أجرى وزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف قبل ثلاثة أيام زيارة لقبرص اليونانية حيث التقى نظيره القبرصي نيكوس كريستودوليديس.
وإنها ليست زيارة يمكن التغاضي عنها وعن ملابساتها بعبارة من قبيل “السعودية دولة مستقلة يمكنها التواصل وتأسيس علاقات مع أي دولة تريد”؛ إذ إن الموقع الخاص بالدولتين وما قبل خلال هذه الزيارة يجعلنا نفهمها على أنها زيارة تستهدف تركيا بشكل مباشر وترنو لإيصال رسالة لها.
وبينما نتحدث عن موقع الدولتين، فلا يخفى على أحد العلاقة التي تربط تركيا بقبرص اليونانية؛ إذ إن تركيا تدافع عن حقوق الجزء التركي من الجزيرة بصفتها دولة ضامنة. وأما قبرص اليونانية فإنه تتصرف وكأنها صاحبة الحق الوحيدة في الجزيرة بفضل القوة والدعم الباطل الذي تلقاه من الاتحاد الأوروبي، بل وتسعى على حسب هواها لمشاركة الموارد الجوفية في شرق المتوسط مع من تريد وفي مقدمتهم إسرائيل.
لا يخفى على أحد من يجرّأ قبرص اليونانية ويحرضها على فعل ما تفعل. وعلى أي حال فإن تركيا تخوض في هذا المجال كفاحا من أجل الحق ولا تطمع في أرض ولا حق أحد. وإن المنطقة الاقتصادية الخالصة في قبرص هي ملك للجزيرة بالكامل، ولهذا فلا يمكن لقبرص اليونانية أن تتصرف وكأنها صاحبة الحق الوحيدة في هذه المنطقة متجاهلة بذلك جمهورية شمال قبرص اليونانية.
من الغريب للغاية أن تنضم السعودية كذلك بهذه الزيارة إلى قافلة محرضي قبرص اليونانية لتقدم على ما تقدم عليه من جرأة، ذلك أنه ليس للأمر أي جانب يخص السعودية، فانضمامها إلى هذه المعادلة لن يكسب قبرص اليونانية شيئا ولن يضر تركيا بشيء. لكنها بانضمامها للمعادلة على هذا النحو يجعلنا نفهم أنها تسعى لإظهار توجهاتها والأطراف التي تؤيدها، غير أن الطرف الذي تؤيده لن يكسبها شيئا، بل على العكس تماما، سيجعلها تخسر الكثير.
لا شك أن توقيت زيارة العساف، الذي يعتبر أول وزير خارجية سعودي يزور قبرص اليونانية، يحمل معان كثيرا في سياق هذه العلاقات. وبالمناسبة فإن أول سفير سعودي في جنوب قبرص خالد محمد الشريس قدم الأسبوع الماضي خطاب اعتماده لزعيم الدولة نيكوس أناستاسيادس.
وقد ذكرت مصادر صحفية أن الوزير السعودي قال خلال لقائه نظيره القبرصي اليوناني “إننا ندعم حليفتنا قبرص (الجنوبية) في مواجهة الأنشطة المخالفة للقانون التي تقوم بها تركيا في البحر المتوسط، كما سنرفع من مستوى تعاوننا العسكري”.
ترأس السعودية هذه الفترة منظمة التعاون الإسلامي الذي كانت ترأسها تركيا الدورة الماضية. وعندما نضيف إلى ذلك مكانتها بصفة ملكها هو خادم الحرمين الشريفين، فإن هذا يحتم عليها التصرف بشكل أكثر تحملا للمسؤولية إزاء قضايا العالم الإسلامي. لكن للأسف فإننا لم نر أي جهد تبذله السعودية لمعرفة قضايا العالم الإسلامي والعمل على حلها، بل أن الرياض لا تفعل شيئا سوى تصعب كل الأمور في العالم الإسلامي والسير بها نحو طريق مسدود.
وعندما دعيت من قناة تي آر تي التركية الناطقة بالعربية لتقييم هذا الأمر، قلت إن هناك تصرفات متوقعة وأخرى غير متوقعة من السعودية بصفتها إحدى أهم دول العالم الإسلامي. وعلى سبيل المثال حاولت أن أوضح أن هذا التصرف لا يتضمن أي جانب عقلاني أو منطقي يتماشى مع المكانة الحالية التي تتمتع بها السعودية ومسؤوليتها التاريخية وحجمها كدولة مهمة.
شاركت القناة هذه الكلمات مع الفيديو في تغريدة على تويتر، وهي الرسالة التي وصلت خلال مدة قصيرة إلى نحو مليون مشاهد، وعندما طالعتها آخر مرة كان نحو 3 آلاف شخص قد كتبوا تعليقاتهم عليها، تعليقات تهاجم بلسان واحد وكأنها تلقت تعليمات من الجهة ذاتها.
فما عدد الرسائل التي تعكس وجهة النظر الرسمية؟ وليس لدي لا فرصة ولا وقت ولا طاقة لتفحصها كلها، لكن عندما تنظرون لبعضها ترون أنها نسخة طبق الأصل من بعضها البعض. لكن معظم تلك الرسائل والتعليقات يرى هذه الزيارة وكأنها نكاية في تركيا وسياستها بسبب قطر وإيران وقضية خاشقجي.
إن من يساوي تقارب السعودية مع قبرص اليونانية مع علاقة تركيا بقطر إنما يحمل فكرا مريضا مشؤوما لا يزال عاجزا عن أن يرى أن تركيا تريد الخير للجميع بمن فيهم السعودية. وإن اتفاق التعاون العسكري القائم بالفعل بين تركيا وقطر كان يحتم على تركيا تحمل مسؤولية حماية قطر في خضم الحصار المفروض عليها. وكانت تركيا قد توصلت لهذا الاتفاق مع قطر قبل وقوع الخلاف مع السعودية بوقت طويل. هذا فضلا عن أن تركيا عندما فعلت ذلك فقد أنقذت السعودية من الوقوع في خطأ كبير. لكن للأسف فإن أحدا لا يفهم ذلك الأمر حاليا، غير أنهم سيفهمونه إن عاجلا أو آجلا.
وأما فيما يتعلق بقضية خاشقجي، فإن تركيا تطالب بتقديم مسؤولي جريمة ارتكبت على أراضيها للعدالة؛ فهي – أي تركيا – ليس لديها الحق ولا الإمكانية للتنازل عن هذه العدالة التي تحتمها هذه الجريمة الشنعاء التي ارتكبت على أراضيها على مرأى ومسمع العالم كله. كما أن أحدا لا يمتلك الحق لمطالبة تركيا بأمر كهذا.
إن الوصول للمسؤولين عن هذه الجريمة بحيادية تامة، بغض النظر عن أين تنتهي سلسلة الجناة، وتقديمهم للعدالة بالنسبة لتركيا ليس حقا وحسب، بل إنه مسؤولية. وأما الذين ينظرون لتركيا وكأنها خصمهم لأنه تؤدي هذه المسؤولية فإنه لا يربحون شيئا، بل يخسرون الكثير والكثير. وإن العدل دائما ما يحيي ولا يميت، حتى وإن كان على أنفسنا أو أقاربنا..
وفي الوقت الذي من المفترض فيه أن تحاول السعودية تحسين الوضع في سياق كل هذه العلاقات، فإنها تحاول التقرب لقبرص اليونانية نكاية في تركيا بسبب علاقتها مع قطر وقضية خاشقجي، وهو ما يبرهن، قبل أي شيء، على أن الرياض توجه هذه النكاية بالطريقة الخاطئة. فكما أن هذه النكاية لن تفيد القبارصة، فإنها لن تنقص من قدر تركيا شيئا، وإنما ستضر بصورة السعودية التي اهتزت بالفعل.
.
عرض التعليقات
صدقت