إلى سوريا … من أنقرة لا من واشنطن

ساعات وساعات من المفاوضات العسكرية بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية في ما يتعلق بإنشاء المنطقة الآمنة (ممر السلام)، تمخض عنها اتفاق بين الجانبين للمباشرة بعمليات إنشاء هذه المنطقة شرقي الفرات، وتطهير كل القرى والمدن ضمنها من عناصر تنظيم PKK/PYD الإرهابي.

وما هذه الساعات ونتائجها إلا خلاصة زمن طويل من محاولات الضغط الأمريكية لحماية التنظيمات الإرهابية في الشمال السوري، وثني تركيا عن العمل العسكري الذي يصب في مصلحتها ومصلحة الشعب السوري.

في نهاية المطاف، تم الإعلان أمس الأربعاء، عن الاتفاق التركي الأمريكي الذي يتلخص بالمضي قدما بإنشاء المنطقة الآمنة شمالي سوريا وفق الرؤية التركية، التي تتلخص بإبعاد التنظيمات الإرهابية مسافة ستصل في بعض النقاط إلى 30 كلم، فضلا عن طول الحدود السورية التركية، على أن تكون هذه المنطقة تحت إدارة تركيا بالتعاون مع سكانها الأصليين والجيش الوطني السوري، فضلا عن الاشتراك الأمريكي بهذا الأمر.

الجديد بالأمر والذي يعطي إشارات إيجابية لنا، أن هذه المفاوضات وبكل حساسيتها وأهميتها لم تحصل هذه المرة في العاصمة الأمريكية واشنطن، ولم يذهب المسؤولون الأتراك إلى واشنطن لاستجداء موافقة أمريكية على المنطقة الآمنة، بل العكس هو الذي حصل، تركيا أعلنت عزمها واستعداداتها التامة للبدء بإنشاء المنطقة، فسارعت أمريكا بإرسال أول فد سياسي ثم ثاني وفد عسكري إلى أنقرة.

وفي أنقرة حصلت المفاوضات، في أنقرة حيث يتخذ القرار النهائي في ما يتعلق بالشمال السوري، في أنقرة حيث منع تقسيم سوريا وحماية الأمن القومي التركي وعودة المدنيين لقراهم ومدنهم أولوية، فأنقرة ليست كبقية العواصم التي نادرا ما يكون تأثيرها إيجابي على الشعب السوري، هذا الشعب الذي يشترك اليوم مع تركيا بواقع واحد ومستقبل واحد.

لقد أثبتت تركيا بهذه المفاوضات وأن أمريكا التي أتت إليها لتفاوضها (وليس العكس) أنها دولة لم تعد تابعة لهذا المحور أو ذاك، ولك تعد مرتبطة ارتباطا كليا بهذا القطب أو ذاك، بل دولة تستطيع أن تخاطب الجميع وتتحدث مع الجميع لما في مصلحة شعبها وأمنها القومي… دولة ليست تابعة بل ندية تريد أن تعمل مع الجميع وفق مبدأ المساواة لا وفق مبدأ العبودية والتبعية والانصياع.

أتوا إلى أنقرة، ولم نذهب إلى واشنطن… رسالة فهمتها كل الأطراف المعنية بالقضية السورية (بعيدا عن “الهوبرات” الإعلامية للبعض) أن تركيا وصلت لنقطة بدء العملية العسكرية سواء رضيت أمريكا أم لم ترض، تماما كما حصل بعمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون” يوم أن عارضت أمريكا فلم تلتفت تركيا وقضت على الإرهاب.

في المفاوضات الـ”أنقرية” خلال الساعات الماضية، حافظت أمريكا على ماء وجهها، وكعادتها تخلت على الأدوات التي استخدمتها أي تنظيم PKK/PYD الإرهابي، مقابل توافق مع تركيا على أمور كثيرة، بعضها متعلق بالشأن السوري، وبعضها الآخر متعلق بشؤون إقليمية ودولية، ولكن الأكيد أن المفاوضين الأتراك كانوا يضعون نصب أعينهم مصلحة شعبهم وأمتهم، وهذا ما يطمئننا أن تركيا لن تدع الأيادي الأمريكية مطلقة بشكل كاملة تفعل ما تريد كما تريد في مناطقنا وبلداننا، تعطيها من هنا ما لا يضر بنا وتأخذ منها ما ينفعنا.

اقرأ أيضا

الصبر مفتاح الفرج

خيار أن يكون اتفاق أمس، أنه محاولة أمريكية لمزيد من الإلهاء لتركيا ومضيعة للوقت، أمر وارد ولكن بكلا الحالتين المنطقة الآمنة قادمة، والقضاء على الإرهاب سيتم، فإن تم في إطار الاتفاق فيكون الأمر قد تحقق بها ونعم، وإن تبين أن أمريكا تحاول المماطلة فإن الجيش التركي أصلا مستعد بنسبة 100% على الحدود مع سوريا والجيش الوطني السوري أيضا مستعد بالنسبة نفسها، وبالتالي أمر البدء بالعملية لن يحتاج إلا لعدة ثوان ويصل من أنقرة إلى قيادة الجيش على الحدود.

في كلا الحالتين تركيا هي التي ربحت الربح الأكبر، والتنظيمات الإرهابية هي التي خسرت الخسارة الكبرى، طبعا لم تخسر لوحدا بل خسرت مع كل نظام هنا أو هناك قدم لها دعما إعلاميا أو معنويا أو ماليا أو عسكرية أو استخباراتيا.

أمر أي تحرك سيحصل شرقي الفرات، ومهما كانت الاعتبارات اليوم أو غدا، لن يخرج هذا الأمر إلا من أنقرة لا من واشنطن ولا من أي عاصمة أخرى، فمن يحب أن يتعاون وفق النظرة التركية سيجد ترحيبا من أنقرة، ومن تسول له نفسه محاولة الصدام مع النظرة التركية، حينها سيجد أن العين صاحبة تلك النظرة قادرة على مقاومة المخرز.

ممر السلام سيتم، وسيعود المدنيون طوعا إلى مدنهم وقراهم بعد أن تتم عملية تطهيرها من تنظيم PKK/PYD الإرهابي، هذا التنظيم الذي أحرق مئات القرى العربية وشرد ملايين العرب والتركمان والأكراد، ويضطهد اليوم الشباب الذين يرفضون الانصياع لقراراته الإرهابية الظالمة الإجرامية في المناطق التي يحتلها.

ممر السلام قادم… من أنقرة لا من واشنطن.

.

 بواسطة/ حمزة تكين
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.