وأسباب فشل المحاولات السابقة كثيرة وعديدة، أهمها أن الدول الإسلامية التي كان من المفترض أن تدخل في تلك التحالفات الاستراتيجية، كانت دول متناحرة غير متوافقة حتى على مجرد فكرة هذه الوحدة وهذا التعاون، اللهم إلا من شعارات إعلامية رنانة أفقرت الشعوب وسلبت ثرواتها وتسببت ببيع كل ما تملكه.
ولكننا اليوم نحن أمام خطوة جديدة مختلفة عن الخطوات الأخرى السابقة، فالتحالف الجديد الذي وضِعت نواته في العاصمة التركية أنقرة ومدينة إسطنبول العريقة، أظهر ومنذ اللحظة الأولى قوة في استعداده للانطلاق.
فأن يعلن رئيس الوزراء مهاتير محمد من تركيا أن ماليزيا وتركيا وباكستان دول قادرة على النهوض بالأمة الإسلامية من جديد، ثم يأتي الرد التركي مباشرة على هذه الدعوة وعلى لسان رأس الدولة رجب طيب أردوغان، بالترحيب والتقدير والإشادة والاستعداد للعمل، ولم تقف الأمور هنا، بل وعلى الفور خرجت باكستان على لسان رئيس وزرائها عمران خان، لترحب وتبارك وتنوه بهذا الإعلان.
ثلاث خطوات متتابعة فورية، تبشر بصدق هذه المرة أن هناك مساع جدية لبناء مثل هذا التحالف الذي يهدف بالدرجة الأولى لإعادة النهوض بهذه الأمة، وبدء عمل سريع قبل أن يضيع منها ما لم يضع بعد، بسبب تهوّرات هنا وخنوع هناك.
تتمتع هذه الدول الإسلامية الثلاثة رسميا وشعبيا، بميزات تجعلها مؤهلة لبدء عملية النهوض من الجديد، إن كان لناحية القوة السياسية، أو لناحية النهضة الاقتصادية، وكذلك الثورة الصناعية التكنولوجية، فضلا عن القوة العسكرية عددا وعتادا وكمّا ونوعا.
والطريقة لتحقيق هدف إعادة النهوض بالأمة وحضارتها، طريقة بسيطة تتلخص بما قاله مهاتير محمد في أنقرة أنه “عبر توحيد عقولنا وقدراتنا، يمكننا النهوض بالحضارة الإسلامية العظيمة التي كانت موجودة يوما ما”.. ونحن نعتقد أن تركيا وماليزيا وباكستان دول لديها كل المقومات للبدء بعملية التوحيد هذه، وهي دول صادقة في هذا المسعى وهذا الطريق.
لم تكن زيارة مهاتير محمد إلى تركيا قبل أيام، زيارة بروتوكولية بل كانت زيارة وإلى جانب هدفها الساعي لتعزيز العلاقات الثنائية بين تركيا وماليزيا على عدة صعد وخاصة الصعيد العسكري والتصنيع العسكري، زرعت نواة التحالف الإسلامي الكبير بين دول ثلاثة تشكل اليوم بصيص نور وأمل للجيل الصاعد في هذه الأمة.
جيل طالما نشأ على وقع الهزائم والخسارات والهوان والضياع والتشتت والتشرذم وضياع القيادة، بل لهث كثير من القيادات وراء كرس السلطة والزعامة والقيادة سواء بشعرات إسلامية أو علمانية أو إلحادية أو شيوعية أو يسارية… جيل فقد الأمل بقيادات تتسلط على كثير من دول أمتنا وتبيع مقدساتنا وتتهاون مع أعدائنا وتخنع لمن يهددنا وتتقاعس عن تطويرنا وبناء مجتمعاتنا.
لم تعد الأمة الإسلامية تحتمل كل هذا الهوان والضعف والضياع ـ بسبب كثير من قياداتها قبل أعدائها ـ ولذلك الكل من أهل الصدق والطيبة والغيرة وخاصة الشباب، يسعى اليوم ويبحث عن بصيص أمل جديد، علّه يكون هذه المرة مختلفا وصادقا وبنكهة إسلامية معاصرة حضارية إنسانية تبرز تعاليم وقيم الإسلام الحقيقية، لا القيم المزورة التي يحاول كثير من أهل الشرق والغرب إلصاقها بديننا.
وبطبيعة الحال، ووفق نواميس الكون، فإن هذا النور الجديد سيتعرض لمحاولات طمس وإطفاء من الداخل قبل الخارج، ولكن القرار بالمضي مهما تكن الصعوبات والعقبات قرار متخذ ونهائي ولا مجال للتراجع… وزيارة مهاتير محمد إلى تركيا لم تكن زيارة بروتوكولية.