حوّلت الدراما التركية قبر “أرطغرل” والد مؤسس الدولة العثمانية من مكان مهجور لا يقصده إلا القليل من الأتراك المجاورين لمنطقة الضريح، إلى مزار كبير ووجهة سياحية لما يقارب المليوني زائر سنوياً.
ويجاور ضريح أرطغرل ضريح ابنه السلطان أورهان غازي، ويقعان بولاية بورصا شمال غرب تركيا.
ويقع الضريحان في حديقة طوب هانة بمنطقة عثمان غازي التي تضم أيضا برج الساعة ونصبا تذكاريا لشهداء حرب الاستقلال.
ولأجل استطلاع هذا التأثير الذي أحدثته الدراما التلفزيونية على أرض الواقع زار المستطلع مكان القبر والتقت ممثل دائرة الثقافة والفنون وراعي القبر مصطفى أكيجي وعددا من الزوار الذين أوضحوا أن سبب معرفتهم واهتمامهم بزيارة القبر ترجع إلى مشاهدتهم للمسلسل الدرامي التركي الشهير “قيامة أرطغرل”.
وعن تأثير المسلسل على شكل المكان يقول مصطفى أكنجي: “هذا هو مكان عملي منذ 20 سنة ولم أر هذا العدد الكبير من الزوار قبل عام 2014 وهو العام الذي بدأت تبث فيه أولى حلقات مسلسل قيامة أرطغرل، واليوم بعد خمس سنوات يصل عدد الزوار سنويا الى قرابة المليوني زائر”.
وأضاف أكيجي أن بلدية بورصة الكبرى تولي اهتماما كبيرة بمنطقة الضريح بعدما أصبح أحد أهم المعالم السياحية، وتعمل على توفير الخدمات اللازمة للزوار.
وأوضح أكيجي أنه “خصص للقبر فريق عمل من الحراسات يرتدون الزي التاريخي الذي يرتديه أبطال المسلسل، ويجري تبديلهم بالتناوب على رأس كل ساعة”.
وأثناء جولته وجود ثقوب في جسم النوافذ الحديدية المحيطة بالقبر، الأمر الذي عزاه أكيجي إلى “طلقات أطلقها الجنود اليونانيون الذين احتلوا مدينة سكود عام 1921”.
ويضيف أكيجي أن القبر يحوي إلى جانب المقام صناديق خشبية بها تراب من أغلب الدول التى امتدت لها سلطة الدولة العثمانية.
ويفد إلى زيارة القبر العديد من الزوار من دول عربية وأجنبية، فضلا عن الزوار الأتراك، وقال أمر الله جاهين وهو ألماني من أصول تركية جاء بأسرته وأطفاله لزيارة القبر، مبررا ذلك برغبته في التعرف أكثر على شخصية القائد المسلم أرطغرل الذي لم يكن يعرفه قبل مشاهدة المسلسل.
وقال شاهين: “حضرت أنا وأسرتي من أجل قراءة الفاتحة على روحه الطاهرة، فهو جد محمد الفاتح العظيم الذي بشر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم”.
ومتحدثا عن دور الدراما في التأثير الاجتماعي، يوضح الباحث في العلوم الاجتماعية محمد حسني، أن “الدراما في العموم تستهدف التأثير في وجدان المشاهد أو المتلقي بحيث يشعر بـ حالة توحد مع شخصيات العمل الدرامي، فيشعر أن تلك الشخصية بهذا المسلسل أو هذا الفيلم تخوض معاركه التي كان يجب أن يخوضها بالنيابة عنه”.
وأضاف حسني أن “فكرة استغلال الدراما في القوة الناعمة للدولة تتمثل في خلق حالة توحد بينك كمشاهد وبين أرطغرل، فتعيش الصراع في المسلسل بكافة تفاصيله، فتحدث لك حالة توحد مع الصراع الذي يخوضه، وهنا يتولد لديك شعور الانتماء لتلك الدولة أو هذا الكيان العثماني الذي كان يحاول أرطغرل ويناضل لكي يؤسسه، فبالتالي تشعر بانتماء لوريثة الدولة العثمانية أي الدولة التركية الحالية، فإذا تولد عندك هذا الشعور تكون الدراما حققت غرضها كأداة للقوة الناعمة”.
ونشأت حول القبر أنشطة اقتصادية لكثرة زيارة السياح، منها بيع المشغولات اليدوية والأغراض التي ظهرت في المسلسل مثل الملابس والدروع والسيوف وأواني الطعام، حيث حرص محمود حمدي السائح المصري الذي جاء هو وزوجته وأطفاله إلى القبر على ارتداء الملابس التاريخية الخاصة بأبطال المسلسل والتقاط صور تذكارية بها.
وقيامة أرطغرل، هو مسلسل تاريخي تركي تدور أحداثه في القرن الثالث عشر الميلادي، ويعرض المقدمات و الإرهاصات التي سبقت تأسيس الدولة العثمانية من خلال تناوله سيرة البطل المسلم أرطغرل بن سليمان شاه، قائد قبيلة قايي من أتراك الأوغوز المسلمين ووالد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية.
وبثت أولى حلقاته في 10 كانون الأول/ ديسمبر عام 2014 على شاشة شبكة ” تي آر تي1″ التركية وهو من إخراج ميتين جوناي.
وتشاهد المسلسلات التركية في نحو مائة دولة، وتمت ترجمتها إلى لغات الشرق الأوسط كالعربية والفارسية ولغات أوروبا وآسيا والهند والأمريكتين، ليتابعها قرابة الثلاثة مليارات مشاهد في 85 بلداً حول العالم. المصدر/عربي21