تحتل تركيا اليوم المرتبة الأولى في قائمتين اثنتين، وكل مرتبة تجعل هذا البلد محل فخر واعتزاز أنه في هذا المكان لا في موقع آخر، أنه استطاع أن يكون وفيا لثقافته التاريخية وتعاليم دينه الحنيف وعادات وتقاليد مجتمعه.
استطاع تركيا أن تتربع اليوم على رأس قائمة أكثر الدول استضافة للاجئين والنازحين والهاربين من بلادهم في العالم، كما استطاعت أن تتربع على رأس قائمة أكثر الدول انفاقا على الخدمات والمساعدات الإنسانية في العالم بالنسبة لدخلها القومي.
كما ذكرت لا مصلحة لتركيا أن تتنافس لتكون في هذا الموقع، إلا لأنها تحمل قيم الإسلام والإنسانية والأخلاق والعدالة والتنمية.
وإلى جانب الوفاء للتاريخ العريق وخاصة العثماني منه، وإلى جانب التمسك بتعاليم الإسلام الحنيف، كان للشعب التركي بغالبيته العظمى دور كبير بإيصال بلاده أن تتربع على قائمة الشرف الإنساني.
منذ سنوات طويلة ولم تغير تركيا ثقافتها الحاضنة لكل من يلجأ إليها هاربا من بلاده الظالم حكامُها، حتى وصلت إلى قمة هذا المفهوم الإنساني الحضاري مع وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كل من يلجأ إلى بلاد الأناضول ـ وخاصة أهل سوريا ـ أنهم “المهاجرون” وأن الشعب التركي بالنسبة لهم “الأنصار”.
مصطلحان تفوقا بمعانيهما على كل مفاهيم الحضارة الإنسانية وعلى كل مصطلحات منظمة الأمم المتحدة المتعلقة بشؤون الإنسان والإنسانية، وبالتالي لم تصل دولة في العالم لهذه القمة بالتعامل مع كل من يلجأ إليها، إلا تركيا.
ولكن… هل حان الوقت لتتخلى تركيا عن هذه المفاهيم وأن تخون تاريخها الإنساني والإسلامي؟!
الجواب بسيط وسهل: قطعا لن تفعل تركيا ذلك لا اليوم ولا غدا، إلا أن ترتيب البيت المشترك بين المهاجرين والأنصار واجب على كلا الطرفين، وأي خلل في هذا البيت يتحمل مسؤوليته كلا الطرفين.
فماذا يجري اليوم بين المهاجرين السوريين والأنصار الأتراك في إسطنبول بالتحديد؟!
لسنا اليوم في معرض الحديث عن الأخطاء التي وقع فيها كلا الطرفين… المهاجرون لم يتمكنوا من ضبط شريحة غير إيجابية تنتمي إليهم ولم يستطيعوا ضبط توزعهم على مناطق الأنصار.
أما الأنصار فلم يضبطوا الأمور منذ البداية بشكل واضح ودقيق ولم يسنوا قوانين جلية تنظم العلاقة بينهم وبين ضيوفهم كي تبقى علاقة طيبة إيجابية، كما أنهم يحاولون اليوم أن يضبطوا القوانين ولكن بشكل متسرع، ولأسباب مختلفة.
الكل متخوف والكل ينشر ما هو غير صحيح في كثير من الأحيان، ويعطي الفرصة لأعداء المهاجرين والأنصار ليصطادوا بالماء العكر، ويبقى ما يجب أن نوضحه لكلا الطرفين:
·من ينكر ما قامت به تركيا منذ سنوات خدمة للمهاجرين ـ وهذا واجبها ـ هو شخص جاحد بعيد عن تعاليم الإسلام وأخلاقه.
· من ينكر إيجابيات ما قدمته الشريحة الأوسع من المهاجرين وخاصة السوريين لتركيا هو شخص إما عنصري أو جاهل.
وانطلاقا من هاتين النقطتين وبعيدا عن الأشخاص السلبيين من كلا الطرفين، نوضح أن ولاية إسطنبول لم تعد تحتمل الأعداد الكبيرة من المهاجرين وخاصة غير المنظمة أمورهم القانونية، ولذلك تسعى الحكومة التركية اليوم ـ حتى لو كانت متأخرة ـ لإعادة تنظيم العلاقة بين المهاجرين والأنصار، لا لطرد المهاجرين والحقد عليهم ورفضهم ومحاربتهم كما يروج البعض.
ويبقى تنظيم هذه العلاقة حق شرعي للحكومة، التي عليها أن تعتمد سياسة العدل ـ كما هو معروف عنها ـ لا سياسة انتهاك الحقوق، وبالتالي تشهد إسطنبول اليوم وخلال الأيام المقبلة حملة لتنظيم هذه العلاقة، وفق القوانين التركية الموجودة أصلا، وسيتم اعتماد سياسة تدريجية سلسة لهذا الأمر بعيدا عن أي ضرر بالآخرين، وحال وقوع أي انتهاك فردي من هنا أو هناك ستكون الحكومة في المرصاد لمحاسبة كل من يتجاوز حدوده بالتعامل مع المهاجرين.
وإشارة هنا أن التحضيرات لأمر كبير في المنطقة جارية على قدم وساق، والحكومة التركية ملزمة بمعالجة قضية إسطنبول، وخاصة مع الفئات التي لا تحمل أي أوراق ثبوتية وتقيم في المدينة بطريقة غير شرعية، فالأمن خط أمر، ومثل هذه الفئة تخيف الأجهزة الأمنية التي من واجبها حماية الجبهة الداخلية، تزامنا مع اشتعال الجبهة الخارجية.
تركيا لن تطرد أي مهاجر، وأي واحد منهم تعرض للأذى عليه أن يطالب بحقه بالطريق القانونية، وليكن جريئا فهو في تركيا لا في بلد يحكمه ديكتاتور ظالم مصاص دماء… هنا حيث القانون الذي يحكم لا الأهواء.
المشكلة بسيطة بين المهاجرين والأنصار، وهي محصورة في إسطنبول فقط، هذه المدينة المليونية المكتظة، وبالتالي صبر من كلا الطرفين وتنازل من كلا الطرفين تحل المشكلة ويأخذ كل ذي حق حقه، وتبقى الصورة البراقة التي قدمها السوريون والأتراك معا ناصعة تبهر العالم بأسره.
المنطقة لا تحتمل اليوم أي إشكال جديد، وبالتالي ما تقوم به الحكومة التركي سيعود بالفائدة والإيجابية على المهاجرين والأنصار معا، وأدا للفتنة التي تحاول وسائل إعلام نتنة أن تشعلها، وسيتم التوزيع الجديد ضمن مهل معينة وبسلاسة بما يصب في مصلحة الجميع.
أما الحديث عن تخلي الأنصار عن المهاجرين فهو حديث باطل غير صحيح، والحديث عن صفقات دولية على حساب المهاجرين أيضا حديث باطل غير صحيح… كل ما في الأمر إعادة ضبط وتوزيع وهذا حق من حقوق المستضيفين، والالتزام بالقوانين أمر يغلق الطريق على أي إشكال أو فتنة أو سوء.
فليطبق القانون من قبل الأنصار بسلاسة وهدوء واحترام، وليتقبل المهاجرون القانون التزاما تاما، فهو قانون واحد يطبق على الأنصار وعلى المهاجرين، وكما أن الأنصار ملزمون بقوانين بلادهم فأيضا المهاجرون ملزمون كالأنصار بهذه القوانين… والالتزام بالقوانين يحمي الجميع ويسد الطريق على المغرضين من كلا الطرفين وعلى الطابور الخامس.
طالما دعونا سابقا للالتزام بالقوانين، سواء أعجبني القانون أو لم يعجبني، وإلا فإن الأمور ستصل مرحلة تضر بالجميع، كثير من المهاجرين يعرفون القوانين من سنوات… لما لم يتم الالتزام؟!
يا أخي العزيز، أنا مواطن تركي ولا أجرؤ على الخروج بالشارع من دون أوراقي الثبوتية!!! فماذا تعترض أنت عندما يوقفك شرطي ويسوقك إلى مركز الشرطة لأنك لا تحمل أوراقك الثبوتية أو لأنك نسيتها في المنزل؟! هو لم يوقفك لأنك من هذه الجنسية أو تلك بل لأنك مخالف للقانون، والشرطي سيوقف المواطن التركي إذا كان يمشي بدون أوراق ثبوتية… هذا مثال بسيط.
هل يجرؤ أي أحد ومهما كانت جنسيته حتى لو كان تركيًا، هل يجرؤ على مخالفة القوانين في واشنطن وبرلين ولندن وباريس وبكين وطوكيو؟
أما من يقول أن المشكلة في طريقة التطبيق وليست في القوانين بحد ذاتها، فأذكره أنه في تركيا وليس في بلد ظالم حاكمه، وبالتالي أن ظلم يتعرض له هنا يستطيع أن يطالب بحقه ويأخذه… ومن يطبق القوانين بطريقة غير صحيحة من أبناء الأنصار فهو مدان أيضا ويجب تقديم شكوى بحقه لمحاسبته، الشكوى تقدم لأهل الاختصاص وليس لأي شخص تركي لمجرد أنه يتكلم العربية!
سواء أعجبنا البحر أم لم يعجبنا بهدوئه أم بموجه العاتي… كلنا في مركب واحد، فإما أن يكون القبطان والركاب على توافق وبالتالي نصل معا لبر الأمان، وإما أن يكون القبطان والركاب على خلاف وبالتالي يغرق الجميع بسبب حقد هذا وعنصرية هذا، وتهرب هذا من قوانين المركب والبحار.