نشرت وكالة “دجنسير” الإيطالية تقريرا، قالت فيه إن الدعم الروسي المباشر المقدم للجنرال حفتر، في مقابل الدعم التركي لحكومة فايز السراج، يعني أن الصراع الليبي بات معقدا جدا، والدور الأوروبي سيبقى هامشيا، رغم أهمية هذه القضية لأمن ومصالح دول شمال البحر الأبيض المتوسط.
وذكر الموقع أنه منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، مثلت ليبيا مساحة جيوسياسية يتصارع فيها اللاعبون الإقليميون والقوى الدولية، الباحثة عن موقع لها في مستقبل هذا البلد، الذي يتمتع بثروات ومدخرات نفطية هائلة.
ويضيف الموقع أن الحرب الدائرة حاليا، والتي يحظى فيها حفتر بدعم روسيا ومصر والسعودية وفرنسا والإمارات، في مقابل حكومة الوفاق الوطني الذي يقودها فائز السراج، والتي تحظى باعتراف الأمم المتحدة ودعم تركيا وقطر، في وضع يؤكد مدى اتساع رقعة الأزمة الليبية، التي تجاوزت الحسابات الإقليمية.
وبتابع الموقع: “إن هذا البلد الواقع في جنوبي البحر الأبيض المتوسط، أصبح مركزا لمرور الهجرة السرية، حيث أن عشرات الآلاف من القادمين من بلدان جنوب الصحراء يسعون لعبور ليبيا، إما الغرق أو الوصول إلى أوروبا. ويتعرض هؤلاء إلى الاستغلال والتعذيب”.
ونقل الموقع عن ميكيلا مركوري، أستاذة العلوم الجيوسياسية والخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، تأكيدها أن “التدخل الروسي والتركي في رقعة الشطرنج الليبية يغير توازنات القوى في هذه الأزمة”.
وترى مركوري أن تدخل موسكو وأنقرة في الأراضي الليبية يطرح احتمالين اثنين، الأول وهو الأقل ترجيحا، هو تصاعد حدة الصراع، أما الثاني فهو الأقرب للواقع، فهو أن الدولتان تسعيان لاستعراض عضلاتهما حاليا من أجل التوصل إلى اتفاق لاقتسام ليبيا إلى دوائر نفوذ.
وتشير مركوري إلى أن ليبيا ليست إلا جزء من لعبة أكبر تدور في المنطقة، تتضمن أيضا عقد بمليارات الدولارات لبيع النظام الصاروخي “أس400” إلى تركيا، إلى جانب مشروع الأنابيب تيركش ستريم الذي سيسمح للروس بتزويد الأتراك بالغاز بشكل مباشر عبر البحر الأسود.
وبحسب أستاذة العلوم الجيوسياسية فإن “هنالك اتفاقا بين بوتين وأردوغان، ولكن يجب أن ننتظر لنرى ما هو دور الأطراف الدولية الأخرى في هذه الترتيبات”.
وأشار الموقع إلى أن إيطاليا تعتبر ليبيا ملفا استراتيجيا بالنسبة لمصالحها الطاقية وأمنها القومي، ولذلك فإن زيارة وزير الخارجية لويجي ديمايو مؤخرا إلى حفتر والسراج، هي محاولة من روما للعودة للعب دور أساسي في شمال إفريقيا.
ولكن بحسب رأي الخبيرة مركوري فإن إيطاليا تقوم بجهود دبلوماسية هامة، ولكنها متأخرة جدا. مضيفة “هي تسعى للإبقاء على قنوات الحوار مفتوحة بين السراج وحفتر، وكل الأطراف المتدخلة في هذا الصراع. كما وجه رئيس الوزراء كونتي نداء إلى بوتين والسيسي، حلفاء حفتر”.
ولكن هذه الجهود الدبلوماسية التي تأتي في وقت يشهد تصعيدا في العنف على الأرض، وتدخلا تركيا وروسيا قويا لحسم مصير هذا الملف، يعني أن الجهود الإيطالية لن تكون ذات تأثير، إلا إذا اقتنع الطرفان المتصارعان بضرورة الجلوس على طاولة المجتمع الدولي والتوصل لاتفاق.
وفي نفس السياق، تؤكد مركوري أن حل الصراع الليبي، سواء كان دبلوماسيا أو عسكريا، فإنه لن يرتبط بشكل مباشر بإيطاليا أو حتى الاتحاد الأوروبي، بل بالطرفين الأكثر تأثيرا على الأوضاع الميدانية، وهما روسيا وتركيا.
وحول دور شركة إيني النفطية الإيطالية في هذا الصراع، ترى مركوري أن “إيني كانت دائما لديها دبلوماسيتها الخاصة بها في ليبيا، حيث أنها تواصل نشاط استخراج كميات هامة من براميل النفط كل يوم، على الرغم من الخلافات والفوضى بين الميليشيات المحلية، التي تؤدي أحيانا لوقف الإنتاج”.
وتضيف “نجحت إيني في مواصلة عملها بفضل سلسلة من العلاقات والترتيبات التي أقامتها مع قبائل ليبية، وهي ترتيبات تبقى سارية المفعول على الرغم من الأزمة السياسية الداخلية”.
واستدركت بالقول “مذكرة التفاهم الموقعة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بين حكومة السراج وتركيا، والتي تضبط المنطقة الاقتصادية الخالصة، وتنص على التعاون العسكري بين الطرفين، يمكن أن تسبب مشاكل كبيرة لإيني”.
وتضيف مركوري أن الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي يسعى للتوصل لأي اتفاق من أجل نزع فتيل الأزمة، إلا أنه يواجه صعوبة لأنه خرج بشكل كامل من مسرح الأحداث في ليبيا.
وأردفت قائلة: “الآن تعمل دول الاتحاد على خلق نوع من الاستقرار في شمال إفريقيا، حفاظا على مصالحها وللتصدي للمساعي التركية، في ظل مخاوف من أن أردوغان سوف يتقدم لفرض سيطرته حتى على مناطق إنتاج الطاقة التي تستفيد منها أوروبا”.
وحول فرضية إنشاء قوة جديدة تجمع بين عناصر من قوات السراج وحفتر، للمساعدة على التوصل لحل لهذا الصراع، ترى مركوري “أن هذه الفكرة لن تنجح، رغم أنها كانت مطلوبة في الماضي. ومن الصعب جدا إنشاء قوة عسكرية تجمع بين الطرفين، لأنها سيتوجب أن تحصل على الأقل على دعم روسيا، وهو أمر صعب، والولايات المتحدة، وهي طرف لا يزال غائبا عن رقعة الشطرنج الليبية، ويفتقر لموقف واضح”.
وحول المتوقع من مؤتمر برلين المبرمج في كانون الثاني/ يناير المقبل، تقول مركوري إن “هذا الحدث سيكون ناجحا إذا تمكن الاتحاد الأوروبي من تقديم مشروع سياسي ملموس وجدي، توافق عليه روسيا وتركيا. وإذا تمكنت دول الاتحاد من إقناع هذين البلدين بالانضمام إليهما في طاولة الحوار من أجل إنتاج خارطة طريق للصراع الليبي، فإن الموقف الأوروبي سيعود موحدا وفعالا في ليبيا”.
.
المصدر/ arabi21