أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تذكير مصر واليونان وقبرص في عز الأزمة المحتدمة معها، ببأس وشجاعة خير الدين بربروس، أول قائد للأسطول البحري العثماني، رغم مرور مئات السنين على وفاته.
ومؤخرا، أحيت تركيا الذكرى 473 لوفاة أمير البحار الذي خلد اسمه بانتصاراته البحرية، وتقنياته التي ابتكرها وساهم من خلالها في وضع أسس لواحدة من الإمبراطوريات الأكثر تأثيرا في التاريخ.
وُلد خير الدين بربروس سنة 1478 في جزيرة لسبوس اليونانية، والتي كانت تخضع للحكم العثماني حينها.
كان والده جندياً في فرقة الانكشارية، وهي فرقة عسكرية من جنود المشاة عُرِفت بالقوة وشدّة البأس.
أما والدته كاتالينا فكانت مسيحية، تقول بعض المصادر إنها أرملة لقسّ نصراني.
لخير الدين بربروس 4 إخوة يكبرونه؛ إسحاق، وعرّوج، وإلياس، ومحمد، وقد نشأوا نشأة عسكرية منذ الصغر.
كان لخير الدين بربروس ولعٌ كبير بركوب البحار، فاقتنى وإخوته مراكب بحرية، وعملوا بالتجارة قبل دخولهم الميدان العسكري.
عمل الإخوة على محاربة قراصنة القديس يوحنا المتمركزين في جزيرة رودس، لكن هؤلاء قاموا بقتل إلياس وأسر عرّوج في إحدى المعارك.
استطاع عرّوج بربروس أن يفرّ لاحقاً ويلتقي بالسلطان المملوكي قنصوه الغوري، الذي كان يعدُّ العدّة لإرسال أسطول إلى الهند لمحاربة البرتغاليين.
أمر السلطان المملوكي لعرّوج بسفينة بجندها وعتادها لتحرير جزر المتوسط من الأوروبيين.
في العام 1505، استولى عرّوج وأخوه الأصغر خير الدين على 3 مراكب، ونقل عملياته إلى غرب المتوسط، وتمركز في جزيرة جربة التونسية.
نقل الأخوان بربروس الآلاف من مسلمي الأندلس إلى شمال إفريقيا بين 1504 و1510، كما حرَّرا الجزائر من الاحتلال الإسباني، فذاع صيتهما.
وسرعان ما أعلن عروج نفسه حاكماً للجزائر، وتمكَّن بقوة دولته من طرد جميع الإسبان من السواحل التي احتلوها.
انضمَّ الأخوان بربروس إلى أساطيل الدولة المملوكية في مصر، قبل أن ينضما للدولة العثمانية بعد هزيمة السلطان سليم للمماليك في معركة مرج دابق.
في ذات الوقت، هال الإسبان قوة الدولة الفتية وتوسعها، فأعدوا حملةً من 15 ألف مقاتل لقمعها، وتوغَّلوا في الجزائر وحاصروا تلمسان.
وأسر عروج مجداداً ثم قُتل في أغسطس/آب 1518، فخلفه أخوه الأصغر خير الدين بربروس وأصبح حاكماً للجزائر.
خير الدين بربروس والأندلس
ورد بمذكرات خير الدين بربروس أن السلطان سليم الأول طلب منه إنقاذ مسلمي الأندلس من محاكم التفتيش الإسبانية، التي كانت تعتمد على مبدأ التطهير العرقي في التخلص منهم.
أبحر بربروس من أقصى الشرق في تركيا إلى أقصى الغرب في الأندلس، لمحاربة الجيوش الإسبانية، والبرتغالية، والإيطالية، إلى جانب أسطول القديس يوحنا.
اخترق القائد العثماني الحصون البحرية، ودمَّر الحامية الإسبانية، ثم دخل إلى اليابسة، وخاض حرب شوارع.
راعى بربروس عدم نقل المسلمين واليهود من أقبية السجون المظلمة حتى غياب الشمس، لتجنُّب إصابتهم بالعمى، نتيجة لعدم رؤيتهم للشمس منذ سنين، كما تم نقلهم إلى السفن العثمانية، متجنّبين تعرّض جلودهم الهزيلة للتمزق أثناء الحمل.
كما تنبَّه إلى ألا تستمر العملية منذ الرسو حتى الإقلاع أكثر من 6 ساعات قبل وصول أي مدد للعدو من المدن المجاورة، وأبحر تحت جنح الظلام عائداً إلى الجزائر، فيما ظنَّ أعداؤه أنه سيقصد تركيا، فتمكَّن من خداعهم وشلِّ حركتهم وإنقاذ آلاف الأسرى المسلمين واليهود.
وتمّ نقل 70 ألف مسلم ويهودي أندلسي في أسطول من 36 سفينة، وذلك في 7 رحلات في العام 1529، توطَّنوا جميعاً في الجزائر.
مناوشاته البحرية مع الإسبان
بعد وفاة السلطان سليم الأول، اتبع السلطان سليمان القانوني سياسات والده بمدِّ بربروس بالسلاح والرجال.
واستدعاه إلى إسطنبول، وعهد إليه بإعادة تنظيم الأسطول والإشراف على بناء سفن جديدة، ووكل إليه مهمة ضمِّ تونس (تحكمها الدولة الحفصية) إلى الدولة العثمانية، لأهمية موقعها.
غادر بربروس بأسطول من سفينة و8 آلاف جندي باتجاه تونس، ونجح في الاستيلاء عليها، وأعلن تبعيّتها للدولة العثمانية في العام 1534.
عندها أعد الملك الإسباني شارل الخامس، الذي آذاه ما فعله بربروس في الأندلس، جيشاً جراراً للاستيلاء على تونس، وفعلاً تمكن من الاستيلاء عليها بالعام نفسه.
وبينما كان الإسبان يحتفلون بانتزاع تونس من العثمانيين، وصلتهم أنباء غارة مفاجئة شنَّها بربروس على جزر البليار في البحر المتوسط، أسر خلالها 6 آلاف من الإسبان وعاد بهم إلى الجزائر.
تكريم العثمانيين لخير الدين بربروس
كافأ السلطان سليمان القانوني بربروس على جهوده، بتعيينه قائداً للأسطول العثماني، وعيَّن ابنه حسن باشا والياً للجزائر.
شنَّ بربروس عدة حملات بحرية موفَّقة، كانت معركة «بروزة» أشهرها وأعظمها، حيث لبّى الأوروبيون نداء بابا روما، مكوّنين أسطولاً ضخماً من 600 سفينة، تحمل قرابة 60 ألف جندي، بقيادة القائد أندريا دوريا.
أما الأسطول العثماني، فقد تألَّفت قواته من 122 سفينة، تحمل 22 ألف جندي.
التقى الأسطولان في «بروزة» في البحر المتوسط، يوم 29 سبتمبر/أيلول 1538، وقام بربروس بمفاجأة خَصمه قبل أن يتأهب للقتال، ما أدى إلى تفرق سفن العدو من هول الصدمة.
هروب قائد القوات الأوروبية من ميدان المعركة التي استمرت 5 ساعات فقط، وانتصر العثمانيون.
وفي إثر هذا النصر أُقيمت الاحتفالات في جميع أنحاء الدولة العثمانية بأمر من السلطان سليمان.
التحالف التركي – الفرنسي
كانت العلاقة بين ملك فرنسا فرانسوا الأول والسلطان سليمان القانوني جيدة، إلى درجة أن فرانسوا طلب مساعدة العثمانيين في حربه مع ملك إسبانيا شارل الخامس.
كلّف السلطان قائدَه بربروس بالاتجاه بأسطوله نحو فرنسا، فغادر إسطنبول في 28 مايو/أيار 1543، واستولى في طريقه على مدينتي مسينة التابعة لصقلية وريجيو» الإيطالية، وعند وصوله إلى ميناء طولون (قاعدة بحرية فرنسية في البحر المتوسط) رُفعت الأعلام العثمانية على السفينة الفرنسية المستقبلة لهم، وأطلقت المدافع تحية للعثمانيين.
اتَّحد الأسطول الفرنسي المكون من 44 سفينة مع الأسطول العثماني تحت قيادة بربروس، وتحرك الأسطولان المتّحدان إلى ميناء نيس الفرنسي، ونجحا في استعادته في 22 أغسطس/آب 1543.
وبعد هذا النصر، عقدت معاهدة بين الدولتين، تنازلت فيها فرنسا عن ميناء طولون برضاها للإدارة العثمانية، وتم إخلاؤها من جميع سكانها بأمر من الحكومة الفرنسية، ورُفع عليها العلم العثماني.
وفاة خير الدين بربروس في اسطنبول
بعد نصر بربروس في فرنسا، قام بشنِّ العديد من الحملات البحرية الناجحة على سواحل إسبانيا وإيطاليا، عاد بعدها منتصراً إلى إسطنبول، لكن سرعان ما توفي في قصره المطلّ على البوسفور، في 4 يوليو/تموز 1546.
لا تزال ذكرى خير الدين بربروس حاضرةً في الأذهان إلى يومنا هذا، حتى إن الهولنديين أقاموا له تمثالاً على قمة مبنى بلدية مدينة ليدن، تكريماً لحمايته لهم ضد الإسبان.
يحتفي الأتراك حتى اليوم بذكرى خير الدين بربروسا، حيث يطلق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية في منطقة بيشكتاش باسطنبول.
ويقع قبره وعددٍ من كبار مساعديه في حديقة صغيرة تقع في نهاية الطريق المطل على البحر، كما يقع المتحف البحري العثماني في نفس المنطقة التي تضم أيضاً تمثالاً كبيراً لخير الدين بربروس.
إلى جانب ذلك، لا تزال الفرقة الموسيقية العسكرية العثمانية تغني مارش بربروسا العسكري حتى اليوم، والذي يتغنى بمعاركه وانتصاراته.
المصدر: تركيا الان + وكالات