عندما تشعر بالضيق، تلجأ الشابة الصينية روبين إلى “صديقها” الافتراضي الذي تدفع له حوالي 150 دولارا في الشهر لتسرّ إليه بمكنوناتها… فطالبة الطب هذه واحدة من صينيات كثيرات يردن التركيز على مسيرتهن المهنية من دون التغاضي عن حاجاتهن العاطفية.
لا مواعيد غرامية ساخنة في الأفق… فهي لن تلتقي يوما هذا “الصديق” البشري بل تكتفي بالاتصال به في الصباح لتتمنى له يوما طيبا كما أنه تبعث له برسائل التشجيع وتتبادل الأحاديث معه عبر الفيديو. وتوضح روبين وهو اسمها المستعار أنه “إذا ما كان أحدهم مستعدا لتمضية وقت بصحبتي والتحادث معي، فلا يزعجني أن أنفق القليل من المال”.
ويمكن “استئجار” هؤلاء العشاق الافتراضيين عبر تطبيق المراسلة “ويتشات” أو موقع التجارة الإلكترونية “تاوباو”.
ويصف عدد من هؤلاء “العشاق بالأجرة” على الهواتف الذكية لوكالة فرانس برس مواصفات الزبونة العادية بأنها شابة عزباء في العشرينيات من العمر ومن ذوي الدخل المرتفع.
يعمل شو جوانسون (22 عاما) وكيلا ماليا في النهار، أما في الليل فيتعين عليه إدارة نوع آخر من العمليات إذ إنه يراقب باستمرار هاتفه الذكي ليجري محادثات عدة مع الفتيات اللواتي يؤدي هو دور “صديقهن”.
تحويل العواطف إلى مال
بعض هؤلاء النسوة لا يردن أكثر من شخص يسدي لهن النصائح أو يبحن له بما في القلب، فيما أخريات يبحثن عن الحب، لكن العذري من دون أي احتكاك فعلي.
ويقول الشاب لوكالة فرانس برس: “عندما أتحدث معهن، أكون غارقا بقوة في دوري. وأبحث عن إرضائهن بأكبر قدر ممكن. لكن حالما ينتهي الحديث، أنتقل إلى عمل آخر”.
الحافز لدى هؤلاء مالي بصورة أساسية. وتتفاوت الأسعار بصورة كبيرة تبعا للخدمة المقدمة، إذ يكلف التحدث لنصف ساعة عبر الرسائل النصية حفنة من اليوانات، ليصل السعر إلى الآلاف من اليوانات في مقابل تبادل الاتصالات الهاتفية على مدى شهر.
ويقول الأستاذ في جامعة نانكين (شرقا) كريس ك. ك. إن “الناس نجحوا في إيجاد طريقة لتحويل العواطف إلى مصدر للمال”. ويلفت تان الذي لطالما درس هذه الظاهرة إلى أن “هذه طريقة جديدة لتعزيز هوية النساء، وهو أمر غير مسبوق في الصين”.
وقد كان العيش بحرية من دون حب وضعا غير شائع حتى فترة قريبة خلت في المجتمع الصيني الذي يركز على مبادئ الحشمة.
وتذكّر ساندي تو وهي عالمة اجتماع في جامعة هونغ كونغ بأنه كما الحال في مناطق أخرى من العالم، فإنه لطالما كان الزواج واجبا اجتماعيا أكثر منه تتويجا لعلاقة حب.
غير أن سياسة الطفل الواحد التي بدأ تطبيقها في 1979 أوجدت “جيلا من النساء الواثقات من أنفسهن والمقتدرات ماليا”، بحسب تان.
وتوضح روزان لايك مؤلفة كتاب عن النساء العازبات أن الأهل “منحوا فتياتهم تربية مشابهة لتلك المعطاة للفتيان” وتقوم على تنمية القدرات العلمية والدفع نحو الطموح والنجاح.
وتقر ليزا وهي شابة من الكوادر العليا في الثامنة والعشرين من العمر تقيم في شنغهاي، بأنها لجأت إلى خدمات أصدقاء افتراضيين تتبادل معهم الرسائل النصية.
“وهم” الحب
وتقول هذه الشابة التي تتحفظ عن كشف اسمها الحقيقي: “بطبيعة الحال، كانت ثمة مشاعر حب لأني كنت أوهم نفسي بوجود شخص مغرم بي”. وتضيف: “في نهاية المطاف، كانت تلك خدمة أدفع ثمنها.
لم يكن لدي شعور بالذنب خلافا لما كان ليحصل في حال العلاقة مع حبيب حقيقي”، في حال حصول مشكلات عاطفية.
ويسجل تطور كبير في قطاع الخدمات في الصين يطال شتى القطاعات، وهو ما ترافق مع تبدل في السلوكيات.
وفي التقرير الصادر في 2018 عن المنتدى الاقتصادي العالمي بشأن الهوة بين الرجال والنساء، تحتل الصين المرتبة الثالثة بعد المئة من أصل 149.
كذلك تحتل البلاد المركز السادس والثمانين لناحية الاقتصاد وفرص تحقيق النجاح المهني للنساء.
وبموازاة توسع حيّز الاستقلالية المالية، يسجل منحى متنام لدى النساء بالزواج في سن متأخرة. وقد سجلت نسبة الزيجات تراجعا في السنوات الخمس الأخيرة إذ بلغت العام الماضي 7.2 زيجة لكل ألف نسمة.
ورغم تحسن ظروفهن المعيشية، لا تزال شابات كثيرات يعشن حياة تتسم بالعزلة وفق تان. وقد أمضت أكثرية هؤلاء الفتيات فترة المراهقة في الدراسة استعدادا لخوض امتحانات الدخول إلى الجامعات والتي تتسم بتنافسية كبيرة، من دون تنمية أنفسهن عاطفيا. لكن تواجه هؤلاء الفتيات ضغطا اجتماعيا قويا في حال بلوغ سن السادسة والعشرين من دون الزواج.
ويقول الأستاذ الجامعي تان إن استئجار صديق افتراضي “وسيلة لكي يكتشفن العلاقات الغرامية” التي يمنعهن ضيق الوقت بفعل الانشغال بالتقدم المهني من اكتشافها مع “صديق حقيقي” على أرض الواقع.
.
المصدر/arabi21