إن “المؤتمر الدولي حول سوريا” الذي عقده حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول – للأسف – لم يدهش أحدا. ولو كان بشار الأسد، الذي قتل بوحشية مليون إنسان ودمر حياة شعبه ومدنه ولم يتورع عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضده وأجبر أكثر من نصفه على الهرب لينجوا بحياتهم ليتمكن هو من البقاء في السلطة، لو كان قد عقد مؤتمرا في دمشق ما كان ليعقد مؤتمرا أفضل من هذا الذي عقده حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول.
حسنا، هل كنا نأمل في أن ندهَش بسبب مؤتمر كهذا؟ لا أخفيكم سرا، فالمرء يأمل، بل ويرغب، في أن يدهش عندما يسمع أن حزب الشعب الجمهوري وزعيمه كمال كيليتشدار أوغلو أعلن أنه سيعقد “مؤتمرا يدعو إليه كل الأطراف”، وهي المرة الأولى التي يتناول فيها الحزب القضية السورية كموضوع لمؤتمر بعدما لم تفضِ سياسته تجاه سوريا والسوريين منذ البداية إلى أي نتيجة أخرى.
لم يدعَ لحضور الاجتماع سوى أنصار نظام الأسد من الذين يحمّلون تركيا المسؤولية الكاملة عن تقريبا كل المشاكل التي تعاني منها سوريا ويقترحون مواصلة كل شيء في طريق الحل بالتعاون مع الأسد وكأن شيئا لم يحدث. ولم يوجه المشاركون في المؤتمر أي نقد لإيران أو الأسد أو الولايات المتحدة أو بي كا كا أو ب ي د الذي كان سببا في مجازر وحملات تهجير ممنهجة بوصفه أداة لعملية التطهير العرقي في سوريا. فهم لا ينتقدون أحدا سوى دعم تركيا للمجاهدين هناك، كما أنهم يصفون الممر الإنساني الآمن الذي ستقيمه تركيا في المنطقة بأنه “بناء في أراضي دولة أخرى”، أي شكل من أشكال الاحتلال. إنهم لا يتضايقون أبدا بسبب وجود الولايات المتحدة وب ي د في المنطقة كمحتلين، لكنهم يعترضون على إقامة تركيا منطقة آمنة يستطيع العودة إليها اللاجئون السوريون الذين لجأوا إلى أراضيها. فما الدولة التي ينتمي لها حزب الشعب الجمهوري بصفته حزبا سياسيا؟
وبطبيعة الحالة فإنهم بينما يتحدثون عن المجاهدين يستخدمون العبارات التي يستخدمها النظام السوري (والتي يستخدمها كذلك بي كا كا) التي تكون نتيجتها افتراء واضحا ضد تركيا. وكما يعلم الجميع فإنه ليس هناك أي معارضة في دولة يحكمها طواغيت مثل الأسد، فليس هناك أحد سوى النظام، ومن يعارضه هم الإرهابيون.
فإذا كان الأمر كذلك، لماذا هرب 10 ملايين شخص من الشعب السوري؟ هل كل الشعب السوري إرهابي؟ هناك معلومات أساسية غير قابلة للنقاش في مثل هذه الخلافات، ألا وهي أن اللاجئين يأتون ومعهم شرعية بلدهم. وينبغي لحزب الشعب الجمهوري أن يفكر بذلك أولا بعض الشيء إذا ما أراد أن يتذكر قليلا الديمقراطية الاجتماعية وحقوق الإنسان وشرف الإنسانية. إن كل شخص لجأ إلى تركيا كان قد فقد فردا أو أكثر من أقاربه الذين قتلوا بسبب نظام الأسد.
لقد قيلت عبارة نمطية من قبيل “يجب أن يكون هدف تركيا الأساسي هو إنهاء الاشتباكات في جارتنا سوريا وترسيخ دعائم السلام والطمأنينة والاستقرار وحل قضية اللاجئين السوريين في سياق حقوق الإنسان والقانون الدولي”، لكنهم لم يتورعوا بعدها مباشرة عن توجيه النقد اللاذع لسياسات تركيا من خلال الحجج ذاتها.
ويبدو أنهم لا يعلمون أصلا ما تفعله تركيا في هذا المجال. فماذا سعت إليه تركيا في سوتشي والأستانة وجنيف؟ ألم تكن أولويتها في كل تلك المباحثات هي وقف الحرب في سوريا وترسيخ دعائم الاستقرار هناك ليستطيع كل السوريين العودة إلى وطنهم بأمان؟
أليس هذا السؤال يعتبر سؤالا ثقيلا بعض الشيء ليطرَح على زعيم حزب سياسي قال وهو يصيح “روسيا واليونان وإسرائيل والولايات المتحدة موجودون في البحر المتوسط، فماذا تركيا غائبة؟”؟
إذن فلنواصل حديثنا على النحو التالي. من السهل عقد مؤتمر كهذا في تركيا لتوجيه النقد اللاذع لحزب العدالة والتنمية. فما رأيكم لو جربتم أن تعقدوا مؤتمرا مماثلا في دمشق بحضور سياسيين وكتاب معارضين حقيقيين لنظام الأسد؟ ويا ليتكم تقدمون بعض النصح للأسد حول كيف ينبغي له معاملة شعبه.
لقد جاءت نتيجة ذلك المؤتمر في صورة توصية بتطبيع تركيا العلاقات مع نظام الأسد لتحقيق الاستقرار في سوريا. فما الذي سيفيد به هذا التطبيع؟ وإلى أي مدى سينقذ نظام الأسد؟ إلى أي مدى سينقذ الشعب السوري الذي اضطر أفراده للهروب من ظلم الأسد واللجوء إلى دول الجواء أو السفر بعيدا إلى الجانب الآخر من العالم؟ وما هو الضمان الذي سيوفره هذا التطبيع ليعود السورويون إلى بلدهم؟
كيف للسوريين أن يستطيعوا العودة إلى وطن لا يكون فيه أي ضمان ليأمنوا به غدر الأسد مجددا بعد الثقة به بعدما فعل ما فعل حتى ولو قدم كل الضمانات التي في هذا العالم؟ ولو كانت المسألة ستحل بتطبيع تركيا علاقتها بنظام الأسد، فلنقترح نحن كذلك هذا الأمر، لكن تعالوا اعرضوا هذا العرض على أولئك الذين تعرضوا لتعذيب شبيحة والذين هدمت منازلنهم وقتل أقاربهم وتعرضوا للاغتصاب واضطروا في النهاية للنزوح من وطنهم. فهل يمكن لهؤلاء اللاجئين أن يثقوا بوعد الأسد أو وساطتكم ليعودوا إلى بيوتهم؟
وإلى أي مدى يمكنكم إقناعهم من خلال “كراهية الأجانب” التي رسّختموها في عقول الناس في تركيا بصفتكم حزبا ديمقراطيا اجتماعيا والكراهية التي نشرتموها ضدهم في كل انتخابات شاركتم بها؟
.
بواسطة / ياسين اكتاي