شاب مسلم أتى مندفعا إلى مجلس أحد العلماء وعلى وجهه سمات الغضب والاستغراب، ليسأله الشيخ عن حاجته التي كانت هجوما على فعل، قال هذا الشاب إن “النبي صلى الله عليه وسلم فعله”.
الشاب سأل الشيخَ “أتفهم أن النبي عليه الصلاة والسلام له صفات وميزات ليست كصفات وميزات بقية البشر، وأتفهم أن بعض العلماء قالوا بطهارة بول النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن أن يصل الأمر بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن يفعل فعلة منكرة غير مقبولة إنسانيا فهذا أمر لا يمكن تفهمه”.
هنا، استغرب الشيخ وسأل ذاك الشابَ عن هذه الفعلة المنكرة التي يتهم حضرة النبي عليه الصلاة والسلام! وعن دليله على ما يقول.
فقال الشاب “حتى لو كان بول النبي عليه الصلاة والسلام طاهرا، فهل يصح منه أن يبول على طفل رضيع من أبناء الصحابة؟!”.
استغرب الشيخ أكثر وأكثر قائلا “ما تقول يا هذا؟! وأين دليلك على هذه القصة؟!”، ليجيب الشاب أن “الحديث وارد في كتاب صحيح البخاري”.
طلب الشيخ من الشاب أن يأتي بالكتاب والحديث، وبالفعل أتى الشاب بالكتاب وفتح على صفحة الحديث الموجود فعلا.
قرأ الشيخ الحديث الذي يقول “عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، أَنَّهَا “أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ” (البخاري 223).
ثم قال للشاب “يا بني حتى لو كان بول النبي مسكا وماء ورد، حاشاه عليه الصلاة والسلام أن يقوم بهذه الفعلة… يا بني عليك بالعلم والتعلم والتفقه قبل الاتهام وقبل الخوض في ما تجهله وما لا يعنيك… عليك تعلم اللغة العربية وقواعدها وعوائد الضمائر المتصلة وما إلى غير ذلك”.
وتابع موضحا “يا بني، الطفل هو الذي بال بحضن النبي عليه الصلاة والسلام، وليس العكس، والنبي صلى الله عليه وسلم نضح ثوبه من أثر البول ولم ينضح الطفلَ!”.
جهل هذا الشاب بعلم الحديث واللغة العربية، وحتى عدم قوة إيمانه بالمستوى العالي لأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، جعله يقع بهذا الخطأ الفادح وهذا الشك بالنبي صلى الله عليه وسلم وسنته وبالبخاري وكتابه.
لو كان هذا الشاب عالما حقيقية بما يجب أن يعلمه، لما وقع بهذا الخطأ وهذا الشك وهذا الافتراء.
الخلاصة من هذه الحادثة أن الجهل بالأمور والأحداث والوقائع والمجريات، يؤدي بصاحبه للمهالك ولاتهام الآخرين والأحداث بالظلم والباطل والخطأ.. الجهل أوصل هذا الشاب للشك بأعظم مخلوق هو نبينا عليه الصلاة والسلام، فكيف سيكون حال من ينهشه الجهل اليوم تجاه أمته وشعبه ودينه ووطنه ومحبه وصديقه وشيخه ورئيسه ومسؤول عمله؟!
علينا قبل الخوض بأي أمر مهما كان صغيرا أو عظيما أن نتعرف على مجرياته وكل متعلقاته قبل الخوض مع الخائضين، وقبل رمي الاتهامات بالباطل والجهل وعدم الإدراك.
حالنا اليوم ما هو إلا نتيجة للجهل المستشري بين نسبة كبيرة من أبناء أمتنا، جهل لا يرينا الباطل حقا فحسب، بل يجعلنا نحول الحق إلى باطل… ويجعلنا نبول على أنفسنا مصائب وأخطاء وكوارث تدمر حاضرنا ومستقبلنا.
أغلب مشاكلنا بسبب الخيانة النابعة من الجهل بحقيقة من يعمل لصالحنا.
أغلب مشاكلنا بسبب الشك النابع من الجهل بمعدن من نتعامل معه.
أغلب مشاكلنا بسبب الافتراء النابع من الجهل بحقوقنا وحقوق غيرنا.
أغلب مشكلنا بسبب التخوين النابع من الجهل بصدق الصادقين وإخلاص المخلصين.
أغلب مشاكلنا بسبب العبودية النابعة من الجهل بعمالة من يقود بعضا من أمتنا.
لقد نهانا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن الظن، فقال تعالى :”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ”.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ :”إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ”.
وقال تعالى :”وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ”.
قال ابن كثير رحمه الله :”قَالَ قَتَادَةُ: لَا تَقُلْ : رَأَيْتُ ، وَلَمْ تَرَ، وَسَمِعْتُ ، وَلَمْ تُسْمِعْ ، وَعَلِمْتُ ، وَلَمْ تَعْلَمْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُكَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ”.
فلنكن على معرفة وإدراك قبل الخوض بأي أمر عن جهل يوصلنا إلى مصيبة، كما أوصل ذاك الشاب أن يشك بأخلاق سيد الأخلاق عليه الصلاة والسلام صاحب وسام “وإنك لعلى خلق عظيم”.
حمزة تكين- صحفي تركي