اللامعلن في قمة أنقرة

في العلن كل تصريحات ومواقف قيادات الدول الثلاث المشاركة في قمة أنقرة تصب في مصلحة وحدة البلاد وسيادتها وتماسكها وضرورة الإسراع في ترتيب طاولة الحل السياسي انطلاقا من تفعيل أعمال اللجنة الدستورية تحت سقف آلية الأستانة  الأكثر جدية وتماسكا والأوفر حظا بالمقارنة مع بقية المبادرات الإقليمية والدولية.

الدول الضامنة الثلاث تستفيد من دعم الأمانة العامة للأمم المتحدة واستعداد بعض العواصم الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا للتنسيق والتعاون وترتيب طاولة التفاهمات الأميركية الروسية الإسرائيلية التي تجتمع في تل أبيب بين الحين والآخر، وانعدام وجود أية بارقة أمل عربية نحو إنقاذ سوريا لتكون هي الأقوى على الأرض رغم الكثير من نقاط الخلاف والتباعد في الطروحات والمطالب والتطلعات بين أطرافها.

كيف ولماذا نجحت الهدنة العسكرية على جبهات إدلب رغم أن النظام المدعوم روسياً وإيرانياً كان يؤكد أنه يتقدم لاسترداد المدينة والقضاء على مجموعات النصرة حتى ولو كان الثمن التسبب في فاجعة إنسانية تتحول إلى كارثة تطيح بكل جهود التنسيق التركي الروسي، وتقود في أضعف الاحتمالات إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين أنقرة ودمشق طالما أن ما يجري يهدد مباشرة أرواح العشرات من الجنود الأتراك في المكان؟

هي حتما خارطة التفاهمات الجديدة والتعديلات الملحقة بالاتفاقيات القديمة وتوسيع رقعة التحرك لتشمل أكثر من ملف ميداني وعسكري وسياسي على أكثر من جبهة. من أنقذ الموقف بعدما كان الرهان على أن يكون لقاء العاصمة التركية ساحة انفراط العقد وتبعثر الحبات على الأرض لتتحول سريعا إلى قنابل تفجر الوضع بأكمله؟

القيادات المشاركة في قمة أنقرة أشارت أمام العدسات إلى الكثير من القضايا والقرارات المتفق عليها لكن الخلاصة حتى ولو نسمعها هناك كانت:

– إعطاء فرصة جديدة لوحدات النصرة لحسم موقفها وقبول خيار التفكك والانسحاب من المشهد سلميا طالما أن الخناق يضيق على الجميع في إدلب.

– دعم خطة المنطقة الآمنة التركية لتشمل كافة الحدود التركية السورية كونها تساهم في منع خطط التقسيم وحماية وحدة الأراضي السورية وتماسكها.

– تمويل مشروع المنطقة الآمنة ينبغي أن يكون في إطار خطط إعادة إعمار سوريا مجددا وضمن برنامج الدعم الإقليمي والدولي شرط عدم المساس بالبنية الديمغرافية والتركيبة العرقية للمكان.

اقرأ أيضا

الصبر مفتاح الفرج

– تفهم وانفتاح السلطة السياسية في تركيا على مطلب الداخل والخارج في تليين المواقف حيال دمشق وقبول طروحات المرحلة الانتقالية السياسية والدستورية في سوريا.

– المرحلة الانتقالية في سوريا هي أكثر ما يمكن تقديمه لواشنطن مقابل تخليها عن مشروع بناء شمال عراق جديد في شرق سوريا.

– أن يتكفل الرئيس التركي بنقل نتائج قمة أنقرة إلى نيويورك لبحثها مع الرئيس الأميركي وإقناعه بقبولها ودعمها كونها رزمة حل شامل للأزمة السورية.

الكرة الآن في ملعب أكثر من طرف محلي وإقليمي واستعداده لقبول هذه الاتفاقية أو رفضها مع أن الخيار الثاني سيكون مكلفا على رافضيه حسب رسائل لقاء أنقرة. ما الذي ستفعله واشنطن إذا ما قرر النظام التحرك عسكريا بدعم روسي إيراني لاسترداد شرق الفرات من “الجماعات الإرهابية الانفصالية” كما وصفها في رسالته إلى الأمم المتحدة؟

كيف سيكون رد ترامب وقيادة البيت الأبيض على ما سيقوله أردوغان خصوصا في موضوع شرق الفرات ومستقبل خطة “قسد” الأميركية. البعض في تركيا ما زال يردد أن لقاء القمة بين الرجلين قد لا يتم لأن جدول أعمالهما يتضارب.

تضارب الحسابات والمصالح هو حتما من سيعرقل اللقاء أو يسهل انعقاده. أردوغان قلق في موضوع شرق الفرات لذلك نراه يكرر أن تخلي أنقرة عن عمليتها العسكرية هناك مرتبط بتراجع واشنطن عن فكرة تحويل التحرك التركي إلى خط فصل بين القوات التركية وحلفاء أميركا المحليين في قسد. الذي يقلق الرئيس التركي أكثر هو سماعه الإشادة الأميركية بخطط التنسيق العسكري التركي الأميركي والدوريات المشتركة في المناطق الحدودية، لكنه يسمع أيضا تمسك البنتاغون بمواصلة مهام الدوريات العسكرية المشتركة بين الجنود الأميركيين و”وحدات حماية الشعب” في إطار الحرب على بقايا  “داعش” في المنطقة.

ترامب قلق أيضا من الطرح التركي الأخير “جاهزون لتوسيع رقعة المنطقة الآمنة لتصل إلى الرقة ودير الزور وتشمل عودة 3 ملايين سوري على الأقل إلى هذه المنطقة” وهو يريد أن يفهم ذلك أنها محاولة تركية لرفع سقف المطالب للقبول لاحقا بالممكن والمعقول. لا يمكن حسب واشنطن تجاهل “الاستثمار” الأمني والسياسي لأميركا وبعض العواصم العربية في شرق سوريا بمثل هذه البساطة. واشنطن تريد ضمانات وتعهدات كافية أن جهودها في شرق سوريا خلال العامين الأخيرين لن تذهب هباء وأن رحيل الأسد ينبغي أن يرافقه تضييق الخناق على إيران وحلفائها المحليين هناك.

“البلوف” التركي الأميركي قد يكون صعباً هذه المرة بالمقارنة مع الحالات السابقة. أردوغان يذهب للقاء ترامب مسلحا بالدعم الروسي الإيراني ربما ، وهو سيحذر نظيره الأميركي من محاولة دفعه نحو موسكو وطهران أكثر من ذلك ، وسيكرر على مسامعه أن مصالح تركيا قد تقتضي إنشاء قواعد عسكرية في شرق الفرات كما هو الحال في شمال العراق كما قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قبل أيام. لكن ترامب أيضا قادر على قلب الطاولة بموقف بسيط لن يكون مفاجئا لأحد ” بناء على توصية المؤسسات والأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية الأميركية قررنا التراجع عن قرار سحب القوات من سوريا وفعل العكس هذه المرة. عروض الصفقة لم تكن مغرية بما فيه الكفاية “. نتائج لقاء القمة المرتقبة في نيويورك بين الرئيسين التركي والأميركي  مفصل هام في هذه المرحلة خصوصا وأن الرئيس أردوغان هو الذي تكفل بنقل قرارات قمة أنقرة إلى ترامب وإقناعه بدعمها وقبولها؟

 بواسطة/ د. سمير صالحة
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.