صُدم سكّان العاصمة السويدية استوكهولم بعد وقوع ثلاثة إنفجارات هزّت مدينتهم في ليلة واحدة. هذه المرة، اقتربت التفجيرات من قلب المدينة، بعد أن كان يتردّد صداها سابقا في الضواحي.
“لقد نشأت هنا، يبدو لي أن هناك من ينتهك هذه البيئة” يقول جول (22 عام) الذي دمر أحد التفجيرات باب منزله ونثر حطام نوافذه على الطريق، في حيّ سودرمالم في وسط ستوكهولم.
تتعامل الشرطة السويدية مع عدد غير مسبوق من التفجيرات، وقد تمّ استدعاء الفرقة المختصّة بالتفجيرات للتعامل مع 97 تفجيراً في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام.
ولم تشهد السويد قبل عام 2017، هذا النمط من الجرائم، لكن عام 2018 شهد 162 تفجيراً، وتمّ استدعاء الفرقة المختصة بالتفجيرات 30 مرة خلال الشهرين الماضيين.
وتقول ليندا شتراف، رئيسة قسم الاستخبارات في “دائرة العمليات القومية” في السويد إن معظم التفجيرات استخدمت فيها قنابل صوتية أو قنابل يدوية وأخرى محليّة الصنع.
وتضيف ان الهجمات غالباً ما تقف وراءها عصابات وتتم بغرض ترهيب عصابات منافسة، أو لإخافة المقرّبين من هذه العصابات أو أفراد عائلاتهم.
وقد تمّ إيفاد فرق للعمل مع أخصائيين بمكافحة العصابات في الولايات المتحدة، ألمانيا وهولندا. كما يتم التواصل بين هذه الفرق وخبراء عسكريين سويديين، سبق وتعاملوا مع تفجيرات في إفريقيا وأفغانستان.
وقال خبير الجرائم أمير روستامي إن “هذه الحوادث غير معهودة، فالبلاد لا تعرف الحرب، وليست لها تجربة طويلة مع الإرهاب”.
أين تقع التفجيرات؟
وقعت التفجيرات في المدن الكبرى، كاستوكهولم، غوتنبرغ ومالمو، وتحديداً في الأحياء الفقيرة وذوي الدخل المنخفض. ففي مالمو وحدها، وقعت ثلاث إنفجارات خلال 24 ساعة مع بداية هذا الشهر.
لكن يتم استهداف الأحياء الثرية أيضاً حالياً. ففي حي بورما في شمال العاصمة، أدى وقوع انفجار إلى تدمير مدخل مجمّع سكني وإلى تطاير النوافذ وتحطيم سيارات. كما أدى انفجار آخر استهدف مجمّعا سكنيا في وسط بلدة لينكوبينغ إلى جرح 25 شخص.
عصابات السويد
وتقول الشرطة إن مرتكبي هذه الأعمال، هم جزء من شبكة عصابات متورطة بجرائم إطلاق النار وتعمل في تجارة المخدرات. وقد شهدت السويد 45 عملية اطلاق نار في 2018، مقارنة مع 17 عام 2017.
لكن من غير المعلوم لماذا أضافت العصابات، المتفجرات إلى ترسانة أسلحتها.
ولا تسجّل السويد أو تنشر جنسية أو الأصول العرقية للمتهمين والمدانين بارتكاب أعمال إجرامية. لكن تؤكد شتراف، رئيسة الاستخبارات، أن الغالبية من خلفيات متشابهة.
“لقد نشأوا في السويد، ضمن مجموعات وفي أماكن مهمّشة على المستوى الاجتماعي – الإقتصادي. والعديد منهم قد ينتمون إلى الجيل الثاني أوالثالث من المهاجرين”.
واستقبلت السويد عدداً كبيراً من اللاجئين خلال عام 2015 وكان نصيبها الأكبر في اوروبا بالنسبة لعدد السكان.
لكن شتراف تؤكد “إنه ليس صائباً اعتبار الوافدين الجدد، أعضاء في شبكة العصابات”.
ويرى الكثيرون أن التفجيرات عزّزت موقف الأحزاب اليمينية التي تركز على المصاعب التي تواجهها السويد منذ عقدين لدمج المهاجرين.
وحذّرت الكاتبة ميرا أسكوي، التي تصف نفسها بالكاتبة الوطنية المحافظة، من احتمال تفاقم الأوضاع في المستقبل وتقول إن اللاجئين أو المهاجرين الذين يعيشون في نفس المنطقة ولهم نفس العقلية لا يشعرون أن عليهم أن يصبحوا جزءاً من السويد ويظلون في مجتمهاتهم المنعزلة وينخرطون في عالم الجريمة”.
وهذا الموقف بات أكثر انتشاراً خلال السنوات الأخيرة، إذ استطاع الحزب الديمقراطي الوطني السويدي الحصول على 18 بالمئة من الأصوات عام 2018.
ويقول روستتامي إن العرق نادراً ما يلعب دوراً في الانتماء إلى العصابات “حين أقابل أعضاء عصابة ما، تكون العصابة وطنهم الجديد وهويّتهم”.
إشكالية حول تغطية الإعلام
ويدور جدل آخر حول تغطية الإعلام في السويد لهذه الحوادث. فقد واجه التلفزيون الرسمي تهمة التماهي مع موقف اليسار بسبب عدم إعطاء البرامج الإخبارية المسائية، الأولوية لخبر وقوع ثلاثة تفجيرات الشهر الماضي.
وتشير دراسة صادرة عن شركة إحصاءات إلى أن الأخبار المتعلقة بالأمن والقانون كانت الأكثر تغطية في التلفزيون السويدي وفي محطات الإذاعة وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.
إجراءات إضافية
وقالت الشرطة إنها تحاول تعقب الجناة وتوقيفهم. وصدرت أحاكم بالإدانة في واحدة فقط من بين كل عشر قضايا من هذا النوع عام 2018.
ووعد مكتب العمليات القومي بزيادة التعاون مع قوات الأمن.
كما أعلن وزير الداخلية عن توسيع صلاحية تفتيش أماكن إقامة المشتبه بهم والعمل على كسر حاجز الصمت الذي يلف أنشطة العصابات.
وقال أحد سكّان مدينة سودرالم إنه تمّ التركيز كثيراً على مسألة الدمج: “لا يهمني كثيراً أين أعيش، لكن مبعث قلقي هو التطورات التي نشهدها على الهوية الوطنية”.
.
المصدر/ BBC