تتّجه أنظار العالم إلى ماليزيا، التي تحتضن عاصمتها كوالالمبور قمّةً إسلاميّةً، يأمل رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد أن تكون نواةً لاستعادة مجد العالم الإسلامي.
محمد وصف القمّة باعتبارها «الخطوة الأولى نحو إعادة بناء حضارة إسلامية عظيمة»، علماً أن المشاركة الرئيسية تنضوي على 5 دول، منها دولة عربية واحدة هي قطر.
ورغم أنّ القمّة تُقام في ماليزيا فإن الأنظار ستتّجه ناحية تركيا، لاسيما بعدما اعتبر محمد أنّ على البلدان الإسلامية أن تكون متطورة، وأنّه على دولة واحدة أن تبدأ بهذا الأمر، مرشحاً تركيا لتولي هذه المهمّة.
كان اقتراح عقد القمّة جاء بعد نقاشٍ جمع رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد ونظيره الباكستاني عمران خان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في سبتمبر/أيلول 2019، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فيما قد يبدو وكأنّ هذه القمّة هي الأولى من نوعها، فإن هناك تجربةً بارزةً سبقتها بالفعل، ربّما لم يُكتب لها النّجاح المتوقّع، لأنّها قامت في ظروفٍ خطرة بعض الشيء، وربما فقدت بريقَها بعد رحيل مؤسسها عن كرسيّ السلطة، بسبب مشكلاتٍ داخلية في تركيا.
صاحب المقترح الأول هو الذي يعتبره أردوغان أستاذه؛ رئيس الوزراء التركي السابق نجم الدين أربكان.
يحتاج الأمر لنتعرّف على تجربة نجم الدين أربكان لتقريرٍ مطوّل، لكنّنا في هذا التقرير سنكتفي بإشارةٍ بسيطة لجزء من نضاله، فقد كان أوّل من نشط في «العمل السياسي» بفكرٍ أقرب للإسلام منه للعلمانية المفروضة في تركيا بقوّة الجيش.
بعد أن تمّ حلّ الخلافة العثمانية وتأسيس الجمهورية الجديدة في عام 1923، أصبح النظام السياسي في تركيا علمانيّاً، فقد منعت المحجّبات من دخول الجامعات بالحجاب، واتّجهت تركيا غرباً ناحية أوروبا وأمريكا، مديرةً ظهرها لتاريخها الإسلاميّ المرتبط بالعالم العربي أيضاً.
لكنّ البروفيسور نجم الدين أربكان، الذي حصل على شهادة الدكتوراه من ألمانيا كان يرى غير ذلك؛ فالعمق السياسي والاستراتيجي لتركيا هنا، في العالم الإسلامي، هو أقرب له من العالم الغربي، وبدأ في العمل السياسي بهذه الرؤية.
بدأ أربكان في التدرّج في المناصب السياسية، ورغم وصوله نائباً في البرلمان إّلا أنّه مُنع من المشاركة في الحكومات المختلفة بسبب نشاطاته المعادية للعلمانية. وبعدما تمّ حلّ حزبه الأوّل «النظام القومي» أنشأ حزب «السلامة الوطني» في عام 1972، وشارك في حكومةٍ ائتلافيّة.
كان واضحاً أنّ أربكان لن يكتفي بما وصل إليه حتّى الآن، فأصبح رئيساً للوزراء عام 1996 عن حزب «الرفاه»، لكنّ الجيش لم يتركه يهنأ برئاسته للحكومة أكثر من سنةٍ واحدة، وفي نهاية هذه السنة كان أربكان قد بدأ بتطوير وتطبيق ما كان يفكّر ويطمح إليه منذ زمن: اتّحاد إسلامي قوي كالاتحاد الأوروبي.
لم تكن أحلام أربكان تهدأ، فما إن وصل لرئاسة الوزراء في يونيو/حزيران 1996، حتّى طرأت في ذهنه الفكرة، التي يبدو أنّها كانت تتشكّل وتتكوّن في ذهنه منذ زمن، في أحد الاجتماعات في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، راودته الفكرة وأعلن عنها، حتّى تكلَّل بنجاح أوّل مؤتمرٍ لهذه المنظّمة في يونيو/حزيران 1997.
يمكن لنا أن نترك أنفسنا قليلاً مع أحلام أربكان، فلم تكن المنظَّمة من وجهة نظره مجرّد منظمة أخرى تضاف إلى المنظمات والمؤسسات الكثيرة التي تنتهي بمؤتمراتٍ وورش عمل وبعض الاتفاقيات الصغيرة هنا وهناك.
ففي مؤتمره الذي عُقد في إسطنبول 1995 تحت اسم «النظام العادل» -قبل أن يصبح رئيساً للوزراء بسنة- يطرح أربكان لنا رؤيته التي تتجاوز النظام الاقتصادي العالمي، فمختصر هذا النظام في الاقتصاد الداخلي أن يرفض الربا والضرائب المجحفة، وصكّ النقود بلا رصيد ذهب، كما كانت تسير الأمور قبل أن تغيّرها أمريكا في 1971، ويتعامل مع ملفاتٍ أخرى مثل النظام المصرفي الحالي ونظام القروض.
أمّا خارجياً فتحرّك أربكان من منطلق وجود ما يمكن تسميته «أمم متحدة إسلامية»، كما حلم بإنشاء سوق اقتصادية إسلامية مشتركة، وبتأسيس منظمة «يونسكو» إسلامية، وصندوق نقد إسلامي، وأيضاً حلف دفاعي عسكري إسلامي!
تركيا التي أدارت وجهها في بدايات القرن الماضي للمشرق العربي والإسلامي، وآثرت الاتجاه غرباً، وأضحت عضواً فاعلاً ورئيسياً في حلف الناتو الأوروبي- الأمريكي، سعت في التسعينات لأن تكون وجهةً لاتحادٍ إسلاميٍّ يخلق «عالماً للمسلمين»، كانت كلّ هذه أحلام أربكان.
لكنّ ما هي إلّا أيّامٌ قليلة من المؤتمر الأول لـ «مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية» حتّى استقال أربكان من رئاسة وزراء بلاده، فيما عُرف لاحقاً باسم «انقلاب 1997» في تركيا، فقد كانت لأربكان مواقف معادية لإسرائيل، إضافةً لمواقفه التي تنطلق من بُعد إسلامي وليس علمانياً، كلّ هذه وغيرها من التفاصيل جعلت الجيش التركي يقدم لأربكان مجموعةً من الطلبات لتنفيذها، من أجل «مكافحة الرجعية» كما أطلقوا عليها.
تضمّنت هذه الطلبات وقف كل مظاهر النشاط الإسلامي في البلاد سياسياً كان أم تعليمياً، فكان أن اضطر أربكان إلى الاستقالة من منصبه لمنع تطور الأحداث إلى انقلابٍ عسكري دموي، وتمّ حظر حزبه، وتمّ سجنه سنتين لاحقاً، ومُنع من الممارسة السياسية 5 سنوات.
لن يكون بمقدرونا طبعاً أن نتحدّث عن «حلم أربكان الكبير» الذي يتضمّن حلف ناتو إسلامياً وغيره من المؤسسات والمنظمات، لأنّ الرجل لم يصل لرئاسة الوزراء في بلاده مرة أخرى، وإنّما سنتحدّث فقط عمّا يخص هذا التقرير «مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية».
كانت المجموعة تتضمّن عضوية 7 دول غير تركيا، وهي: مصر ونيجيريا وباكستان وإيران وإندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش، كان أربكان فيما يبدو يحلم بأن تكون هناك اتفاقيات تجارة حرّة بين هذه البلدان، وربّما عملةً موحّدة مثل أوروبا، آملاً أن يكون نجاح هذه التجربة دافعاً لبقية الدول الإسلامية للانضمام لهذه المنظّمة الإسلاميّة.
مقارنةً بالأهداف التي كانت تتحرّك في عقل وخيال أربكان، فإنّ المنظّمة التي بدأها قبل أن تنتهي رئاسة وزارته بأيّام لم تحقِّق أياً من أهدافها الكبرى، نعم ظلّت المنظّمة تعقد مؤتمرها كلّ سنتين بالتناوب بين البلدان الثمانية، لكنّها لم تتحرّك كثيراً للأمام وفق الأهداف التي كان يطمح إليها أربكان.
رغم ذلك، ما زالت بعض التصريحات تأتي بين الفينة والأخرى؛ فمثلاً أعلن الأمين العام للمجموعة، داتوك جعفر كوشاري، أنَّ الدول الأعضاء ستعمل من خلال «نظام الدفع بالبطاقات»، الذي يقترح استخدام العملات المحلية، وفي بداية 2019، قال أيضاً إنَّ المجموعة طوَّرت بطاقة دفع تدعى «D8P Card»، انطلاقاً من فكرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول استخدام الدول الأعضاء عملاتها المحلية في التعاملات التجارية فيما بينها.
كما أكّد أيضاً أنَّ أعضاء المجموعة سيعقدون اجتماعاً قريباً لإتمام أعمال بطاقة الدفع الجديدة. كما يحدو الأمين العام حلم بأن تصبح «مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية» واحدة من أكبر التكتلات الاقتصادية حول العالم بحلول 2050.
وبحسب كوشاري، ستحتل الصين عام 2050 المرتبة الأولى عالمياً في الاقتصاد، تليها الهند، ثم الولايات المتحدة، تليها إندونيسيا بالمركز الرابع، في حين ستأتي تركيا في المرتبة الـ11، ونيجيريا في المرتبة الـ14، ومصر في الـ15، ثم باكستان وإيران في المرتبتين 16 و17 على التوالي، وبنغلاديش بالمركز 23، وماليزيا في المركز 24.
لكن يبقى السؤال قائماً: هل ستستطيع المجموعة تحقيق ذلك حقاً؟ خصوصاً في ظل الخلافات السياسية بين أكبر دولتين في المجموعة: تركيا ومصر.
وبينما شاع الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ قمة كوالالمبور 2019 ستكون بديلاً لمنظمة التعاون الإسلامي، فقد خرج مستشار رئيس حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا ياسين أقطاي، بمقالٍ يؤكد فيه أنّها «قمّة مصغرة» وليست بديلاً عن منظمة التعاون الإسلامي، وأنّ الانضمام لهذه القمّة ليس حكراً على الدول الخمس المؤسسة.
فهل تكون قمة كوالالمبور بديلاً لمجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية، باعتبار أنّ الاعضاء المؤسسين ليست بينهم عداوات سياسية كالتي بين تركيا ومصر على سبيل المثال؟
.
المصدر/ arabicpost
حققت ولاية أنطاليا، عاصمة السياحة التركية المطلة على البحر المتوسط، نجاحًا ملحوظًا في استقطاب السياح،…
أعلنت وزارة الداخلية التركية عن إقالة رئيس بلدية أسنيورت بإسطنبول، أحمد أوزار، المنتمي لحزب…
أعلن الجيش الأميركي عن وفاة جندي كان في حالة حرجة بعد إصابته خلال مهمة غير…
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الثلاثاء، على ضرورة مواصلة الجهود في العالم التركي…
انطلقت في إسطنبول أمس فعاليات "ملتقى الأعمال السعودي- التركي"، الذي ينظمه اتحاد الغرف السعودية بالتعاون…
في عملية لمكافحة الدعارة نظمتها الشرطة في كوتاهيا، استهدفت 12 موقعًا، من بينها 3 صالات…
هذا الموقع يستعمل ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربة استخدامك.
عرض التعليقات
ان جميع شعوب الدول العربيه والإسلامي تكن كل احترام وحب وتقدير للمجموعة الجديده ومؤسيسيها، وبعضهم يخفي تأييده وحبه للمجموعه خوفا من الدعاية المناهضه من دول الغرب المارقه وبعض الحكومات المؤيد للغرب حفاظا على مصالحها السياسية والاقتصادية،
والله نسأل مخلصين ان يحقق الوحدة الاسلاميه التي سعى إليها قائدنا وامامنا الأول محمد رسول الله ص
وبالله التوفيق