نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية مقال رأي للكاتبة رولا خلف سلطت من خلاله الضوء على تسلسل الأحداث الذي قاد إلى اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وذلك كما ورد على لسان خطيبته خديجة جنكيز.
وقالت الكاتبة، إنها قابلت خطيبة جمال خاشقجي خديجة جنكيز، والتي كانت أولى كلماتها “أنا لا أريد البكاء”.
وفي البداية، كانت خديجة أول من نبه السلطات والمنافذ الإعلامية إلى اختفاء جمال خاشقجي، قائلة إنه قد تعرض للاختطاف والنقل إلى مكان آخر، لكنها لم تكن تعلم أنه قد قتل وقطعت أوصاله في القنصلية السعودية في إسطنبول.
وأضافت الكاتبة أن خديجة لا تزال تطالب بالحصول على رفات خاشقجي لدفنه، ناهيك عن مطالبها المستمرة بالحصول على إجابات تتعلق بسبب مقتله ودافع السعوديين لاعتماد مثل هذا النهج الوحشي في اغتياله.
علاوة على ذلك، تطالب المرأة الملتاعة بتوضيح حول عدم إصرار الأطراف الدولية على محاسبة المسؤولين عن هذه المجزرة.
لقد اختار خاشقجي العيش في المنفى خوفا من بطش ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد أن كان مستشارا للعائلة المالكة، وكان كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
ويمكن القول إن الصحفي الراحل بالكاد شكل تهديدًا لولي العهد المعروف على نطاق واسع. حيال هذا الشأن، قالت جنكيز: “لقد كان جمال ينتمي إلى القصر ولم يأت من خارجه، لم يكن عدوهم”.
خلال لقائها بخديجة جنكيز، قالت الكاتبة إنها كانت تجيب أسئلتها عن خطيبها الراحل، وذلك انطلاقا من معرفتهما لبعضهما البعض لمدة ناهزت الـ20 سنة.
وفي هذا الصدد، وصفت خاشقجي بأنه كان مفكرا ليبراليا متحمسا لازدهار الديمقراطية عقب ثورات الربيع العربي، لكنه شعر بخيبة أمل كبرى عندما كان مصيرها القمع.
خلال حديثها عن خاشقجي، لمعت عينا خديجة جنكيز وارتسمت على ثغرها ابتسامة تحوي بين طياتها كلمات لم تقل حول العلاقة العميقة التي جمعتها به.
وحول لقائها به في أحد المؤتمرات حول دول الخليج في إسطنبول، قالت صاحبة الـ37 سنة إنها قد اتجهت نحوه وقدمت نفسها وقالت إنها تود إجراء مقابلة صحفية معه. وعقب تبادل أطراف الحديث وإجراء المقابلة، أبدى خاشقجي إعجابه بشخصيتها.
قد تبدو خديجة في بعض الأحيان وكأنها طالبة أُعجِبت بأستاذها الذي يكبرها سنا، كما أنها قد تبدو في أحيان أخرى إنسانة مفكرة وقعت في حب فكرة. ولقد استغرق الأمر عدة لقاءَات بينهما حتى يطلب خاشقجي الزواج منها.
وقالت خديجة إزاء هذا الشأن إن الراحل كان يشعر بالوحدة والألم، ولقد بادر بلقاء والديها في ظرف لا يتجاوز الـ20 يوما، لقد كان عمليا بحق.
أما في ما يتعلق بعائلة الشابة التركية المحافظة، فقد كان والداها في البداية غير راضين عن فارق العمر بينها وبين جمال خاشقجي.
وفي وقت لاحق، فهموا أنه “رجل عظيم” و”من طينة خاصة”، كما أنها شرحت لهما بأن حياتها تمثل قرارها الخاص بها.
نقلت الكاتبة تصريحات خديجة جنكيز عن المرة الأولى التي زار فيها خاشقجي القنصلية السعودية، حيث لقي ترحيبا جيدا من قبل الموظفين الذين احتضنوه وقدموا له القهوة، كما أنهم أعربوا عن سعادتهم لسماع نيته بالزواج. وكان هذا الدفء والترحاب مجرد قناع لمؤامرة تحاك خيوطها في الخفاء وغايتها قتل الرجل السعودي.
وأفادت الكاتبة بأنه حين سألت جنكيز حول ما إذا ندمت على علاقتها مع خاشقجي وقرارها بالزواج منه، هزت رأسها مجيبة: “أنا لا أشعر بالندم أبدا، إنه قضاء وقدر، فهو لم يقتل لأنه كان خطيبي بل قتل لأنه كان جمال خاشقجي”.
وقد كان خاشقجي مخطئا حين صرّح في إحدى المرات بأن أسوأ ما يمكن أن يحدث له هو التعرّض للاختطاف أو السجن أو مصادرة جواز سفره وأن أحدا لن يجرؤ على إلحاق الضرر به على الأراضي التركية.
تجدر الإشارة إلى أنه من المحتمل أن خاشقجي كان يمثّل المحلّل الأكثر ذكاءً في المملكة العربية السعودية، غير أنه أساء تقدير مدى قسوة النظام.
وسبق لابن سلمان أن اعتقل رئيس الوزراء اللبناني وألقى القبض على كبار رجال الأعمال واحتجزهم في فندق ريتز بالرياض وجرّدهم من ممتلكاتهم، كما أنه شن عبثا حربا في دولة اليمن المجاورة.
وأكدت الكاتبة أنه مع وجود أدلة قاطعة على تورّط النظام في عملية الاغتيال، فقد شعر الحلفاء الغربيون للمملكة بالقلق، إذ إنهم لطالما أثنوا على إنجازات ابن سلمان واعتبروه مصلحا يقف في وجه رجال الدين المتطرفين ويحرر الشباب من قيود الفصل بين الجنسين.
أما في الوقت الحالي، فشبّهه المحللون في جميع أنحاء العالم بصدام حسين ويتهمونه، على حد تعبير أحد خبراء الأمم المتحدة، بارتكاب جريمة “قتل خارج نطاق القضاء”.
في المقابل، وعلى الأقل إلى حد الآن، يبدو أن ولي العهد نجح في النجاة من عاصفة خاشقجي. في هذا الصدد، عبّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علنا عما يتجنب الزعماء الآخرون الكشف عنه بشكل صريح ومباشر وهو أن التعامل مع المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط يستحق أكثر من حياة خاشقجي. يعتبر هذا الاستنتاج مؤلما بالنسبة لجنكيز ولكنه المحرك الأساسي لحملتها نحو كشف الحقيقة.
وأضافت الكاتبة نقلا عن جنكيز أن مقتل خاشقجي أثار معركة سياسية بين تركيا والمملكة العربية السعودية وأنها “لم تستطع المشاركة في لعبة القوة بين الحكومات”.
وفي حين دعمت أنقرة ظهور الجماعات الإسلامية على غرار جماعة الإخوان المسلمين طيلة ثورات الربيع العربي، فقد قادت السعودية الثورة المضادة.
وعلى الرغم من أن أنقرة كانت في موقع قوة يسمح لها بالتغلب على الرياض، فقد تسبب دعم إدارة ترامب للأمير في إحباط آمال الرئيس التركي الواضحة في عرقلة خطط ابن سلمان لخلافة والده المريض الملك سلمان.
وأشارت الكاتبة أن جنكيز وصفت ردة الفعل الأمريكية إزاء مقتل خطيبها “بالفضيحة”. من جهة أخرى، لقد كان تقرير الأمم المتحدة الذي صدر خلال الشهر الماضي مشجعًا، غير أنه لا وجود لمؤشرات على أن توصياته بإجراء تحقيق دولي ستتحقّق.
وتندّد جنكيز بمواقف بعض القوى العالمية حيث تتساءل قائلة: “أين الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا؟ أين أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة؟ هل يتحمل محمد بن سلمان المسؤولية أم لا؟ أريد أن أعرف، أريد أن أفهم من الذي أصدر الأمر بالقتل”.
في الختام، ذكرت الكاتبة أن جنكيز أعربت عن تصميمها على ألا يقع طي صفحة قضية خاشقجي. ومع ذلك، فقد واجهت العديد من العقبات علما بأنها تسلّمت المشعل عن خطيبها في مسيرة النضال من أجل حرية التعبير.
لقد كانت خديجة ذات مرة طالبة تدرس الظروف القاسية للحياة السياسية في الشرق الأوسط وقد أصبحت الآن جزءا منها.
.
وكالات