في خطوة جديدة في إطار الحرب التركية على الإرهاب، وجّهَت تركيا قبضتها الأمنية لتطال الإرهابي المدعوّ محمد دحلان، 58 عاماً، القيادي الفلسطيني السابق المفصول من حركة فتح، الأمر الذي وصفه مهتمون بالشأن التركي بأنه “صفعة” وجّهَتها تركيا إليه من خلال إدراجه على اللائحة الحمراء للإرهابيين، ورصد مكافأة مالية قيمتها 4 ملايين ليرة تركية لمن يُدلِي بمعلومات عنه، بسبب علاقته مع تنظيم غولن الإرهابي.
وتشير تركيا بأصابع الاتهام إلى دحلان بضلوعه في محاولة الانقلاب الفاشلة التي نظّمَتها ورعتها جماعة تنظيم غولن الإرهابي في 15 يوليو/تموز 2016، إضافة إلى وقوفه وراء تمويل تكاليف تلك المحاولة الفاشلة ماليّاً، من خلال تحويل الأموال التي حصل عليها من دولة الإمارات محرّكه الرئيسي، وتحويلها للمتزعم الإرهابي المدعو فتح الله غولن، حسب مصادر ووثائق بيد السلطات التركية.
ويتّخذ دحلان من دولة الإمارات مقرّاً للإقامة فيها ومركز عمليات ينطلق منه ويبثّ سمومه نحو منطقة الشرق الأوسط، وكل ذلك ليس من باب تسليط الضوء على أنه شخصيَّة تحظى بالاهتمام، بل لأنه أداة بيد الإمارات وتابع مدلَّل لها تحرّكه كيفما تشاء.
وسبق ذلك كلَّه التصريحاتُ التي صدرت من مسؤولين أتراك في ما يخصّ الإرهابي دحلان، ومنها ما وجّهه وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو إلى الإمارات في تصريحات إعلامية جاء فيها: “أقول للإمارات إن إرهابيّاً اسمه محمد دحلان هرب إليكم لأنه عميل لإسرائيل”.
ومن ثم ما كشف عنه وزير الداخلية التركية سليمان صويلو من أن “دحلان سيُدرَج على قائمة الإرهابيين المطلوبين”.
لماذا تحركت تركيا الآن ضدّ دحلان؟
من الأدوار التي لعبها دحلان ضدّ تركيا، إضافة إلى دعمه تنظيم غولن الإرهابي، محاولة تشويه صورة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عربيّاً وغربيّاً، عبر الخروج على وسائل الإعلام وفي الملتقيات والاجتماعات التي يكون دحلان حاضراً فيها والبدء برمي التهم والادِّعاءات الكاذبة التي تستهدف تركيا وشعبها ورئيسها.
من هنا فإن تلك الصفعة التركية التي وُجّهت إلى دحلان لم تكُن وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة للمتابعة والبحث والتدقيق حوله، إلى أن دقّت ساعة الصفر وكانت اللائحة الحمراء بانتظاره لينضمّ إلى قافلة الإرهابيين المدرجين على القوائم التركية والمطلوبين للعدالة.
وفي هذا الصدد قال الكاتب والمحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو ، إن “ما يعني تركيا الآن أنه ثبت بالأدلة القاطعة والدامغة تورُّط دحلان في دعم الانقلابين من تنظيم غولن الإرهابي، بتحويل حوالات مالية بملايين الدولارات لحساباتهم في أمريكا”.
وفي ردّ منه على سؤال حول توقيت هذه الخطوة التركية الآن، قال كاتب كاتب أوغلو إن “دحلان مجرم دولي ومطلوب للإنتربول الدولي، وهو متورط الآن بقضية محاولة قلب نظام الحكم في تركيا ودعم الانقلابين ودعم مجموعة إرهابية مسلَّحة كانت تخطّط لاغتيال رئيس تركيا أردوغان، ودعم مجموعة منظَّمة إرهابية للانقضاض على الشرعية والديمقراطية في تركيا ماليّاً وتخطيطيّاً واستخباراتيّاً”.
وأضاف أن “إعلان تركيا الآن يأتي بعد استكمال الأدلة والمستمسكات والاعترافات التي حُصل عليها والتي تؤكّد تورطه، خصوصاً قُبيل محاولة الانقلاب الفاشلة في لقاءاته المشبوهة في صربيا مع المخططين من تنظيم غولن الإرهابي، الذين اعتُقل أحدهم في ما بعد واعترف بوجود دعم حقيقي من دحلان”.
وأشار كاتب أوغلو إلى أن “هذا الملف يُعتبر الأسخن لتركيا، ومِن ثَمَّ فمن حقّها تخصيص مكافأة لمن يعطي معلومات عنه لأنه استهدف الأمن القومي في تركيا، واستهدف القيادة التركية والنِّظام في تركيا، وهو داعم لتنظيم إرهابي، فوجب القبض عليه”.
ضلوعه في اغتيال خاشقجي
ولم يكُن ملف دحلان الإجرامي وسعيه لبَثّ السموم مقتصراً على دعم التنظيمات الإرهابية ضدّ تركيا، بل امتد الأمر إلى قضايا أخرى ثبت ضلوعه فيها، ومنها قضية اغتيال الصحفي السعوديّ جمال خاشقجي في قنصلية المملكة العربية السعوديَّة بإسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 في جريمة هزّت العالَم.
وفي الثامن عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2018 كشفت مصادر تركية أن مجموعة على ارتباط بدحلان وصلت إلى تركيا قبل يوم واحد من جريمة الاغتيال، ويوم العملية رُصد دخولهم إلى القنصلية، حسب صحيفة “يني شفق” التركية.
وفي الرابع من الشهر ذاته، أنهت تلك المجموعة داخل القنصلية مهمتها، التي كانت تتمحور حول مسح الأدلّة التي تُدِين مرتكبي الجريمة، وإزالتها من مسرح الجريمة، وقد وثّقَت السلطات التركية صور أعضاء الفريق المكوَّن من 4 أشخاص.
وفي هذا الجانب قال كاتب أوغلو إن “دحلان متورط بقضية خاشقجي، وهو يعمل استخباراتيّاً مع الجهود الإسرائيلية في كيفية الدعم المالي أيضاً من أجل تجنيد آلة للقتل، ولا ننسى أن الطائرتين اللتين خرجتا لتنفيذ عملية اغتيال خاشقجي في إسطنبول، إحداهما أتت من دبي والأخرى أتت من مصر، وجرى تنسيق رفيع المستوى ودعم من دحلان ثبّتَته الأجهزة الاستخباراتية، إضافة إلى تثبيت العلاقات المشبوهة أيضاً بين دحلان وإحدى هذه المجموعات التي نفذت جريمة القتل”.
وأضاف أن “هذا سبب آخر يدفع تركيا إلى إدراجه على اللائحة الإرهابية، فسجله حافل بالعمالة والجرائم، وأصبح الآن يُلقِي بسمومه وخبثه إلى خارج المناطق التي يعيش فيها، وبدأ يستهدف الأمن القومي التركي ويدعم تنظيمات إرهابية دولية كتنظيم غولن، لذا فإنه من حقّ تركيا الطبيعي أن تطالب باعتقاله وأن تبحث عنه وأن تخصّص مكافأة لذلك”.
وأكَّد أنه “على الجميع أن يعلم أن تركيا لا يمكن أن تتهاون مع من يستهدف أمنها وحكومتها وقائدها وشعبها ووحدة أراضيها، ومِن ثَمَّ فلتركيا كامل الحقّ في أن تفعل ما فعلت، ولا يمكن لأحد أن يلومها على ذلك”.
عمالته لليهود وفساده في فلسطين
وقبل ضلوعه وتورُّطه في دعم الإرهاب ضدّ تركيا، وسعيه لتشويه سمعة الرئيس التركي أردوغان، إضافة إلى تحريض المؤسَّسة العسكرية في تركيا على التماهي مع تنظيم غولن الإرهابي، يسجّل لدحلان تورُّطه في كثير من العمليات من قبل فراره إلى الإمارات والحصول على الدعم المالي الإماراتي.
وحول ذلك قال كاتب أوغلو إنه “متورط بأنه عميل لليهود، وكان متورّطاً في كثير من العمليات داخل فلسطين عندما كان مسؤولاً عن الأمن الوقائي تحت قيادة جبريل الرجوب، وكان استخباراتيّاً من الطراز الأول يعمل لصالح إسرائيل”.
وأضاف أنه “يجب أن لا ننسى أنه كان له صولات وجولات في قضية التخلص من ياسر عرفات، وقد يكون المسؤول عن تسميمه، وتدلّ على ذلك شبهات قوية جدّاً، يضاف إلى ذلك الملفُّ الذي يبيّن فساده المالي واختلاس 17 مليون دولار في أثناء وجوده في حركة فتح، وعلى أثر ذلك حوكم في المحاكم الفلسطينية واعتُقل وغُرّم ثم طُرد من الحركة، وهو الآن يُعتبر هارباً ومنشقّاً، وخرج إلى الإمارات، وهو يحمل جوازاً من صربيا وأيضاً جوازاً إماراتيّاً ولكن غير مُعلَن بحصانة دبلوماسية في بعض الدول العربية”.
أعيُن الثورة المضادَّة تتجه نحو تركيا
ويرى مراقبون أن دحلان يُعتبر العقل المدبّر والمخطّط لكثير من مهندسي الثورات المضادة، بداية من مصر ووصولاً إلى ليبيا.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي المصري عبد الحميد قطب، أنه “مِمَّا لا شك فيه أن أعين الثورة المضادة تتجه نحو تركيا، وهذا ما ظهر جليّاً في المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016”.
وأضاف قطب ، أن “دحلان قد يكون أحد أركان الثورة المضادة، وربما ركن مهمّ فيها، وما يفعله يندرج في إطار خطة ومؤامرة الثورة المضادة على الدول الديمقراطية الناجحة في المنطقة، وفي مقدمتها الدولة التركية، ومِن ثَمَّ ما زالوا يخطّطون لمحاولة إسقاط هذه التجربة الديمقراطية الإسلامية الناجحة، وهذا ما يفعله ويقوم عليه دحلان”.
دور دحلان ومَن خلفه في مصر
يرتبط اسم دحلان ارتباطاً وثيقاً بالتخطيط للانقلاب ضدّ الرئيس المصري الراحل محمد مرسي 2013، من خلال مساهمته في دعم الثورة المضادة في مصر، وتأسيس حركة عصيان اسمها “تَمرُّد”، كما شارك في تمويل المظاهرات لإعداد الانقلاب على الرئيس مرسي، يُضاف إلى ذلك ارتباطه الوثيق بالسيسي من خلال دعم الأخير إماراتيّاً.
وعن ذلك يقول قطب إنه “لا يخفى على أحد دور دحلان ودولة الإمارات التي تستضيفه حيث يعيّنه محمد بن زايد مستشاراً له، في الانقلاب على أول رئيس مصري مدني منتخب شرعيّاً هو الرئيس محمد مرسي، وقد أعلن صراحةً أن السيسي في جيبه، وهذا التصريح كان قبل الانقلاب بأيام معدودة، بما يعني أنه هو مَن حرّض السيسي على الانقلاب ودبّر وخطّط لذلك، والسيسي عبارة عن منفّذ وواجهة”.
وأشار قطب إلى أن “كل إجراءات النِّظام المصري ضدّ إخوتنا الفلسطينيين في غزة وفي مجمل القضية الفلسطينية هو من خطّط لها، والنِّظام المصري منفّذ فقط”.
تفريق المعارضة السورية
ووصف خبير دراسات بلاد الشام في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام) في العاصمة التركية أنقرة الدكتور سمير العبد الله، دحلان، بأنه “عراب الثورات المضادة التي تسعى لإخماد الربيع العربي”، مضيفاً أن “دحلان قال بنفسه إنه لا يعترف أصلاً بما يُسَمَّى ثورة الربيع العربي، وأن ما جرى مؤامرة لتدمير الدول العربية تحت هذا الشعار، وأنه ضدّه ما بقي على قيد الحياة”.
ولعب دحلان دوراً كبيراً في دعم السيسي رئيس نظام الحكم في مصر، حسب العبد الله، كذلك له دور في الدعم العسكري المقدم للمشير حفتر في ليبيا، وعلاقات مع القيادات التونسية المعارضة لحركة النهضة ذات التوجهات الإسلامية.
وأشار العبد الله ، إلى أن “دحلان لعب دوراً في تأسيس منصَّة القاهرة بقيادة أحمد الجربا، وذلك لتفريق المعارضة السورية، وإيجاد تيَّار أقرب من وجهة نظر النِّظام السوري”.
وختم بالقول إن “دحلان يرغب في الإطاحة بالإسلاميين أينما وُجدوا، وهو يعلن دائماً أنه في حرب ضدّ جماعة الإخوان المسلمين، بخاصَّة بعد الخلاف بينه وبين حماس في غزة”.
في خدمة الإمارات
وعن العلاقة التي تربطه بدولة الإمارات، فدحلان ليس سوى “قاتل مستأجَر” كما يصفه كثيرون، ولكن عقب طرده من حركة فتح عام 2011 وجد ضالّته في الإمارات ورأى فيها المكان الذي يمكن له أن ينبت أذرعه الداعمة للإرهاب، مستغلّاً العلاقة الوطيدة بينه وبين وليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد، الذي ضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لوقف أي إجراءات أمنية ضدّ دحلان.
وقرّر دحلان المكوث في أبو ظبي ليعيّنه بن زايد مستشاراً له، بالتزامن مع اندلاع ثورات الربيع العربي، لتوكل إليه المهمَّة التي نفّذها إرضاء لأسياده، وهي “هندسة الثورات المضادة” في بلدان الربيع العربي.
تاريخ حافل بالجرائم
عام 2011 فُصل من حركة فتح ولوحق بتهم جنائية وفساد مالي.
عام 2016 حكمت عليه محكمة فلسطينية غيابيّاً بالسجن 3 سنوات بتهم الفساد.
عرّاب التطبيع بين أبو ظبي وتل أبيب.
تبنِّي الإمارات له مستشاراً أمنيّاً.
وسيط عن استثمارات الإمارات في صربيا.
دوره في صفقات الأسلحة الصربية التي تعقدها الإمارات لدعم أجندة الإمارات في مصر واليمن وليبيا.
دوره الداعم لإخراج حماس من دائرة السُّلْطة في غزة.
محاولته نقل حركة “تمرد” من مصر وغزة إلى تركيا من أجل التحريض ضد نظام الحكم وضد أردوغان.
دعمه للثورة المضادة في ليبيا ودوره في استمرار المعارك وفي تهريب الأسلحة الإماراتية والقتلة المأجورين إلى معسكر الانقلابي خليفة حفتر
يُذكر أنه في عام 2012 وجّهَت المحكمة الجنائية الدولية خطاباً إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس للمساعدة في التحقيق الذي تُجرِيه في الحرب الأهلية الليبية، وتورُّط دحلان إلى جانب سيف الإسلام القذافي في جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، مع الإشارة إلى أن سيف القذافي أصدرت المحكمة الجنائية عام 2011، مذكّرة توقيف بحقِّه بناء على التُّهَم نفسها.
.
المصدر: TRT عربي