بين المساجد والقصور العثمانية التي تشكل أفق إسطنبول ستجد القبة المعدنية اللامعة لمسجد ساكرين Sakirin، والذي تم بناؤه بلمسة امرأة لأول مرة في التاريخ.
زينب فاضل أوغلو مهندسة ومصممة ديكور، أشرفت على تنفيذ بناء المسجد الذي مولته عائلة تركية ثرية.
نتعرف من خلال السطور التالية على مسجد ساكرين وبنائه والمهندسة ومصممة الديكور أوغلو.
«رغبةً في الشعور بالسلام»
«كنت أريد أن يشعر الناس بالسلام وأن يتركوا لأنفسهم أكبر قدر ممكن منه، بالإضافة إلى إحاطتهم بالفن الجميل والرمزية الفنية من حولهم»، هكذا عبّرت المهندسة المعمارية زينب فاضل أوغلو عن تفكيرها أثناء تصميم مسجد ساكرين.
وزينب صممت في السابق مطاعم وفنادق ونوادي ليلية ومنازل فاخرة في نيودلهي، في الهند، إلى أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة، وصولاً إلى لندن بإنجلترا.
وكان مسجد ساكرين أول مشروع لها مع أماكن للعبادة، والذي اختارت أن تجعل تصميمه يحاكي تصاميم المصمم التاريخي سريف تايلا.
ساعدت أوغلو في تنظيم فريق من فناني المساجد التقليديين المتخصصين في فن الخط الإسلامي، إلى جانب الحرفيين في صناعة الزجاج، وسبك المعادن والإضاءة، لتنفيذ تصميم مسجد ساكرين.
وتتمتع إسطنبول بتقاليدها الخاصة في الهندسة المعمارية للمساجد، والتي يعود تاريخها إلى قرون مضت، فتزين شواطئ مضيق البوسفور روائع من القرن السادس عشر مثل مسجد السليمانية، الذي بناه المهندس المعماري الأكثر شهرة في الإمبراطورية العثمانية، معمار سنان.
ومع وجود ما يقرب من 3000 مسجد، يمكن سماع أذان من كل ركن من أركان إسطنبول، قادماً من مآذن تعود إلى عصور مختلفة.
وقال مصطفى كاجريسي، مفتي إسطنبول، لموقع CNN «في السبعين أو الثمانين عاماً الماضية، بنينا مساجد نسخاً عن العمارة العثمانية، ولم يكن هذا تطوراً جيداً، لأن النسخة لا يمكن أن تكون جيدة مثل الأصل.»
وهو الأمر الذي كانت تأمل فاضل أوغلو وفريقها من الفنانين في تغييره من خلال مسجد ساكرين.
مسجد ساكرين واحد من أكثر المساجد حداثة
يقع مسجد ساكرين في واحدة من أقدم المقابر في إسطنبول بمنطقة إسكودار، ويُعتبر نموذجاً يُبين مدى تطور الهندسة المعمارية التركية في العصر الحديث، ويُصنف هندسياً كواحد من أكثر المساجد حداثة في تركيا.
تم بناء مسجد Sakirin من قبل عائلة تركية ثرية، وتحديداً من قِبل وقف سميحة شاكر المملوك، وتم افتتاحه في عام 2009، بعد أن استغرق بناؤه نحو الأربع سنوات والنصف.
تبلغ مساحة المسجد نحو 10 آلاف متر مربع وتتسع لنحو 500 مُصل، ويشتمل المسجد على مئذنتين بارتفاع 35 متراً.
وفي قلب فناء المسجد، تم تصميم بركة مياه تتوسطها كرة كبيرة من الفولاذ ترمز إلى الكون، بينما يتزين الرواق المؤدي إلى داخل المسجد بأسماء الله الحسنى المكتوبة بعناية وبشكل بسيط يخلو من الزخرفة.
يغلب على المنبر طابع الحداثة حيث صُنع من مادة الأكريليك اللامعة، وعند دخول المسجد ستجده مُحاطاً بالزجاج الذي تنفذ منه أشعة الشمس من ثلاثة أطراف بدلاً من الجدران.
وتم رسم آيات سورة النور من الداخل، وتتميز كل الخطوط بأنها من ورق الذهب الخالص، وقد استغرق العمل على إنجازها قرابة العامين.
أما القبة فهي من الألومنيوم المركب ومزينة من الداخل بالكتابات، وجاء المحراب في شكل هلال كبير أزرق اللون في وسطه دائرة نحاسية مُزينة بنقوش ذات طابع زخرفي سلجوقي.
والثريا عبارة عن سلسلة متعددة الطبقات من حلقات معدنية وزجاج شبكي، تحمل نقوشاً قرآنية وتقطر منها عشرات من الدموع الزجاجية الرقيقة.
يُعلق نجار شارك في بناء المسجد وهو متين سيكر أوغلو قائلاً: «من المميز أن تكون يد امرأة خططت لكل ذلك، فالمسجد تصنعه امرأة، وإذا فكرنا في هذا المكان باعتباره بيتاً لله، فيمكننا أيضاً أن نقول إن المرأة ستجعل هذا المكان أفضل بكثير.»
مصلى النساء لا يقل جمالاً
كان من بين أهداف فاضل أوغلو في تصميم مسجد ساكرين لفت الانتباه إلى تصميم قسم النساء في المسجد، وهي منطقة تقول إنها غالباً ما يهملها المهندسون المعماريون.
وقد رأت أوغلو أن النساء يتم الدفع بهن أحياناً إلى أسوأ جزء من السلالم، وهي منطقة ضيقة، ويبدو الأمر وكأنهن غير مرغوب فيهن في المسجد، وهذا لا يتناسب مع الإسلام، الذي تتساوى فيه المرأة مع الرجل.
قالت فاضل أوغلو: «في مسجد ساكرين، أعطيت النساء اللاتي يصلّين على الشرفة رؤية بلا عائق للقبة، والثريا المزخرفة، والمنطقة على الأرض حيث يؤم الإمام الصلاة.
.
المصدر/ arabicpost