كشف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن تسريع موافقة برلمان بلاده على قرار إرسال قواتٍ إلى العاصمة الليبية، فهل سيتبع ذلك قرار آخر بالإعلان عن ساعة الصفر لتدخل عسكري تركي مباشر في ليبيا؟ تستجيب أنقرة لطلب حكومة الوفاق التي تعترف بها ممثلاً شرعياً وحيداً في إدارة شؤون ليبيا، وهي تقول إنها ستقف إلى جانبها “لمواجهة الخارجين على القانون، والمدعومين من مجموعات المرتزقة”، فيما تعمل قيادات بنغازي جاهدة لإنجاز العملية العسكرية التي تشنها قوات اللواء المتمرد خليفة حفتر منذ إبريل/ نيسان المنصرم على طرابلس، لاستعادتها من “المليشيات والإرهابيين”، فمن سيحصل على ما يريد؟
فاجأت أنقرة واشنطن وموسكو بالاتفاقيات التي وقعتها مع حكومة فايز السراج الليبية، لكنها لن تتوقف عند هذا الحد كما يبدو، ذلك أن من أهدافها دفع العواصم الأوروبية المعنية عن قرب بالملف الليبي (فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا) إلى قبول تفاهماتها مع طرابلس، وإشراك تونس والجزائر وقطر في قمة برلين التي ستدعمها في حال كان على جدول أعمالها وقف العملية العسكرية التي تشن ضد الحكومة الشرعية، والإعلان عن هدنةٍ عسكريةٍ حقيقية، برعاية وإشراف إقليميين، ومناقشة خريطة حل سياسي في ليبيا، يحمي استقلالية القرار والسيادة ووحدة البلاد.
بين الأوراق التي سيحاول بعضهم لعبها التصعيد ضد التدخل العسكري لأنقرة في ليبيا، وترويج أن غرض هذا التحرّك هو العمل على بسط نفوذ الإخوان المسلمين هناك، واتهام الرئيس أردوغان بأنه يعمل على إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية إلى شمال أفريقيا، والهيمنة على ليبيا مفتاح الطريق نحو أوروبا، والإمساك بخيوط اللعبة في شرق المتوسط، حيث تطرح مشاريع استخراج الغاز ونقله من آسيا وأفريقيا إلى أوروبا، والدعوة إلى التكاتف بين أصحاب المصالح والمتضرّرين من السياسة التركية للإسراع في إسقاط حكومة الوفاق التي تتحدّى الجميع، من خلال ضرب الاتفاق السياسي الذي تم الوصول إليه، بإشراف الأمم المتحدة، في مدينة الصخيرات المغربية، في 2015، بعرض الحائط.
الغاضبون كثر، وبينهم مصر وإسرائيل وفرنسا واليونان وقبرص اليونانية، يريدون تحريك الاتحاد الأوروبي لتصدّر المواجهة باتجاه سحب الاعتراف بحكومة السراج، وعرض البديل الذي يسقط هذا التقارب والانفتاح السياسي والأمني بين أنقرة وطرابلس، ويسقط اتفاقيات ترسيم الحدود التي أربكت حسابات دول كثيرة متشاطئة في شرق المتوسط. وتقرّ قيادات بنغازي بأن الاتفاقية التركية الليبية هي مذكّرة تفاهم، ولا تحتاج إلى موافقة البرلمان الليبي، لكنها ترفضها بذريعة مخالفة قانون البحار الدولي، ومعاهدة فيينا الأممية، وعقدها في ظروف استثنائية تمر بها البلاد. وتعطي هذه القيادات الحق لنفسها، منذ أعوام، للتنسيق مع اليونان وقبرص اليونانية، وتسهيل محاصرة تركيا في شرق المتوسط، ولكن الرد التركي غير مسموح ومرفوض، لأن أنقرة “تصعّد التوتر وتزعزع الاستقرار في شرق المتوسط”.
بين أهداف الخطوات المتسارعة التركية أيضا رصد أحداث ولقاءات وقمم كثيرة بين 2 و8 يناير/ كانون الثاني الحالي، أهمها اللقاء الثلاثي اليوناني الإسرائيلي والقبرصي اليونانيالمرتقب غدا الخميس (2/1/2020) في أثينا، لبحث خطط نقل الطاقة، ثم اللقاء الثلاثي المنتظر السبت (4/1/2020) في القاهرة، والذي سيجمع مصر وفرنسا واليونان، لبحث استراتيجية التعامل مع الاتفاقيات التركية الليبية، والزيارة المرتقبة للوفد الأوروبي إلى العاصمة القبرصية، للضغط على حكومة الوفاق بعدم إعطاء أنقرة ما تريده، ثم زيارة للرئيس الروسي بوتين تركيا في الثامن من شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، لبحث تطورات الملف الليبي، والتي تريد أنقرة أن تأخذ منحىً جديدا، على ضوء الاتفاقيات الموقعة أخيرا مع طرابلس، وحسم موضوع إرسال قوات تركية إلى ليبيا. وذلك كله فيما تريد أنقرة وضع الجميع أمام الأمر الواقع الجديد، وإفراغ أي تحرّك استراتيجي أوروبي روسي عربي ضدها وضد حكومة الوفاق من مضمونه. وتريد أيضا أن ينتقل النقاش من محاولات إبطال (وعرقلة) مذكرتي التفاهم البحري والأمني مع طرابلس إلى نقاشٍ آخر، يتعلق بإنتاج حلٍّ سياسيٍّ في إطار مؤتمر إقليمي لإنهاء الأزمة الليبية قد يضع مؤتمر برلين نواته.
تستفيد أنقرة من غياب المواقف الأميركية والروسية الواضحة والحاسمة في التعامل مع ملف الأزمة الليبية، لكنها قلقة أيضا أن لا يمنع هذا حدوث مفاجأة آخر لحظة، في تقديم مصالح القوتين على مصالح الآخرين، وبينهم تركيا، والانتقال إلى التصعيد التدريجي ضدها لمنعها من قلب التوازنات بالشكل الذي تريده، وتحاول فرضه على الأرض، قبل التوجه إلى الطاولة.
من الذي سيذهب إلى طرابلس؟ سؤال يقلق بعضهم، لكن أنقرة قد تكتفي بإرسال خبراء ومستشارين مصحوبين بالدعم السياسي، على شكل رسالة عدم الرهان على إسقاط حليفها المحلي، وتعريض تفاهماتها معه للخطر. سؤال آخر مقلق: كيف سيكون شكل النصائح التي تقدّم لحفتر، المضي في عملية التصعيد ضد العاصمة الليبية، واعتبار القوات التركية هدفا له، أم الذهاب نحو التهدئة، وتأجيل ساعة المواجهة إلى موعد ومكان آخرين؟
العقدة المصرية فيها غموضٌ كثير بشأن ما ستفعله القاهرة. المضي في تحميس حفتر على التقدّم نحو طرابلس، وهو خيار لم يعد له التأثير الكبير، أم التدخل العسكري المباشر في ملف الأزمة، من دون مسند قانوني شرعي، كانت تتهم تركيا بارتكابه في سورية، أم الرهان على مواصلة محاولة الحشد ضد تركيا من الدول الكبرى، والبقاء بعيدة عن إقحام نفسها أكثر في ورطة ليبيا، أم قبول وساطة روسية باتجاه تفعيل قنوات الحوار والتواصل بين القاهرة وأنقرة القادرتيْن على إنجاز الكثير باتجاه التهدئة في الملف الليبي؟ كيف ستتم قراءة كلام رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي يرى أن على بلاده وتركيا بحث خلافاتهما بشأن المناطق البحرية في إيجة وشرق المتوسط، على المستويين، السياسي والدبلوماسي، وإنه في حال عدم تمكّنهما من التوصل إلى حل، عليهما أن تتفقا على أن الخلاف يجب أن يتم البت فيه لدى هيئة دولية، مثل محكمة العدل الدولية في لاهاي؟ رسالة قد تقوي موقف تركيا، وتخيّب آمال من يراهن على التصعيد اليوناني، والذهاب إلى الحرب من أجل إسقاط المعادلة الجديدة التي فرضتها أنقرة في شرق المتوسط.
وإذا ما حسمت أنقرة موقفها في مسألة إرسال قوات تركية إلى ليبيا، سيرتفع عدد الدول التي تنتشر في هذا البلد عسكريا الى 14، فقد أصبحت ليبيا من أهم الحصون الاستراتيجية التركية الواجب حمايتها في شمال أفريقيا وشرق المتوسط، بعد تراجع ما بنته في السودان، ومحاولة ضرب نفوذها في الصومال. وتذكّر أقلام تركية كثيرة، محسوبة على حزب العدالة والتنمية (الحاكم) بحقبة العهد العثماني، ودخول أتاتورك ليبيا متخفيا، لتدريب الليبيين وتأليبهم على الاحتلال والاستعمار، عشية اندلاع الحرب العالمية الأولى. وأنقرة لن تتخلى بسهولة عن التفاهمات والاتفاقيات الموقعة مع طرابلس، والتي أعطتها فرصة الغوص في عمق المتوسط، لمنع حلم تمديد أنابيب نقل الغاز من آسيا إلى أوروبا رغما عنها.
خزانات الغاز والنفط الموجوده في ليبيا هي من اغرت اردوغان بالتحرك جنوبا ٣٠٠٠ كلم . تركيا من افقر دول العالم من حيث مصادر الطاقه الطبيعيه . وهي تريد ان تكون قوه اقليميه .ولاكن بدون مصادر الطاقه لن تستطيع .هذا هو السبب بدون شعارات كاذبه.