في الطريق إلى ليبيا

إذا ما صحت المعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام المحلية في الساعات الأخيرة فإن البرلمان التركي قد يجتمع بشكل طارىء يوم الإثنين المقبل لمناقشة طلب الحكم إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا والتصويت عليه.

إذا لم يتأكد ذلك فاجتماع المجلس النيابي سيتم بعد 10 أيام على أبعد تقدير.

إذا لم تحدث مفاجأة آخر لحظة وهي مستبعدة فإن تحالف الجمهورالذي يجمع حزبي العدالة والحركة القومية والمدعوم من قبل أحزاب صغيرة (340 من أصل 589 نائبا في البرلمان اليوم) سينجح في تمرير التذكرة ورفع عدد الدول التي توجد فيها قوات تركية إلى 14 دولة لأسباب متعددة وفي إطار قرارات وتفاهمات ثنائية أو إقليمية أو أممية.

الموضوع الليبي سيتصدر دون شك بقية مسائل الداخل التركي في العام المقبل جنبا إلى جنب مع ملفات إقليمية يتقدمها الملف السوري ومسار العلاقات التركية الأميركية والتركية الروسية.

الأقلام المقربة من العدالة والتنمية تردد أن ليبيا تحولت إلى واحدة من أهم القلاع الاستراتيجية الواجب الدفاع عنها في المتوسط بعدما تحولت المنطقة هناك إلى ساحات اصطفاف ومواجهات إقليمية. وأن التحرك العسكري التركي قد يكون استجابة لطلب حكومة الوفاق المعترف بها دولياً لكن بين أهدافه الحقيقية منع إحياء مشاريع وخطط تفتيت وتقسيم ليبيا التي فشلت في الأربعينيات والتي يريد البعض تكرار تجربتها عبر حفتر ومجموعاته. تركيا في ليبيا للاستجابة إلى طلب الحكومة الشرعية لكنها هناك أيضا للدفاع عن التفاهمات والاتفاقيات الموقعة مؤخرا بين أنقرة وطرابلس مائيا وأمنيا وعن مصالحها الإقليمية مثل غيرها من اللاعبين الكبار.

هي ليست صدفة أن يغادر الرئيس التركي تونس على عجل بعد زيارة خاطفة التقى خلالها نظيره التونسي وأن يصلها وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا، الذي عقب يقول إنه لا يعتبر المواقف التركية تدخلاً في ليبيا وإنما هناك اتفاق بين حكومة الوفاق الوطني مع أنقرة من أجل حل يخدم الاستقرار في ليبيا ويدعم الجانب الأمني والتعاون الاقتصادي. ويتحدث عن اصطفافات ومحاور تتشكل لقلب التوازنات والمعادلات التي حاول بعض الأطراف فرضها على ليبيا وشعبها.

طرابلس ترى اليوم أن حضور تونس والجزائر وقطر لمؤتمر برلين سيمكن تركيا من تعديل التوازنات الإقليمية مقابل الاصطفاف المصري الإماراتي والفرنسي الذي يتصدر المشهد في بنغازي. أنقرة تبحث عن موازنة الوضع العسكري والسياسي بين طرابلس وبنغازي أولا ثم الضغط باتجاه الذهاب نحو طاولة تفاهمات وطنية ليبية ليبية تحول دون إعطاء البعض ما يريدونه في إلزام الليبيين بالتوجه نحو مشروع تقسيم وتفتيت يتحول إلى نموذج وخريطة طريق جديدة تقدم لدول شمال إفريقيا.

أجرى الرئيس المصري اتصالات هاتفية سريعة مع الرئيسين الأميركي والروسي بهدف مواجهة المجموعات المسلحة غير الشرعية والتنظيمات الإرهابية في ليبيا ووضع حد للتدخلات الخارجية غير المشروعة. كلام جميل ومعقول جدا. لكن عندما تقول القاهرة أيضا إنه بين أهداف الحوار ردع أنقرة ومنعها من إرسال جنودها إلى طرابلس وهي من تعترف شرعيا بحكومة الوفاق لكنها تدعم حفتر عسكريا ولوجستيا في معركة تقدمه نحو العاصمة الليبية فالمسألة تختلف تماما هنا. لا أحد يناقش مثلا ما ورد في تقرير أخير للأمم المتحدة حول تسلم مجموعات حفتر طائرات مسيرة صينية الصنع منحته “التفوق الجوي المحلي”، إذ إن بمقدورها حمل متفجرات تزن ثمانية أمثال ما يمكن للطائرات المسيرة الممنوحة لحكومة الوفاق الوطني نقله. من الذي يقدم هذا الدعم ولماذا ترفض مصر التدخل التركي إلى جانب الشرعية في حين أنها هي تنحاز سياسيا وعسكريا لمجموعات خارجة عن القانون تريد إسقاط الحكومة الشرعية بقوة السلاح؟

أغضبنا قبل أيام أحد المحللين المصريين المدافعين عن وجهة نظر النظام في حوار تلفزيوني ساخن حول ليبيا وتطورات المشهد هناك فلم يتردد بالقول إن بلاده تعتبر ليبيا خطا أحمر على الأتراك فهي كانت أصلا تحت الوصاية المصرية ولن تسمح لها بالخروج عنها. المواجهة كما تريدها بعض العواصم الخليجية والغربية ستكون تركية مصرية إذاً.

تركيا في ليبيا تستعد لمرحلة تحرك طويل الأمد متعددة الأهداف والجوانب بأكثر من شق سياسي وعسكري ودبلوماسي وقانوني. يواكب ذلك الدعم الشعبي والجذور التاريخية والاجتماعية والدينية في العلاقات التركية الليبية.

البحرية التركية تعرف شرق المتوسط جيدا لأنها شاركت في عشرات المناورات البحرية مع حلفاء الأطلسي هناك. وهي تعرف أن مهمتها لن تكون سهلة في منطقة تبعد مئات الاميال عن حدودها. لكن التحرك العسكري التركي سيكون متعدد الجوانب وبمشاركة العديد من الوحدات والقطع القتالية الجوية والبرية والبحرية.

المعارضة التركية قد تصعد وقد تحذر وترفض إرسال الجنود لكنها ملزمة في النهاية بقبول دعم الحكم والوقف إلى جانبه في خيار من هذا النوع يتعلق بمصالح تركيا وحساباتها الاستراتيجية وتهديد مصالحها الإقليمية. بقدر ما يصول ويجول وزير الخارجية اليوناني في بعض العواصم العربية وتل أبيب لبناء محور مواجهة تركيا من حق أنقرة أن تذكر العواصم العربية والإسلامية التي تعد لتقسيم ليبيا عبر مجموعات قتالية مأجورة إنها ستمضي حتى النهاية في التصدي لهذا المشروع.

عواصم عربية وخليجية تراهن على توريط تركيا في المستنقع الليبي للتخلص من حكم حزب العدالة والتنمية. هي سبق وحاولت ذلك في المحاولة الانقلابية الفاشلة وبعدها في محاولة محاصرة قطر حليف تركيا الاستراتيجي ثم تريد اليوم اختبار نفسها في الملف الليبي. رهانها هو على الأموال الكثيرة والعملاء في كل مكان واعتقادها أنها تمول مشاريع إعلامية تروج لها في تركيا بمؤسسات تنفق عليها ملايين الدولارات للتأثير على الرأي العام التركي وإعادة صناعته لمعاداة السلطة السياسية في البلاد فثبت أنها فاشلة إلا في عملية القبض والارتشاء.

في الطريق إلى ليبيا تتوحد الجبهات وتتشكل الاصطفافات وبعد أيام سنبدأ سماع القول التركي المأثور يردد كثيرا: كن جاهزاً للحرب وبعدها تناقش خيارات السلم.

.

بواسطة/ د. سمير صالحة
تعليق 1
  1. فتحى الفقيه يقول

    تركيا في ليبيا تستعد لمرحلة تحرك طويل الأمد متعددة الأهداف والجوانب بأكثر من شق سياسي وعسكري ودبلوماسي وقانوني. يواكب ذلك الدعم الشعبي والجذور التاريخية والاجتماعية والدينية في العلاقات التركية الليبية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.