شهد العراق أمس السبت يوما داميا جديدا مع استمرار المظاهرات المطالبة بتحسين الخدمات وتوفير فرص عمل ومحاربة الفساد، وقالت مصادر إن المتظاهرين في العراق أحرقوا السبت مقرات أحزاب سياسية وفصائل من الحشد الشعبي، في حين هاجم مسلحون مجهولون مباني قنوات فضائية. وتجاوز عدد القتلى مئة منذ بداية المظاهرات.
وذكرت وكالة أسوشيتد برس الأميركية أن قوات الأمن العراقية قتلت 19 متظاهرا، وأصابت أكثر من ثلاثين في احتجاجات السبت فقط.
ويتهم المتظاهرون قوات الأمن بإطلاق النار عليهم، لكن قوات الأمن تنفي ذلك وتقول إن “قناصة مجهولين” هم من يطلقون النار على المحتجين وعلى أفراد الأمن أيضا.
من جهة أخرى، أفادت مصادر للجزيرة نت بأن مسلحين مجهولين هاجموا مقرات وسائل إعلام وقنوات في بغداد، بينها قنوات العربية ودجلة و”إن آر تي”.
وقال مراسلا الجزيرة نت أزهر الربيعي ووليد المصلح إن قوة أمنية اقتحمت مبنى قناة “إن آر تي عربية” في بغداد، وحطمت جميع معدات البث، واعتدت بالضرب المبرح على موظفيها.
وقال أحد العاملين في القناة -رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية- إن قوة كانت تقود سيارات رباعية الدفع بملابس عسكرية اعتدت على الموظفين في القناة.
وسوف تنظم القنوات الفضائية التي تعرضت للاعتداء وقفة احتجاجية في الساعة 11 (بالتوقيت المحلي) اليوم الأحد، في شارع أبو نواس أمام مبنى قناة “إن آر تي”.
وذكر أحد العاملين أن القوات التي اقتحمت القناة كانت ترتدي زيا عسكريا، لكنها تابعة إلى مليشيات متنفذة في العراق. كما استهدفت قوات مسلحة مقرات قنوات دجلة الفضائية والنهرين ومكتب العربية الحدث، واعتدت على أحد موظفي الأخيرة، وحالته خطرة.
يشار إلى أن هيئة الاتصالات والإعلام العراقية وجهت تحذيرا قبل أيام لوسائل الإعلام بضرورة توخي الدقة والمصداقية في نقل الأحداث الجارية في العراق، وعدم بث أو نشر ما سمتها إشاعات تروج لها بعض منصات التواصل الاجتماعي.
وفي تطور متصل، قالت مصادر أمنية إن متظاهرين أضرموا النيران في تسعة مقرات تابعة للأحزاب الشيعية وفصائل الحشد الشعبي، إلى جانب محطة تلفزيونية محلية في محافظة ذي قار (جنوبي البلاد).
ونقلت وكالة الأناضول عن الملازم في شرطة طوارئ ذي قار محمد جميل قوله إن متظاهرين أضرموا النيران في مقرات فصائل الحشد الشعبي (منظمة بدر بزعامة هادي العامري، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، وسرايا الخرساني بزعامة علي الأسدي).
وأضاف أنه تم أيضا حرق مكاتب أحزاب الفضيلة (بزعامة عبد الحسين الموسوي) والدعوة الإسلامية (بزعامة نوري المالكي) وتيار الحكمة (بزعامة عمار الحكيم)، والحزب الشيوعي (بزعامة رائد فهمي)، ومكتب النائب عن حزب الدعوة خالد الأسدي في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار.
وتابع أن محطة تلفزيون الأهوار وسط المحافظة أحرقت أيضا من قبل المتظاهرين.
وتجاوز عدد القتلى في المظاهرات المستمرة منذ عدة أيام مئة قتيل، وأكثر من أربعة آلاف مصاب، ودفع ذلك رئيسي الجمهورية والحكومة إلى المطالبة بمحاسبة المتورطين في استخدام العنف، كما فشل البرلمان في عقد جلسته الطارئة السبت المخصصة لمناقشة مطالب المحتجين.
من جهته، كشف رئيس البرلمان محمد الحلبوسي أنه سيتم منح قروض ميسرة لأصحاب المعامل بهدف إعادة تشغيلها وإيجاد فرص عمل جديدة.
وفي مؤتمر صحفي عقده -بحضور عدد من أعضاء في البرلمان- قال إنه سيتم العمل على بناء مئة ألف وحدة سكنية في كل المحافظات العراقية.
كما وعد رئيس البرلمان العراقي بمنح قروض معفاة من الضرائب لمن لا يملك سكنا، إضافة إلى إعفاء جميع المزارعين من بدلات الإيجار خلال السنوات السابقة، وحتى عام 2020.
كما قال الحلبوسي “أوصينا بتسهيل الاستثمار بهدف توفير مليون فرصة عمل”.
محاسبة المتورطين
وكان مجلس النواب العراقي أخفق في عقد جلسة لمناقشة مطالب المتظاهرين بسبب مقاطعة كتل نيابية؛ أبرزها كتلة “سائرون” (صاحبة أكبر مقاعد في البرلمان) ويدعمها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
من جانبها، أكدت الرئاسات الثلاث في العراق اتخاذها إجراءات عاجلة من شأنها تلبية مطالب المتظاهرين.
في السياق نفسه، أكد رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الحكومة عادل عبد المهدي ضرورة محاسبة المتورطين في استخدام العنف وحفظ سلامة المتظاهرين.
وعقب اجتماع مع عبد المهدي، قال مكتب صالح إن اللقاء تناول الأحداث الجارية، وأكد ضرورة تلبية المطالب المشروعة للمتظاهرين.
وأضاف المكتب أن صالح وعبد المهدي أكدا ضرورة محاسبة المتورطين في استخدام العنف، والتصدي الحازم لمن وصفهم بالمجرمين الذين أطلقوا الرصاص الحي.
وقال مكتب الرئاسة العراقية إن الطرفين بحثا السبل الكفيلة بتدارك الأحداث الأخيرة، بما يضمن المصلحة العامة واستقرار العراق.
وفي مسعى من الحكومة لتهدئة الشارع، رفعت السلطات السبت حظر التجول الذي فرضته قبل أيام في بغداد وعدد من مدن الجنوب وتحداه المحتجون.
وأفاد مراسل الجزيرة في بغداد وليد إبراهيم بأن السلطات سمحت للمشاة بالمرور في ساحتي التحرير والسنك اللتين شهدتا مظاهرات صاخبة في الأيام الماضية، مع استمرار وجود أعداد كبيرة من قوات الأمن في الطرق المؤدية إلى هاتين الساحتين.
على صعيد متصل طالبت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالعراق جينين هينيس، بمحاسبة المسؤولين عن العنف ضد المتظاهرين العراقيين، وعبرت عن حزنها البالغ لوقوع خسائر غير مبررة في الأرواح.
وأضافت المسؤولة الأممية في تغريدة، أنه منذ خمسة أيام والتقارير ترد عن وقوع وفيات وإصابات، وهو أمر لا بد أن يتوقف حسب تعبيرها.
وفي نفس الإطار نظّمت حركة التيار الديمقراطي العراقي في بريطانيا وهي حركة تنشط في أوساط الجاليات العراقية في الخارج وقفة في ساحة الطرف الأغر بلندن، احتجاجًا على قمع السلطات العراقية للمحتجّين السلميين وتضامنًا مع مطالبهم.
وندّد المشاركون في الوقفة بالمتورطين في استخدام العنف داعين إلى محاسبتهم وإنصاف الضحايا. كما دعوا إلى الرفع الفوري لكل مظاهر حظر التجوال، وتوحيد الجهود لتلبية مطالب الحراك الجماهيري.
ويشهد العراق مظاهرات منذ الثلاثاء الماضي، بدأت من بغداد للمطالبة بتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص عمل ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات أخرى.
المصدر : الجزيرة + وكالات