في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019، عقدت الجامعة العربية اجتماعاً طارئاً كان بطلب من دولة مصر، كانت جميع محاوره تدور في فلك بحث مذكرات التفاهم التي أبرمتها أنقرة مع حكومة الوفاق الوطني الليبي والمعترف بها شرعيّاً ودوليّاً، بحجة أنه تدخل خارجي من طرف تركيا بليبيا.
هذا الأمر أدى لانزعاج الطرف الليبي ممثلاً بمندوبه في جامعة الدولة العربية، السفير صالح الشماخي، الذي هدد بأن حكومة ليبيا تفكر بجدية في الانسحاب من تلك الجامعة كونها تتبع سياسة “الكيل بمكيالين” إزاء ما يجري من تطورات في البلد.
واعتبر الشماخي أن الحكومة دعت مراراً وتكراراً لعقد اجتماعات طارئة للدول المنضوية تحت مظلة جامعة الدول العربية لاتخاذ موقف من الجرائم التي ترتكبها قوات “خليفة حفتر” ضد الشعب الليبي وضد الحكومة المعترف بها دوليّاً، إلا أن ذلك لم يلق أي آذان صاغية، إلا أنها تحركت على الفور بمجرد طلب مصر ذلك منها، بينما ظلت تغط في سبات عميق إزاء قضايا عربية أخرى، على سبيل المثال لا الحصر، ما يجري في اليمن وإدلب السورية وفلسطين.
تحركت الجامعة العربية على الفور بمجرد طلب مصر ذلك منها بينما ظلت تغط في سبات عميق إزاء قضايا عربية أخرى على سبيل المثال لا الحصر ما يجري في اليمن وإدلب السورية وفلسطين.
وعن رأيه في اجتماعات جامعة الدول العربية الأخيرة، يرى الباحث السياسي عمر آل حسون، أنه “لا أثر يرجى من اجتماع هذه المؤسسة؛ فالجامعة العربية ما وُجدت إلا لاجتماعات لا قيمة لها أو لقرارات لا تنفذ، وكما وصفها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بأن قرارتها مطبوعة وجاهزة قبل أن يدري الأعضاء ما هو مكتوب فيها”.
وأضاف آل حسون أن “هذه الجامعة تغاضت عن كل آلام العرب في العراق واليمن وليبيا ولبنان وفلسطين ولم تجتمع الا على مائدة الإدانة لتركيا، لا لسبب إلا لأن تركيا أحبطت مشروع إقامة كيان موازٍ يقسم سوريا ويكون لإسرائيل قدم فيه، تحكم من خلاله السيطرة على منابع المياه التي تغذي العراق وسوريا، و تقتطع جزءاً من سوريا مسيطرة على منابع الغاز والنفط وذلك بدعمها لعصابات قسد وPKK/PYD الإرهابية”.
ويتابع آل حسون قائلاً، إنه “تبقى النصيحة لليبيا ممثلة في حكومة السيد فايز السراج، بألا تتسرع في خطوة الانسحاب؛ فبقاؤه في الجامعة مؤقتاً سيقطع الطريق على حلفاء مجرم الحرب خليفة حفتر الذين يسعون لتلميعه بأيّة وسيلة، وليترك أمر الانسحاب بعد النصر الذي نراه قريباً بإذن الله”.
ولم يكن هذا الاجتماع الأول من نوعه الذي يبدو الملف التركي فيه الحاضر الأبرز على طاولة المجتمعين بعيداً عن أي قضايا أخرى.
الجامعة تغاضت عن كل آلام العرب في العراق واليمن وليبيا ولبنان وفلسطين ولم تجتمع الا على مائدة الإدانة لتركيا.
ففي 12 تشرين الأول/أكتوبر 2019،عقدت الجامعة اجتماعاً قالت إنه “طارئ” لبحث إطلاق تركيا عملية “نبع السلام” لتحرير المنطقة من التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيمPKK/PYD الإرهابي، مشيرة إلى وقوفها ضد تلك العملية، الأمر الذي اعتبرته الدبلوماسية التركية بمثابة موقف داعم للتنظيم الإرهابي.
كما أن تلك الجلسة الطارئة أفضت حينها، إلى مطالبة الدول العربية بعدم التعاون مع تركيا وخفض تمثيلها الدبلوماسي معها، إلا أن بعض الدول لم تتماهَ مع مواقف الجامعة العربية ومنها ليبيا ممثلة بحكومتها الشرعية.
وحول السياسة التي تنتهجها جامعة الدول العربية بالنسبة لتركيا، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أقسراي التركية، الدكتور ضياء عباس، إنه ” لكي نفهم تلك السياسة لابد من النظر إلى علاقات العديد من الدول الأعضاء في الجامعة العربية مع تركيا”.
وأضاف عباس، أن “حكومة الوفاق الوطني الليبي لها علاقات جيدة مع تركيا وقطر اللتين، بدورهما، لديهما علاقات متدهورة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر. هذه الدول الأخيرة تدعم قوات الجنرال حفتر انطلاقاً من موقف أيديولوجي، فيما تقف تركيا وقطر الى جانب حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليّاً”.
وتابع عباس قائلاً ” كما أن مصر والسعودية تلعبان دوراً فاعلاً ومؤثراً على قرارات الجامعة العربية، وتحاولان من خلالها إضفاء الشرعية على سياساتهما في معاداة حكومة الوفاق الوطني الليبي، ودعم قوات حفتر الانقلابية التي تسمى بـ (الجيش الوطني الليبي)”.
مصر والسعودية تلعبان دوراً فاعلاً ومؤثراً على قرارات الجامعة العربية وتحاولان من خلالها إضفاء الشرعية على سياساتهما في معاداة حكومة الوفاق الوطني الليبي.
ومن هنا فإن الموقف التركي المعلن في دعم حكومة الوفاق الوطني، واستعدادها لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا سوف يضع حدّاً لتدخلات الدول آنفة الذكر في ليبيا وهو ما أغاظهم، وفق رأي عباس.
ويبدو من خلال التصريحات ومواقف الدول المعادية لحكومة الوفاق الليبية، حسب عباس أيضاً، أنهم يسمحون لأنفسهم بالتدخل في شؤون ليبيا والتسبب في زعزعة الأمن والاستقرار وجرّ البلاد الى حرب أهلية لأنهم “دول عربية شقيقة”، فيما يعارضون الموقف التركي الساعي إلى تأسيس الأمن والاستقرار، من خلال التعاون وتقديم الدعم لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليّاً وذلك بدعوة رسمية منها.
وختم عباس بالقول، إن “هذه الدول المؤثرة على قرارات الجامعة العربية تسعى إلى تحقيق أهدافها غير المشروعة دون اعتبار لميثاق الجامعة العربية الذي ينص في مادته الأولى على “صيانة استقلال وسيادة الدول الأعضاء من كل اعتداء، والنظر في مصالح البلدان العربية”، أو للعلاقات الأخوية بينها وبين ليبيا، وهي بذلك تؤثر على مصداقية الجامعة العربية وتزعزع الثقة بها وتدفعها إلى اتخاذ قرارات غير متوازنة”.
يشار إلى أن النائب الكويتي السابق وليد الطبطبائي، انتقد في تصريحات صحفية، عقب الجلسة الطارئة لجماعة الدول العربية بشأن العملية العسكرية التركية شرقي الفرات، موقف الجامعة قائلاً: “إن موقف الجامعة العربية لا يعبر عن ضمير الشعب العربي أو ضمير غالبية الشعب السوري، إنما يعبر عن تصفية حسابات ضيقة مع تركيا على حساب مصلحة الأمة العربية”.
.
أمة عربية نائمة ذات نذالة دائمة.. قبح الله وجهك يابلحة