وينبغي القول إن مشاركة لفيف من أبرز رواد الفكر في العالم الإسلامي أضفت أهمية خاصة على هذه القمة. وإن كان تراجع باكستان وإندونيسيا عن المشاركة بعدما أعلنتا أنهما ستمثلان في القمة على أعلى مستوى بضغط من السعودية يعتبر واحدا من أبرز الأحداث التي شهدتها القمة، فإن هذا التطور الذي يحدث بمشاركة مجموعة من المثقفين وقادة الرأي أوجد حالة من الاتفاق حول الآراء العامة المتعلقة بالظروف التي يعيشها العالم الإسلامي.
ولقد صاغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الفكرة الأساسية للقمة من خلال طرح سؤال حول كيف يمكن للمسلمين في عالم اليوم أن يتخلفوا إلى هذه الدرجة بالرغم من كل الإمكانيات والثروات والمميزات الثقافية والجغرافية التي يتمتعون بها. وللأسف لم يخرج علينا على هذا المستوى من يبحث عن إجابة لهذا السؤال المصيري الذي يشغل العالم الإسلامي منذ القرن التاسع عشر. ومع وجود عدة أسباب، فإن السبب الأبرز لهذه الحالة متعلق باستقلال العالم الإسلامي الذي تعرض لشتى صنوف الاستعمار عقب الحرب العالمية الأولى، ولم يسمح لأحد فيه بالبحث عن إجابة لهذا السؤال، بل على العكس تماما؛ إذ شُكلت كل الأنظمة السياسية على أساس استمرار هذه الحالة المزرية التي يعيشها المسلمون.
بيد أن من يأسر العالم الإسلامي اليوم هم حكّامه أكثر من الدول المستعمرة ذاتها. ولأن المسلمين عاجزين عن الاتحاد فيما بينهم بالرغم من تشكيلهم نحو ربع سكان العالم، فإنهم لا يمثلون سوى عُشر الثقل الاقتصادي في العالم، وأما بالنسبة لتوازنات القوة السياسية فهم لا يحوزون إلا على ما هو أقل من 1/50 من هذه القوة. وكما لفت الرئيس أردوغان في كلمته، فإن الفارق في الدخل بين أغنى الدول الإسلامية وأفقرها يتخطى حاجز المائتي ضعف. وبالرغم من أن 59% من احتياطيات النفط و58% من احتياطات الغاز الطبيعي حول العالم موجودة في البلدان الإسلامية، فإن هناك 350 مليون مسلم يكافحون من أجل العيش في ظل ظروف الفقر المدقع.
وبالرغم من أن المسلمين يمثلون ربع سكان العالم، إلا أن نصيبهم من الأموال المنفقة في قطاع الصحة العالمي لا يتعدى 4%. وفي الوقت الذي تبلغ فيه معدل الإلمام بالقراءة والكتابة حول العالم 82.5% فإن هذه النسبة تنخفض في البلدان الإسلامية إلى نحو 70%.
يشكل المسلمون ما نسبته 94% من إجمالي من يلقون حتفهم في الصراعات الدائرة حول العالم حاليا، ذلك أن الدول الإسلامية تشتري ثلث الأسلحة التي تباع حول العالم، وهي – عادة – ما تستخدم هذه الأسلحة ضد بعضها البعض.
إن كل هذه الأسئلة ترسم ملامح صورة تخلف العالم الإسلامي اليوم، وهي الصورة التي لا لم يعد يتسبب في ظهورها غير المسلمين، بل المسلمون أنفسهم بأنظمتهم وحكامهم. وإن السعودية وإمارات وإيران تتحمل المسؤولية الأساسية لمشكلة الهجرة واللجوء التي تعتبر واحدة من أكبر المشاكل التي يعاني بسببها العالم الإسلامي اليوم. وإذا نظرتم إلى المناطق التي ينزح عنها سكانها في العالم الإسلامي والأسباب التي تدفعهم للنزوح فسترون هذه الدول الثلاث متورطة في ذلك بشكل أساسي، كما نرى هذه الدول الثلاث في الصفوف الأولى عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل انعدام استقرار الدول الإسلامية وغياب حرية الفكر والتعبير بها وانتهاك أبسط حقوق الإنسان بشكل ممنهج. ولهذا ليست هناك حاجة للبحث عمن يتحمل مسؤولية كل هذه الأمور خارج حدود العالم الإسلامي.
يجب أن نحاول أن نبحث عن حلول لهذه المشاكل على كل المستويات، لكن علينا أولا أن نتقبّلها كمشاكل. وعندما يكون هناك بيئة للتحاور بين الدول التي تتقبل هذه المشاكل، فإنه ينبغي أن تكون أولوية هذه البيئة هي الرد بإخلاص على التساؤل الدائر حول سبب الحالة المزرية التي يعيشها العالم الإسلامي.
لقد بدأت قمة كوالالمبور كواحدة من هذه المبادرات المخلصة. وعندما لبّت تركيا بكل إخلاص الدعوة لهذه المبادرة التي جاءت من ماليزيا فإنها لم تفكر أبدا في أن يكون ذلك ضد أي دولة أخرى، بل على العكس من ذلك؛ إذ عندما بدأت هذه المبادرة قبل 5 سنوات لم تعتبر تركيا هذه المبادرة محاولة للبحث عن بديل لها في حين كانت ترأس الفترة في منظمة التعاون الإسلامي، بل شاركت بالقمة. وإن الإخلاص يتطلب أن يكون المرء متواضعا. ولا يمكن أن تتضرر مكانة أحد بتلبية أي دعوة من دعاوى الخير. وأما من يتكبرون على مثل هذه المبادرات فإنهم يخسرون مكانتهم أمام التاريخ والأمة الإسلامية.
وكانت السعودية قد دعيت للمشاركة في قمة كوالالمبور، إلا أنها بدلا من أن تلبي الدعوة فإنهم بذلت كل ما بوسعها من جهود دبلوماسية استثنائية من أجل إحباط القمة، لتكتب صفحة جديدة للعبرة والعظة في كتاب التاريخ. ولو كانت قد بذلت هذا الجهد السلبي ضد الهند لكانت مشكلة كشمير قد حلت، ولو بذلته ضد إسرائيل لكانت مشكلة فلسطين قد حلت، ولو بذلته ضد ميانمار لكانت مشكلة أراكان قد حلت.
ولقد هددت السعودية كلا من باكستان وإندونيسيا لمنعهما من حضور القمة من أجل إفشالها بعدما اعتبرتها محاولة لإيجاد بديل لمنظمة التعاون الإسلامي الذي ترأس فترتها الحالية. فما الذي كسبته الرياض إذن من وراء إقناع باكستان وإندونيسيا بالامتناع عن حضور القمة؟
أولم تثبت السعودية بهذه الطريقة أن هناك حاجة للبحث عن بديل لها؟ أولم تجعل البحث عن بديل كهذا أمر محقّ فتكون قد أسرعت من وتيرته؟ أتدرك السعودية المشاكل التي يعرفها المسلمون وتناولها المشاركون في القمة؟ وهل لديها حلول لهذه المشاكل؟ هل لديها أي خطة أو برنامج من أجل الاتحاد والتضامن داخل العالم الإسلامي بشكل يتناسب مع ادعائها بالزعامة التي تتشدق بها؟ أم أنها تستغل ادعاء الزعامة هذا داخل العالم الإسلامي من خلال هذا النوع من المؤامرات والتحزبات وحالات الاستقطاب بين أبناء الأمة؟ ولا ريب في أنه لا مفر من طرح هذه الأسئلة بصوت أعلى من الآن فصاعدا.
.