ماذا تعرف عن الوحدة “٢٩١٥٥” في الاستخبارات الروسية؟
نشرت “واشنطن بوست” مؤخراً، تقريراً، يتحدث عن نفوذ روسيا الأمني المتزايد في أوروبا، والذي بدأ يأخذ أشكالاً متعددة خارج النطاق المألوف كجهود زعزعة مولدوفا، وتسميم تاجر سلاح في بلغاريا، وبعدها محاولة انقلاب في مونتينيجرو، ومحاولة اغتيال عميل روسي سابق في بريطانيا، وغيرها من العمليات التي تحمل بصمات جهاز الاستخبارات الروسي. في البداية كانت السلطات الأوروبية تنظر إلى هذه الأحداث بشكل منفصل، ولذلك لم توليها الكثير من الأهمية، بالرغم من خطورتها، لكن تبيّن مؤخراً أنّ هذه الأعمال هي جزء من سلسلة أوسع من العمليات التي تنفذها وحدة نخبوية داخل جهاز الاستخبارات الروسي، وتأتي على ما يبدو ضمن حملة روسيّة منظّمة تستهدف زعزعة الاستقرار في أوروبا. تعرف المجموعة الروسية المحترفة المسؤولة عن تنفيذ هذه العمليات باسم “الوحدة ٢٩١٥٥”، وهي تعتبر جزءًا من استراتيجية الحرب الهجينة التي تعتمدها روسيا خلال السنوات القليلة الماضية، وتتضمن أشكالاً مختلفة من العمليات غير التقليدية المدمجة بالأساليب العسكرية التقليدية. وبالرغم من أنّ التقرير يشير إلى أنّها المرّة الأولى التي يتمّ الكشف فيها عن هذه المجموعة ومناقشة دورها، إلا أن تحقيقاً استقصائيا مفصّلاً في عام ٢٠١٨ لراديو “أوروبا الحرّة”، كان قد أورد رقم هذه المجموعة مرّة واحدة، وذلك خلال تناوله ملف الضبّاط الروس الـ ١٢ المتّهمين من قبل محكمة أميركية بالتدخل في انتخابات عام ٢٠١٦ الرئاسية. ويذكر تقرير “أوروبا الحرة” الذي يتسند إلى ما يتوافر كذلك في المصادر المفتوحة، أنّه وخلال البحث عن الوحدة رقم “٧٤٤٥٥” وهي الوحدة الروسية المسؤولة عن الحرب السيبرانية والقرصنة، ظهرت عدّة نتائج مثيرة للاهتمام، من بينها أنّ الوحدة المذكورة وردت في وثيقة رسمية لوزارة الدفاع الروسية يعود تاريخها إلى مارس ٢٠١٢، وموقّعة في الوقت نفسه من وزير الدفاع الروسي آنذاك أناتولي سيرديوكوف، ويحدد فيها المكافآت المالية الإضافية لعدد من الوحدات لـ “إنجازاتها المبهرة” في مجال عملها، من بينها الوحدة “٧٤٤٥٥”، والوحدتان “٩٩٥٤” و”٢٩١٥٥” كمرشحتين للحصول على مكافآت. التحقيق الاستقصائي يتضمن تفاصيل عن عدد كبير من الوحدات الروسية التابعة لجهاز الاستخبارات، والتي تنفذ عدداً كبيراً من العمليات التخريبية حول العالم، لكنّه لم يقدم أية تفاصيل إضافية عن الوحدة “٢٩١٥٥”. المعلومات المتاحة تشير إلى أنّ أجهزة الاستخبارات الغربية بدأت وضع هذه الوحدة تحت الرادار في عام ٢٠١٦ عندما قامت بتدبير محاولة انقلاب في مونتينيجرو، تتضمن قيام ضابطين باغتيال رئيس الوزراء، والسيطرة بعدها على البرلمان، لكن الإدراك الحقيقي لمضمونها ودورها كان قد بدأ يتبلور بشكل واضح بعد محاولة تسميم عميل الاستخبارات الروسي السابق في مارس من عام ٢٠١٨ بعد أن كان قد لجأ إلى بريطانيا. العملية الأخيرة تطلبت عملاً معقداً واستعداداً لمدّة عام على ما كشفت التحقيقات، وقد ساعد الكشف عن هذه العملية في الوصول إلى خلاصة، مفادها أنّ روسيا تستهدف بشكل حثيث من خلال الوحدات المتخصصة بالعمليات الأمنية في جهاز استخباراتها زعزعة الأمن والاستقرار في أوروبا. ومن الملاحظ أن هذه العمليات الهجينة الروسية بدأت تأخذ طابعاً جديداً في الأعوام القليلة الماضية، بحيث تتضمن التضليل المعلوماتي، والحرب النفسية، في الوقت الذي يزداد فيه الحديث مؤخراً عن اعتماد موسكو على جيش من المرتزقة، ضمن عملياتها العسكرية الخارجية في الشرق الأوسط. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، إلى أي مدى أوروبا مستعدة للذهاب أبعد من مجرد الكشف عمّا تفعله روسيا؟