دولما باهتشة.. تمازج الشرق والغرب في إسطنبول

من أبرز ما تمتاز به كثير من أحياء مدينة إسطنبول، هو تمازج الشرق والغرب، تلاقي حضارة السابقين والحاضرين، وهو ما يمكن مشاهدته في حي بشيكتاش التاريخي، حيث يعد وجهة مهمة لأهالي إسطنبول وزائريها.

منطقة بشيكتاش الواقعة على البوسفور، تمتاز بمعالمها العديدة، واستقطابها حركة سياحية كبيرة، نظرا لكثرة المواقع التاريخية فيها، فضلا عن أنها منطقة سكنية تجذب المشاهير والأثرياء والمفكرين والمثقفين.

ويعد بشيكتاش أحد أشهر أحياء إسطنبول وأرقاها، ويقع في الشطر الأوروبي من المدينة، وجاءت تسميته من اسمها القديم “Kone Petro”، وتعني سرير الرضيع الحجري.

وللاسم حكاية، حيث جلب الراهب “ياكشا” مهد السيد المسيح (عيسى عليه السلام) الحجري من القدس، الذي غسل فيه، ووضعه داخل كنيسة أنشئت في المنطقة، وبعد وفاة الراهب وضع في “آيا صوفيا”، لكن لا دليل على ذلك.

** قصر دولما باهتشة

القصر الذي بدئ العمل في بنائه أيام حكم العثمانيين عام 1843، كان بمثابة المركز الإداري الرئيسي للإمبراطورية العثمانية منذ عام 1856 وحتى 1922.

وحاليا تحول القصر إلى متحف يحظى باهتمام السياح المحليين والأجانب، لما يحتويه من تحف تاريخية يبلغ عددها أكثر من 55 ألف قطعة، ترجع إلى فترات مختلفة، حيث تم جمع المقتنيات في أحد الأجنحة الحديثة التابعة للقصر التاريخي، ولا يتم عرضها في أروقة البناء المفتوحة للزوار.

افتتح متحف مقتنيات القصر عام 2011، ويضم بين جنباته أعدادا كبيرة ومتنوعة من التحف الفنية والتاريخية، بدءا من الشمعدان (منارة تركز عليها شمعة للاستضاءة)، إلى المزهريات، ومن الخزف والبورسلين، إلى الطاولات الخشبية، والمقاعد، ومن المنسوجات إلى مستلزمات المطبخ، والإضاءة، فضلا عن بواكير العديد من الروايات البوليسية، وألعاب الأطفال.

كما أن كافة المقتنيات سواء المعروضة أو الموجودة في المخازن، يرجع تاريخها إلى القرن الـ 19، وتقدم للزوار صورة كاملة عن الحياة التي كانت سائدة آنذاك، كما استخدمت جميعها في عهد آخر 6 سلاطين عثمانيين، فضلا عن الخليفة الأخير عبد المجيد أفندي، إلى جانب استخدامها في السنوات الأولى للجمهورية التركية.

** الجوامع والمباني القديمة

يتضمن الحي مجموعة من الجوامع المبنية في فترات زمينة مختلفة، ويقع بعضها على البوسفور مباشرة مثل جامع أورطا كوي، وهناك جوامع تاريخية أخرى مثل جامع سنان باشا، الذي افتتح عام 1555، وبناه المعماري الشهير سنان باشا، وغيرهما.

ويقع مقابل جامع سنان باشا، قبر القائد البحري خير الدين بربروس، الذي أنشأه المعمار سنان نفسه في 1541، قرب ساحة بشيكتاش الشهيرة.

كما تتواجد مجموعة من المباني التاريخية، يستخدم بعضها حاليا متاحف، مثل المتحف البحري الذي أمر بإنشائه السلطان عبد الحميد عام 1897، ويضم مقتنيات تعود للبحرية التركية وتقع قرب ميدان بشيكتاش على البوسفور.

وميناء بشيكتاش الذي تنطلق منه يوميا رحلات بحرية لبقية أحياء المدينة، يشبه بناؤه القديم الممتد لأكثر من مئة عام، محطات القطار الكلاسيكية القديمة مع الطراز المعماري الذي يمزج بين الشرق والغرب.

كما تتضمن المنطقة مواقع تاريخية مهمة، مثل “تشران ساراي” 1863، أحد أرقى قصور إسطنبول القديمة، وحاليا يعد من أفخم الفنادق فيها، فضلا عن قصر “إهلامور” 1849، وهو أيضا مميز بشكله وطريقة بنائه.

** نشاطات فنية معاصرة

عبق التاريخ الذي ينضح من هذا الحي، ترافقه ملامح التطور الحضاري في إسطنبول وتركيا، سواء على صعيد المباني المشيدة، أو النشاطات الفنية المتعددة فيه، والتي تعكس التمازج الجميل بين القديم والحديث.

فالمواصلات إلى المنطقة تعتمد وسائل النقل الحديثة، والطرقات المشيدة حافظت على خصوصية الحي، وتحديدا المنطقة السكنية منه، فتم الحفاظ على سوق بشيكتاش القديم، مذكرا بعبق الأسواق القديمة.

كما أن قرب الحي من منطقة تقسيم الشهيرة، جعل له مكانة مهمة، خاصة أن المنطقتين يربطهما “قطار أنفاق” يسهل التنقل، فضلا عن المواصلات التقليدية العادية.

ويستضيف الحي ضمن حدائقه فعاليات موسيقية وفنية عديدة، حيث حفلات الجاز والبوب ومختلف أنواع الموسيقا، ومهرجانات القهوة والورود، فضلا عن المتنزهات العديدة.

كما أنه يستضيف واحدا من أحدث ملاعب تركيا والعالم، وهو ملعب “بشيكتاش أرينا”، الذي استضاف نهائي كأس السوبر الأوروبية بين الفريقين الإنكليزيين تشيلسي وليفربول، واستقطب الملعب المجاور لقصر “دولما باهتشة” اهتمام العالم أجمع.

** مواقع سياحية متميزة

ومن أهم ما يميز بشيكتاش أنها منطقة تقع على البوسفور، فكل مكان فيها يطل على سحر العالم أجمع، حيث المضيق الذي يربط بحر الأسود شمالا، ببحر مرمرة جنوبا، ويفصل القارتين الأوروبية والآسيوية جغرافيا، ويقسم إسطنبول إلى شطرين.

ومن أبرز المواقع السياحية محيط قصر دولما باهتشة، والطريق الممتد وصولا إلى ميدان بشيكتاش، ومنها لمنطقة أورطا كوي، التي تقع قرب جسر شهداء 15 تموز/ يوليو، وفيها أشهر وأجمل إطلالة تجتذب السياح، وخاصة ليلا.

هذه المنطقة الممتدة على البوسفور تستقطب الزائرين، فضلا عن المتنزهات العديدة التي تتواجد في منطقة ماتشكا، إضافة إلى انتشار المقاهي المطلة على البوسفور، ومنها على الشطر الآسيوي للمدينة.

كما تستضيف بشيكتاش أفخم فنادق إسطنبول، وتعتبر هذه الفنادق مقصدا للمشاهير في إتمام حفلات زفافهم، ومنها مؤخرا عقد قران اللاعب الألماني من أصل تركي مسعود أوزيل، الذي تزوج من ملكة جمال تركيا السابقة أمينة غولشه، في فندق “فور سيزن” على البوسفور.