لاقت مصادقة البرلمان التركي، الخميس الماضي، على مذكرة رئاسية تفوّض الحكومة بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، ترحيبًا شعبيًا واسعًا بين سكان العاصمة الليبية طرابلس.
مراسل الأناضول التقى عددًا من الليبيين في ميدان الشهداء، وسط طرابلس، واستطلع آراءهم إزاء اعتزام أنقرة إرسال جنود إلى ليبيا، لدعم حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليًا.
ومنذ 4 أبريل/ نيسان الماضي، تشن قوات خليفة حفتر، هجومًا للسيطرة على طرابلس (غرب)، مقر الحكومة الليبية، التي ينازعها حفتر، بدعم خارجي، على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط.
وفضلًا عن القتلى والجرحى والمشردين ودمار البنية التحتية، أجهض هجوم حفتر على طرابلس جهودًا كانت تبذلها الأمم المتحدة لعقد مؤتمر حوار بين الليبيين، ضمن خريطة طريق أممية لإنهاء الأوضاع المتأزمة في ليبيا منذ عام 2011.
– خطوة تاريخية
علي قروان (34 عامًا)، ليبي يعمل بأحد حقول النفط، وصف مذكرة التفاهم المبرمة بين الحكومتين الليبية والتركية، والتي تسمح بإرسال جنود أتراك إلى ليبيا، بأنها “خطوة تاريخية”.
وأضاف “قروان”، للأناضول: “سيُذكر يوم توقيع الاتفاقية، في 27 نوفمبر (تشرين ثانٍ الماضي)، بأنه نقل ليبيا آلاف السنين. وهذا التاريخ سيذكره أحفاد أحفادنا وأحفاد الجمهورية التركية إن شاء الله. فالتاريخ يكرر نفسه اليوم.”
وفي ذلك اليوم، وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية فائز السراج، مذكرتي تفاهم، تتعلق الأولى بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحية البحرية شرق المتوسط، بهدف حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدولي.
وتابع المواطن الليبي، وهو يقطن في منطقة صلاح الدين بالعاصمة، “رأيت بأم عيني قوات فاغنر الروسية والقوات المصرية (الداعمة لحفتر) وهم يقاتلون شبابنا يدًا بيد.”
وقال إنه ما إن أعلن البرلمان التركي مصادقته على مذكّرة إرسال القوات حتى عمّت الأهازيج والزغاريد في مدينتي طرابلس والزاوية (50 كلم غرب طرابلس).
وشدد “قروان”، على أن “الشارع الطرابلسي يعرف أن هذا التدخل لصد هجوم عدواني بربري”.
– في الوقت القاتل
أعرب عضو جمعية الدولة المدنية الليبية، جمال تيتي (60 عامًا)، عن “الشكر لتركيا حكومة وشعبًا، لموقفها الشجاع والتاريخي بجانب الشعب الليبي، خلال دفاعه عن نفسه ضد هذه الهجمة الشرسة.”
وتابع “تيتي”، للأناضول، أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، “جاءت في الوقت القاتل بعدما اتفق الطامعون على تقسيم ثروات شرق البحر المتوسط فيما بينهم، وإبعاد تركيا عن الاستفادة منها.”
وأردف: “حان وقت نهوض تركيا، واستلام زمام المبادرة، ليس في البحر المتوسط فقط، بل في العالم كله”.
وأضاف تيتي، أن “تركيا باتت من الدول التي تستطيع أن تغيّر موازين العالم في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، وتقول كلمتها بكل عزّة وفخر.”
وشدد على أنه لولا توقيع مذكرة التفاهم بين تركيا وليبيا في هذا الوقت، لكان الوضع صعبًا جدًا بالنسبة “للأحرار والشرفاء على هذه الأرض”.
وقال “تيتي” إن “الشرفاء والأحرار” يشعرون بالفخر إزاء التقارب بين ليبيا وتركيا، ويتوقعون دعمًا فنيًا وعسكريًا ولوجستيًا من تركيا في صد “العدوان متعدد الجنسيات من مرتزقة العالم”.
– دولتان تتمتعان بالسيادة
شدد محمود درغام (42 عامًا)، مهندس زراعي، على أن مذكرة التفاهم تم إبرامها بين دولتين تتمتعان بالسيادة.
وتابع “درغام”، للأناضول، أن من حق كل دولة مستقلة معترف بسيادتها لدى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة عقد أية اتفاقية مع دولة أخرى شقيقة متمتعة بالسيادة.
وأضاف أن مذكرة التفاهم هذه لصالح تركيا وليبيا حكومة وشعبًا.
وقال “درغام”، إنه كان شاهدًا على ما قامت به “ميليشيات الانقلابي حفتر، سابقاً، في مدينتي بنغازي ودرنة (شرق) والأجزاء الجنوبية من البلاد، من جرائم حرب، مثل التهجير، والتصفيات، وإخراج الجثث من القبور.”
واستنكر انزعاج الحكومة المصرية من التقارب التركي- الليبي، قائلًا إن تدخل (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي، في الدولة الليبية وسيادتها غير مسموح به، فهذا اختراق لقواعد جامعة الدول العربية.
ولفت درغام، إلى أن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في ليبيا؛ بسبب هجمات حفتر خلال السنوات الأربع الماضية.
وأعرب عن أمله في أن “يساهم الإخوة الأتراك في إعادة إعمار ليبيا.”
– اتفاقيات حفتر غير الشرعية
قال أحمد علي (30 عامًا)، أحد سكان طرابلس، إن مذكرتي التفاهم بين ليبيا وتركيا جاءتا في وقتهما، فالحكومة الليبية تحتاج تحالفات واتفاقيات للمحافظة على المصالح المشتركة بين البلدين.
وتابع “علي”، في حديث للأناضول، أن المذكرتين “ستساهمان في مجابهة وصد العدوان الحاصل على طرابلس؛ لأن حفتر استعان وعقد اتفاقيات غير شرعية مع دول زودته بالمرتزقة والسلاح”.
وشدد على أن “المذكرتين حظيتا بالقبول في الشارع الليبي.. من طلب من تركيا التدخل هي الحكومة الشرعية، ومن الطبيعي أن تستعين بحليف عسكري لصد الهجوم”.
وأعرب عن تخوفه من احتمال دخول “ميليشيات حفتر” إلى طرابلس، فهي “ميليشيات تحتوي تشكيلاتها على مجرمين وأصحاب سوابق ولها سجل حافل بالجرائم والاغتيالات”.
وقال شاب ليبي آخر، طلب عدم نشر اسمه، للأناضول، إن مذكرتي التفاهم فيهما استفادة للطرفين.
وشدد على ضرورة منع “مليشيات حفتر” من دخول العاصمة، محذرًا من أن “هناك أمثلة حية لمجازر تلك المليشيات، فهي التي دمرت بنغازي، وهجرت أغلب سكانها”.
– دعم الحكومة المعترف بها دوليًا
وصوت 325 نائبًا في البرلمان التركي، الخميس الماضي، لصالح مذكرة التفويض الرئاسية لإرسال قوات، مقابل رفض 184 نائبًا، ليتم تمرير المذكرة.
وجاء في مذكرة التفويض أن الجهود التي بدأتها ليبيا، عقب أحداث فبراير/ شباط 2011، لبناء مؤسسات ديمقراطية، ذهبت سدى بسبب النزاعات المسلحة المتزايدة، التي أدت إلى ظهور هيكلية إدارية مجزّأة في البلاد.
وأكدت أن من الاعتبارات التي تدفع تركيا نحو إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، هو حماية المصالح الوطنية، انطلاقًا من القانون الدولي، واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة ضد المخاطر الأمنية، والتي مصدرها جماعات مسلحة غير شرعية في ليبيا.
وأيضًا من الاعتبارات، الحفاظ على الأمن ضد المخاطر المحتملة الأخرى، مثل الهجرات الجماعية، وتقديم المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الشعب الليبي، وتوفير الدعم اللازم للحكومة الشرعية في ليبيا.
وبينت المذكرة أن تقدير زمن إرسال قوات تركية إلى ليبيا ومكان انتشارها، سيكون في عهدة رئيس الجمهورية، وفقًا للمبادئ التي حددها الرئيس بشأن اتخاذ جميع أنواع التدابير للقضاء على المخاطر والتهديدات.
كما أوضحت أن مدة التفويض ستكون عامًا واحدًا قابلة للتمديد، وفقًا للمادة 92 من الدستور التركي المتعلقة بإرسال قوات عسكرية إلى دول أجنبية.
.
المصدر/ A.A