“دول إسلامية تسابِق الدول الغربية في عرقلة نهوض العالم الإسلامي بما تملكه من إمكانيات”، عبارة لخص فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بمرارة، المستوى الذي وصلت إليه أنظمة بعض الدول العربية والإسلامية، في تنفيذ مهمة غريبة عن مصالح شعوبها وتطلعاتها في التنمية والازدهار وتوحيد جهودها لتحقيق هذا الغرض.
يأتي تصريح أردوغان بعد أيام من قمة كوالالمبور الإسلامية، التي بدا واضحاً أن دولاً عربية مارست ضغوطاً وأعمال ابتزاز بهدف إفشالها، ما أدى إلى تغيُّب باكستان وإندونيسيا اللتين كان من المقرر مشاركتهما في القمة بصورة مؤثرة.
تلك المهمة التي تنفذها أنظمة بعض الدول، وعلى رأسها السعودية ومحورها المكوَّن أيضاً من الإمارات ومصر، لا تنعكس فقط في ميلها الشديد إلى تجنب التعاون والتنسيق مع جميع الدول الكبيرة والمؤثرة وفي مقدمتها تركيا، بل تذهب بعيداً إلى حد معاداتها وشن حرب سياسية وإعلامية ضدها، وتشويهها لدى الرأي العام العالمي، لكن مع التركيز أكثر على الرأي العام العربي، فما أركان هذه الحرب في الإعلام العربي؟ وما أسبابها؟
تقوم الدعاية السوداء ضد تركيا على بناء صورة ذهنية عن تركيا وترسيخها كدولة وليس كحكومة فحسب، بوصفها ذات مطامع خاصة بالهيمنة على الدول العربية واستلاب قرارها، وتصوير أدوارها الإقليمية ومواقفها المبدئية باعتبارها “احتلالاً”، بالتوازي مع بعث الروح في مقولات بائدة عن الدولة العثمانية.
تقوم الدعاية السوداء ضد تركيا على بناء صورة ذهنية عن تركيا وترسيخها كدولة وليس كحكومة فحسب بوصفها ذات مطامع خاصة بالهيمنة على الدول العربية واستلاب قرارها.
ولتنفيذ هذه الاستراتيجية، بذلت أنظمة دول المحور السعودي جهوداً كبرى في أربع مجالات تحديداً وأنفقت فيها الكثير من المال، وهذه المجالات تشمل السياسة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والإنتاج الفني.
أركان الدعاية السوداء
فسياسياً، عملت هذه الأنظمة على استنهاض المشاعر القومية كعنصر رافض لتركيا ولأدوارها باعتبارها دولة غريبة عن المنطقة العربية، وتساق في هذا الصدد مقولات متناقضة، فتارة تصور تركيا كحليفة للناتو وإسرائيل وأمريكا، وبالتالي يغدو الحديث عن دورها امتداداً للحديث عن الدور الغربي التخريبي في المنطقة، وتارة تُصوَّر على النقيض من ذلك، كحليفة لإيران وللمشروع الفارسي الصفوي، وشريكة لروسيا في جرائمها في سوريا.
وإعلامياً، استخدمت أنظمة المحور السعودي إمبراطورياتها الإعلامية المؤلفة من عشرات القنوات والصحف والإذاعات التابعة لها. وعلى سبيل المثال، يمكن لمن يتصفح موقع قناة “سكاي نيوز” الإماراتية أن يذهل عندما يلاحظ أنه في بعض الأحيان تشكل تركيا محور ما يزيد عن نصف الأخبار والمواد الظاهرة في الصفحة الرئيسية، وجميعها تقريباً صيغت بأسلوب يهدف إلى تشويه الحقائق وترويج الأكاذيب.
التقييم نفسُه ينطبق على قناة “العربية” السعودية التي لم تتردد قبل أسابيع قليلة في اللجوء إلى التزوير الصريح بهذا الصدد، وذلك في خبر نشرته عن تصريحات لوزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، عبّر فيه عن شكر تركيا لقطر في دعمها السياسي لبلاده في عملية “نبع السلام”، لتقوم “العربية” السعودية بوضع كلمة “الدعم العسكري” على لسان الوزير، ضاربة عرض الحائط بكل المعايير المهنية للصحافة.
أبرز ملامح الحملة الممنهجة ضد تركيا هو الضخ الإعلامي الكبير عبر توجيه جميع وسائل الإعلام التي تملكها بعض الأنظمة لتشويه سمعة تركيا ومنع الناس من القدوم إليها بحجة عدم وجود الأمان.
أما على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أنشئت صحف وحسابات مزيفة تابعة لما يسمى بـ”الذباب الإلكتروني”، تخصص بعضها في إعادة نشر فيديوهات قديمة من مناطق مختلفة من العالم تحتوي على معاملة عنيفة وما شابه ذلك، ومنحها إحداثيات متعلقة بتركيا وتصوير الفيديوهات على أنها إساءة معاملة للاجئين السوريين في تركيا، لتصوير الشعب التركي بأقبح صورة ممكنة، وذلك في رسالة مفادها أن مشكلة هذه الأنظمة ليست مع الحكومة التركية فحسب، بل مع تركيا ككيان وكدولة وكمجتمع.
فنياً، فقد عمدت أنظمة المحور السعودي أولاً إلى مقاطعة المسلسلات التركية التي كان لها دور كبير في تعرُّف الشعوب العربية لطبيعة المجتمع التركي وشكلت جسراً ثقافياً لا يستهان به بين الشعوب. ثم لم تكتفِ هذه الأنظمة بتدمير هذا الجسر، بل ذهب إلى إنتاج مسلسلات مضادة، تسعى لإعادة كتابة التاريخ بصورة مشوهة، وأحدث الأمثلة على ذلك مسلسل “ممالك النار” الذي تشاركت في إنتاجه كل من السعودية والإمارات ومصر.
فشلٌ في التشويه
وحسب الإعلامي والكاتب الصحفي نورس العرفي، فإن “أبرز ملامح الحملة الممنهجة ضد تركيا هو الضخ الإعلامي الكبير عبر توجيه جميع وسائل الإعلام التي تملكها بعض الأنظمة لتشويه سمعة تركيا ومنع الناس من القدوم إليها بحجة عدم وجود الأمان”.
ويرى العرفي أن “تشويه صورة تركيا يجري على كل الأصعدة وبكل الوسائل، ابتداء من صورة الحكومة ورئيس البلاد رجب طيب أردوغان، وصولاً إلى عامة وضع البلد بتصويرها على أنها وجهة غير صالحة للسياحة، بحيث تثني هذه الأنظمة رعاياها عن القدوم إلى تركيا”.
ويلفت الإعلامي والكاتب الصحفي ، إلى أنه من الوسائل المتبعة في تشويه صورة تركيا في الرأي العام العربي “الاستناد إلى التدليس والأكاذيب والأمور المغلوطة”.
وعلى الرغم من ذلك، يعتقد العرفي أن أنظمة المحور السعودي “لم تنجح بتشويه سمعة تركيا على الرغم من كل هذه الجهود، لأن الشعوب العربية تعلم جيداً حقيقة الوضع في تركيا، وعدم صحة الشائعات المتعلقة بالأمان والسياحة والديمقراطية والحريات في البلاد، وأنها محض افتراء”.
دوافع العداء
توجد أسباب يمكن وصفها بالقريبة والمباشرة لاتخاذ بعض الأنظمة العربية موقفاً حادّاً ومعادياً من تركيا إلى هذه الدرجة، وليس خافياً أن علاقة الأخيرة بهذه الأنظمة لم تكن على ما يرام منذ سنوات، فالنظام المصري يعادي تركيا لأنها رفضت ولا تزال الانخراط في دعم الانقلاب الذي جاء بالرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عبر تقويض المسار الديمقراطي والإطاحة بالرئيس المنتخب آنذاك محمد مرسي.
النظام المصري يعادي تركيا لأنها رفضت ولا تزال الانخراط في دعم الانقلاب الذي جاء بالرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عبر تقويض المسار الديمقراطي والإطاحة بالرئيس المنتخب آنذاك محمد مرسي.
أما السعودية، فبدأت اتخاذ مواقف سلبية من تركيا بعد دعم الأخيرة مبادرات المصالحة الخليجية وعدم رضاها بحصار قطر، وصولاً إلى موقفها المبدئي من فاجعة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول وسعيها لتحقيق العدالة في هذه الجريمة.
وكذلك الإمارات، التي اتخذت على الدوام موقفاً مناوئاً من تركيا بسبب -إضافة إلى جميع ما سبق- دعم تركيا الصريح لثورات الربيع العربي وتطلعات الشعوب العربية التواقة إلى الحرية والديمقراطية، وهو ما سعت الإمارات -ولا تزال تسعى بمثابرة وإصرار ورصد تمويل ضخم- إلى إحباطه.
في الحقيقة، لا تقوم معاداة هذه الأنظمة لتركيا على أسس تستحق فعلاً المغامرة بشن حرب دعائية وإعلامية على دولة بهذا الحجم والموقع الجيوبوليتيكي الحساس، ويبدو أن منطلقات الحملة غير وطنية أساساً. من بين هذه الأنظمة من وصلت إلى السلطة بطرق غير مشروعة أو مشكوك فيها، ومنها من تتعرّض لحملة معارضة داخلياً وخارجياً، بالإضافة إلى أنظمة أخرى لها سجلّ حافل بانتهاكات حقوق الإنسان.
يرى الإعلامي والكاتب نورس العرفي، أن الحملة التي تجري الآن لتشويه سمعة تركيا تنبع بالأساس من الولايات المتحدة ودول أوروبية أيضاً، وذلك لأنها تخاف من عودة تركيا إلى دورها الكبير الذي كانت تتمتع به في عهد الدولة العثمانية.
وأضاف العرفي أن تلك الدول “تخاف من التطور السريع الذي يحصل في تركيا على كل المستويات، وأهمها المستوى الاقتصادي والسياسي، لذلك تدفع الدول الغربية الأنظمة العربية الموالية لها إلى الانخراط في حملة ممنهجة ضد تركيا”.
ويشدد العرفي على أن “الأنظمة العربية التي تمارس تلك الحملة هي عبارة عن أنظمة تتلقى أوامر من الغرب، وتقوم بتنفيذها، فهي أنظمة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالدول الغربية وتنفذ ما يُطلب منها”.
قيادة العالم الإسلامي
لا شك أن تركيا والسعودية تمثلان نموذجين مختلفين في الحكم والإدارة وعلاقة الدين بالدولة، وهذا شيء تاريخي يندرج في إطاره الخلاف التاريخي وحالة الانطباعات السلبية بين الطرفين منذ تأسيس الدولة السعودية وعلاقتها بالدولة العثمانية، حسب الدكتور سعيد الحاج، الباحث والمحلل السياسي المختص بالشأن التركي.
ويرى الحاج أن الخلاف بين البلدين متعلق أيضاً بحالة التنافس في العالم العربي والمنطقة، بالإضافة إلى مسألة الريادة في العالم الإسلامي، سواء على المستوى الرسمي في قيادة منظمة التعاون الإسلامي أو في الأدوار التي يلعبها الطرفان في المنطقة والعالم”.
هذا الافتراق في السياسات الخاصة بالعالم الإسلامي التي تحدث عنها الحاج، يتمظهر أيضاً في المواقف الشجاعة التي اتخذتها تركيا تجاه القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، في وقت تسعى السعودية ومحورها العربي للتطبيع مع إسرائيل. بدا هذا واضحاً، حسب الحاج، خلال ترؤُّس تركيا منظمة التعاون الإسلامي بين 2016 و2019، وتحديداً في قمة إسطنبول التي انعقدت رداً على قرار ترمب بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة موحّدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، إذ لم يحضرها رؤساء عدد من الدول العربية والإسلامية المهمة.
وكذلك الأمر بالنسبة لقضية كشمير التي تواجه قمعاً غير مسبوق على يد الحكومة الهندية، في وقت يكرَّم رئيس هذه الحكومة ناريندا مودي من جانب الإمارات. وأيضاً قضية مواجهة الإسلاموفوبيا وجهود تركيا التي لم تنقطع في هذا الصدد، وآخرها فكرة إطلاق محطة تلفزيونية مشتركة مع ماليزيا وباكستان لهذا الغرض.
يوجد أيضاً موقف تركيا الداعم لثورات الربيع العربي باعتبار العالم العربي عمقاً استراتيجياً لتركيا ومن مصلحة الأخيرة أن تنعم الشعوب العربية بالتحرر والديمقراطية، ما أدخلها في مواجهة غير مباشرة مع المحور السعودي-الإماراتي الداعم للثورات المضادة.
وحسب مراقبين، فإن هذا الوضع بين تركيا من جهة والمحور السعودي من جهة أخرى، يوصَف على أنه جزء من التنافس على قيادة العالم الإسلامي، لكن من غير الممكن بحال أن نتجاهل حقيقة أن طرفاً (المحور السعودي) يريد قيادته بالمال والسطوة الدينية من دون أي جهد حقيقي لحل مشاكله والدفاع عنه وعن مستضعفيه وتطلعات شعوبه، بل يسعى بكل إمكانياته لكبتها واضطهادها، وطرف (تركيا) يريد قيادته بدعم قضاياه المحقة ومد يد المساعدة إلى الشعوب المضطهدة.
.
اندلع حريق هائل في أحد المنازل الصفيحية الكائنة بشارع 1615 في منطقة إيكين التابعة لماماك…
بعد سقوط نظام بشار الأسد، تواصل الحكومة السورية المؤقتة خطواتها لتشكيل إدارة جديدة. ورغم أن…
مع اقتراب الاجتماع الرابع والأخير للجنة تحديد الحد الأدنى للأجور في تركيا، يترقب الملايين من…
فاز اللاعب التركي الدولي، اردا جولار، نجم ريال مدريد، بجائزة أفضل لاعب شاب تحت 23…
أدلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريحات بارزة عقب اجتماع مجلس الوزراء، الذي عقد في…
أعلن رئيس فرع حزب العدالة والتنمية في إسطنبول، عثمان نوري كاباك تبه، عن انسحابه من…
هذا الموقع يستعمل ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربة استخدامك.