إن أردوغان لم يعد يثق في النوايا الغربية تجاه تركيا، ولذلك فإن شراء صواريخ S-400 لا يتعلق بالضغط الروسي.”
وقالت أيدينتاسباش: “الأمر يتعلق بمخاوف تركية من انقلاب آخر. ولم تقم واشنطن بأي شيء لمعالجة شكوك تركيا بشأن دورها في المحاولة الانقلابية في 15 يوليو.”
ويلفت التقرير إلى أن واشنطن رفضت متذرعة بعدم كفاية الأدلة تسليم فتح الله غولن المتهم بتدبير محاولة الانقلاب. ويرى كثير من الأتراك إحجام الولايات المتحدة عن تسليم السيد غولن بوصفه محاولة لحماية عميل أمريكي.
ووفقا للتقرير، لا يبدو الرئيس التركي مستعدًا لتمزيق التحالفات القديمة تمامًا، بل للعب مع الأعداء في الشرق والغرب للحصول على أفضل صفقة مع تركيا، كما يقول المحللون.
وأضاف أنه حتى مع مع قيامه بشراء النظام الصاروخي الروسي الجديد، فقد رفض أردوغان أي إشارة إلى أنه كان يسعى لإخراج تركيا من حلف الناتو في مؤتمر صحفي مع صحفيين أجانب الشهر الماضي.
ويقول التقرير إن السؤال الذي يواجه حلفاء السيد أردوغان في الولايات المتحدة وأوروبا هو ما إذا كان شراء النظام الروسي هو مجرد خطوة أبعد من أن تحافظ على العلاقات كما كانت.
ويجيب بأنه إذا لم يعجل شراء الصواريخ الروسية بإحداث قطيعة في العلاقات، فقد يعيد تشكيلها.
ورأى التقرير أن شراء تركيا لمنظومة S-400 المتطورة يمثل الخطوة الأكثر تصميمًا للرئيس أردوغان حتى الآن في صياغة رؤيته الخاصة لتركيا المستقلة والقوية التي يمكنها التصدي للقوى الغربية الاستعمارية.
وأشار إلى أن أردوغان يراهن على علاقته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتجنب العقوبات التي فرضها الكونغرس. كما أبدى استعداده في نهاية الأسبوع للتفاوض على حل.
ولكن التقرير يستدرك أن الخطر في هذه الأثناء هو أن تركيا يمكن أن تتصالح مع روسيا، وهو ما يسعى الرئيس التركي إلى إبرازه.
ويذكر أن المحللين والمسؤولين الأتراك يقولون إن الزعيم الروسي كان على ما يبدو أكثر استعدادًا من الأمريكيين لسماع المخاوف التركية – حتى عندما تتباين المصالح – ومعاملة الرئيس أردوغان معاملة الند.
ويعقد التقرير مقارنة بين تعامل بوتين وترامب مع تركيا، ويلفت إلى أنه في كل قضية تقريبًا كان فيها ترامب والولايات المتحدة غير مرن أو فاتر، عرض السيد بوتين الحوار. وحتى في سوريا، حيث كان البلدان على طرفي النزاع، عمل بوتين على تحويل تركيا من خصم إلى شريك متعاون.
وينقل التقرير عن سونر جاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن تعامل بوتين مع أردوغان بعد الانقلاب الفاشل كانت نقطة تحول حاسمة.
وأضاف جاغبتاي أن الانقلاب غير حسابات بوتين الذي اتصل بأردوغان في اليوم التالي للانقلاب ودعاه إلى روسيا. وفي المقابل انتظرت واشنطن أربعة أيام للإعلان عن تعاطفها مع تركيا بشأن الانقلاب، ولم يصدر الإعلان عن الرئيس أوباما، بل عن وزير خارجيته جون كيري.
وقال أحمد هان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ألتينباس في إسطنبول: “لو تم التعامل مع الأمور في وقت سابق، ما كانت صفقة إس 400 لتتم”.
وأضاف أن: “صناع القرار في تركيا متلهفون لاستلام” طائرات S-400، لكن لا أحد سعيد حقًا باستثناء اللوبي الروسي”.
.
وكالات