ديكتاتور ترامب المفضل “السيسي” في موقف صعب

لا يتضح أبدا ما النتائج التي ستسفر عنها صداقة الولايات المتحدة، أو بالأحرى فإن الولايات المتحدة هي دولة تضر عادة بمن تطلق عليهم أصدقاء. ولهذا فمن الأفضل عدم إقامة صداقة معها بالكلية أو في معظم الأحيان أو المحافظة على صداقتها عند مستوى معين.

فمثلا ألحقت الولايات المتحدة أكبر الضرر بتركيا في أكثر الفترات التي تظاهرت فيها بأنها صديقتها. فهي دائما ما كانت العقل المدبر لكل الانقلابات العسكرية وغير العسكرية التي استهدفت الديمقراطية في تركيا على مر تاريخها. وإن الانقلابات هي أبرز سبب لكل عمليات السرقة والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان التي تقلب التوازنات السياسية لدولة ما رأسا على عقب وتفتح الباب أمام استغلال من لا يستحقون لمقدراتها.

أضف إلى ذلك أننا اليوم نرى بشكل أوضح أن منظمة بي كا كا الإرهابية، التي نعاني بسببها منذ 50 عاما، تستمد قوتها الأساسية من الولايات المتحدة، بل إننا نرى ذلك بوضوح لا يجعلنا نحتاج لتلك التحليلات التي تتحدث عن المؤامرة، فواشنطن لم تعد تتورع عن تقديم الدعم الصريح للمنظمة. ذلك أننا أصبحنا نضع مسافة بيننا وبينها ونقول لها بكل صراحة إنها متعاونة مع الإرهاب. ولهذا فإننا نعلم جيدا الضرر الذي سيأتينا منها ونتخذ تدابيرنا وفقا لذلك.

ثقوا بأن هذا الضرر سيكون أقل بكثير من سابقه الذي كان في الماضي. لقد دعونا الولايات المتحدة لتكون أكثر صراحة وصدقا، لكننا فشلنا في ذلك. حاولنا إجبارها على التصرف بشكل أكثر صراحة لتضطر اليوم لأن توضح بصراحة أنها تدعم بي كا كا. وبفضل هذا الأمر أصبحنا نرى بشكل أفضل أن المشكلة التي نواجهها ليست قضية الأكراد بل قضية الولايات المتحدة. كما أن المخلصين الحقيقيين من الأكراد صاروا يرون هذه العلاقة الخائنة والمخادعة ليتصرفوا وفقا لذلك. وأما من لا يتصرف وفقا لذلك فيكون قد فقد انتماءه للأمة الكردية والإنسانية وكذلك إخلاصه.

إن الولايات المتحدة ذاتها هي التي تحمي تنظيم غولن الإرهابي الذي سُلط بكل خبث ضد تركيا ولم يتورع عن تنفيذ انقلاب مسلح عند اللزوم. وبطبيعة الحال فإنها بينما تحميه فإنها تدير عملياته ولا تتردد في خوض معركة خسيسة ودنيئة ضد تركيا في كل مكان وجبهة على مستوى العالم.

ولا يهمنا إذا ما كانت لا تتردد في ذلك وتبذل ما بوسعها لتنفيذه، لكن يكفي ألا تنفذ المخططات السرية وهي تدعي علنا أنها حليفتنا.

هناك قاعدة عامة ليست في علاقة الولايات المتحدة بتركيا وحسب، بل في علاقتها بسائر الدول الأخرى، ألا وهي أنها لا تفيد الدولة التي تدعي أنها حليفتها بشيء سوى أنها تلحق الضرر بها. فمثلا ما الذي قدمته واشنطن غير الضرر والخسارة للسعودية التي نشرت انطباعا مفاده أنها أكبر حلفائها في المنطقة؟ ألا تتضرر هذه العلاقة بسبب فضيحة فشل الأسلحة التي باعتها الولايات المتحدة بمئات المليارات من الدولارات في حماية مجال السعودية الجوي ومنشآتها النفطة من هجوم حوثي بسيط؟

وإن ظهور هذه الحقيقة المريرة ألحق ضرر بالسعودية أكبر من ضرر هجوم الحوثيين ذاته. لقد أنفقت الثروات هباء وانتهك شرف الشعب السعودي أمام الوقاحة والسفالة التي أظهرها ترامب بتصريحه الذي خاطب به الملك سلمان بقوله “لولا حماية الولايات المتحدة لما صمدتم لأسبوعين فقط”. فهل يعلم أحدكم أي فائدة حققتها السعودية حتى الآن من وراء تحالفها مع الولايات المتحدة؟

ليس سرا أن السيسي يعتبر أحد أهم أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة؛ إذ إنه نموذج ديكتاتور مثالي تراه واشنطن مناسبا لأي دولة إسلامية في الشرق الأوسط. فالجميع رأى أن الولايات المتحدة، التي تخفي عدوانيتها خلف ستار ادعاء تصدير الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى الشرق الأوسط أو العالم منذ سنوات، لم تستخدم كلمة انقلاب لوصف انقلاب السيسي، كما لم تبد أي رد فعل إزاء انتهاكات حقوق الإنسان التي ظهرت على السطح عقب ذلك، وهو ما يجعل علاقتها به علاقة خاصة جدا.

غير أنه عندما قال ترامب خلال قمة مجموعة السبعة في فرنسا قبل فترة قصيرة “أين ديكتاتوري المفضل؟!” باحثا عن السيسي، ظهرت كل أبعاد العلاقة الخاصة بين الرجلين. ولا ريب أن هذه الأبعاد لا تمثل شكل العلاقة التي يستحقها الشعب المصري وسائر شعوب الدول الإسلامية الأخرى.

يعتبر السيسي هو نموذج الديكتاتور المفضل الذي يعتبره ترامب، بل وكل الإدارات الأمريكية السابقة، الزعيم المناسب لدول العالم الإسلامي. فهو لا يهتمون بديمقراطية العالم الإسلامي، بل الأهم هو سيطرتهم عليه، وهو الأمر الذي ين ينجح فيه سوى أمثال السيسي من الطواغيت الذين يعاملون شعوبهم بكل وحشية، لكنهم يطيعون أوامر ساداتهم بكل انقياد. بيد أن السيسي الذي يعجب به ترامب كثيرا بسبب انقياده له يعتبر كابوسا لشعبه الذي يظلمه.

غير أنه من المناسب أن نقول إنه كان كابوس الشعب المصري، ذلك أن المصريين بدأوا انتفاضة في ليلة واحدة هدمت جدران الخوف التي ظلت تحاصرهم على مدار 6 سنوات. ففي الوقت الذي كان ديكتاتور ترامب المفضل فيه في طريقه إليه، بدأت ليلة الجمعة بعض المظاهرات عقب مباراة كرة قدم بشكل عفوي، لكنها سرعان ما تحولت إلى مسيرات احتجاجات انتشرت على الأقل في 8 مدن كبرى.

ويبدو أن هذه الاحتجاجات التي بدأت للمرة الأولى منذ 6 سنوات لم تكن لمرة واحدة، بل يبدو أنها ستستمر حتى سقوط السيسي.

إن ما نفهمه مما يحدث أن أجراس الرحيل بدأت ترن معلنة بداية رحيل ديكتاتور ترامب المفضل. فكيف وإلى أين ستسير الأمور؟ فدعونا نتابع هذا لاحقا.

.

ياسين اكتايبواسطة/ ياسين اكتاي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.