أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، في مقال كتبه لصحيفة “بلومبيرغ” الأمريكية، أن بلاده “لم تتخل عن الغرب”.
وفي معرض رده على مقالة نشرتها “بلومبيرغ”، قبل يومين بعنوان “تركيا لم تعد حليفا للغرب”، قال قالن إن “الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتحملان مسؤولية وضع العلاقات الراهنة مع تركيا”.
كما نفى المتحدث باسم الرئاسة التركية الاتهامات التي أخذت تنهال على بلاده مؤخراً، وبينها مزاعم استبداد الرئيس رجب طيب أردوغان داخلياً، وتقويض عمل قوات حلف شمال أطلسي “ناتو” خارجياً.
وإلى نص المقال، الذي نشرته، الإثنين، الصحيفة الأمريكية ذاتها:
أثار شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسية المضادة للطائرات والصواريخ “إس-400” جدلاً قديماً حول ما إذا كانت تركيا تبتعد عن الغرب.. تتراوح الاتهامات ضد هذا البلد ما بين مزاعم استبداد الرئيس رجب طيب أردوغان في الداخل، وتقويض عمل قوات حلف “ناتو” في الخارج.
هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة.. وإن دل ذلك على شئ فهو يدل على فشل عميق في تفهم المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا من ناحية، والديناميات الإقليمية والوقائع الجيوسياسية الكبرى المحيطة بها من ناحية أخرى.
إن الإدعاء بأن تركيا لم تعد حليفًا موثوقًا لحلف شمال الأطلسي (ناتو) لا أساس له من الصحة، على العكس تماماً، لعبت تركيا – ولا تزال تلعب – دوراً حاسماً في تنفيذ جميع مهام “ناتو” الرئيسية، من كوسوفو والبوسنة إلى لبنان وأفغانستان، وذلك باعتبارها عضو مسلم.
كما لعبت دورًا رئيسيًا في سد الفجوة الحسية والثقافية بين التحالف والعالم الإسلامي.. لا يختلف التشكيك في مكانة تركيا في “ناتو” عن التشكيك في نزاهة الحلف وأهميته في القرن الحادي والعشرين.
كما يشير القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي “ناتو” جايمس ستافريديس، إلى أن “خسارة تركيا، صاحبة ثاني أكبر جيش في الحلف، وفرض عقوبات ضدها، سيكون خطأً جيوسياسياً كبيراً، وسابقة مروعة”.
اتجهت الأمور مؤخرًا لتصوير تركيا على أنها (دولة) منبوذة، ويعود ذلك إلى سببين رئيسيين، الأول هو قرار تركيا شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-400″، الأمر الذي أدى إلى أزمة مع الولايات المتحدة، والثاني هو قرار تركيا مواصلة الاستكشاف والتنقيب في شرق البحر المتوسط، ما أدى إلى أزمة مع الاتحاد الأوروبي.
لكن سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن هذه هي القضايا الوحيدة التي أوصلتنا إلى الأزمة الحالية.. الأزمة ملحة وتتطلب منظورًا أوسع نطاقًا.
التحالف لا يعني الاحتكار: هذا لا يعني أن بعض الأعضاء أحرار في فرض أجندتهم على الآخرين.. لا يستطيع حلف “ناتو” أن يؤدي مهامه على نحو سليم، عندما لا تؤخذ المخاوف الأمنية لجميع الأعضاء على محمل الجد.. وتركيا ليست استثناء.
انضمت تركيا إلى التحالف الغربي منذ قرن مضى على الرغم من أنها خاضت حربًا دموية من أجل الاستقلال ضد القوى الأوروبية.
لقد ظلت إلى حد كبير ملتزمة بمبادئ الديمقراطية متعددة الأحزاب، وسيادة القانون، والأسواق الحرة والانفتاح على العالم، وبعد انضمامها إلى حلف “ناتو” في عام 1952، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من هيكل الأمن الغربي.
خلال العقد الماضي، وسّعت تركيا من نظرتها للسياسة الخارجية – كما فعلت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وغيرها – في عالم متعدد الأقطاب.
يستند هذا النهجُ على إدراك أنّ السياسة الخارجية ليست لعبة محصلتها صفر، وأن سبيل المضي قدما ليس نهجًا اختزاليًا وحصريًا، ولكنه بالأحرى منظور التمكين المتبادل.. حيث يحق لتركيا حماية مصالحها في الشرق الأوسط أو إفريقيا بقدر ما يحق لفرنسا أو الولايات المتحدة، في هذه المناطق وغيرها.
لذا فإن التساؤل الحقيقي لا يتعلق بما إذا كانت تركيا تبتعد عن الغرب، ولكنه لماذا يتم تجاهل المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا بطريقة منهجية، وهناك قائمة طويلة من هذه المخاوف.. دخلت حرب تركيا ضد منظمة حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) الإرهابية، عقدها الرابع، والدعم الذي تلقته من حلفائها غير متناسق وغير كافٍ.
تلقت تركيا دعمًا وتعاطفًا أقل في معركتها ضد أنصار حركة غولن، خاصة بعد محاولة الانقلاب التي وقعت في 15 يوليو/تموز 2016 عندما لقى 251 شخصًا مصرعهم، وأصيب أكثر من ألفين بجروح.
واليوم، يعمل كل من “بي كا كا” وأنصار حركة “غولن” بحرية من البلدان الغربية.. وقد وقعت طلبات تركيا المتكررة بتسليم أعضاء هذه الشبكات الإرهابية على آذان صماء.
ازدادت المخاوف الأمنية لتركيا بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، وعلى الرغم من أن تركيا تتحمل العبء الأثقل لأزمة اللاجئين الأكبر في التاريخ الحديث، لم تتلق سوى القليل من الدعم المالي والسياسي.
إن قرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بالتحالف مع الأجنحة السياسية والعسكرية لـ “بي كا كا” في سوريا ألحق أضرارا إضافية بأواصر الثقة بين الحليفين .. هذه السياسة، التي تستمر في الوقت الراهن في ظل إدارة ترامب، تشكل أيضًا تهديدًا خطيرًا لسلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية، وتفتح البلاد أمام حروب بالوكالة على أسس عرقية وطائفية.
محاولات تركيا المتكررة لشراء منظومة صواريخ “باتريوت” من الولايات المتحدة لم تتمخض للأسف عن أي اتفاق.. وما كان أسوأ هو قرار إدارة أوباما بسحب “باتريوت” من تركيا في عام 2015، بينما ظلت تركيا تحت تهديد الحرب السورية.. جهود تركيا لشراء صواريخ “باتريوت” خلال العامين الماضيين لم تسفر عن أي نتائج.. ونظام الدفاع الجوي الروسي لم يعد خيارًا، ولكن ضرورة لتركيا.
كما شابت حالة مماثلة من الإهمال والإحباط العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشأن القضية القبرصية، يعرف الأوروبيون كم من الجهد بذلته تركيا لحل القضية منذ خطة (الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان لعام 2004)، التي قبلها القبارصة الأتراك ورفضها القبارصة الروم، وبقبول القبارصة الروم في الاتحاد الأوروبي كعضو كامل دون تسوية القضية، ألحق أيضًا ظلمًا كبيرًا بالقبارصة الأتراك، ولم ينتهك بذلك الاتحاد الأوروبي مبادئه فحسب.
في الآونة الأخيرة، قوبل بالرفض العرض الذي قدمه الجانب التركي لتأسيس نظام يتسم بحصة عادلة ومتساوية من الموارد في شرق البحر المتوسط.
تركيا لا تبتعد عن الغرب أو أي جزء آخر من العالم، وعلى النقيض من ذلك، فهي تعمل على توسيع وتنويع خيارات سياستها الخارجية، لكن يجري إبعادها على حساب أمن وسلامة حلف “ناتو”.
وبدلاً من استخدام تركيا كأداة لتحقيق مصالحهم قصيرة المدى، يجب على أصدقائنا وحلفائنا الغربيين معاملة تركيا كشريك على قدم المساواة من ناحية واتخاذ مخاوفها الأمنية على محمل الجد من ناحية أخرى.