أنهت تركيا عام 2019 بإبرام اتفاق للتعاون العسكري والأمني مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، وقد بدأت عامها الجديد بإصدار برلمانها لمذكرة تفويض تخول القوات المسلحة التركية بإرسال قوات إلى ليبيا بغرض حماية الحكومة الشرعية هناك.
ذلك أن الاتفاق يتضمّن إمكانية إرسال قوات عسكرية تركية -ومدنيين منتسبين إلى المؤسسة العسكرية أو الأمنية- إلى ليبيا إذا ما تَطلَّب الأمر. قبل أيام طلبت حكومة السراج المعترف بها دوليّاً من تركيا “دعماً جوياً وبحرياً وبرياً” بشكل رسمي، ما فتح الباب على تطبيق هذا البند من الاتفاق، وهو ما يحتاج إلى موافقة البرلمان على عمل القوات المسلحة لبلاده خارج الحدود، على غرار سوريا والعراق، بإصدار مذكرة تفويض سنوية قابلة للتجديد.
وقد وافق البرلمان التركي في جلسته الطارئة من يوم الخميس الموافق 2 كانون ثاني/يناير بأغلبية 324 صوتاً مقابل رفض 184 صوتاً على منح الحكومة التركية هذا التفويض الذي يخولها بمقتصاه إرسال قوات إلى ليبيا بغرض مساعدة حكومة السراج المعترف بها دولياً.
بالتوازي مع هذه الخطوات التركية الحثيثة لدعم حكومة التوافق المعترف بها دوليّاً في مواجهة هجوم حفتر الجديد على العاصمة طرابلس، ثمة تحرك أوروبي لافت مؤخراً عنوانه الرئيس مواجهة أنقرة أو محاولة تحييدها عن الملف. فالمواقف الدولية خصوصاً الأوروبية الغامضة أو الباهتة في أحسن الأحوال إزاء هجوم حفتر على العاصمة تحولت فجأة إلى خطوات علمية وملموسة فقط بعد الاتفاق التركي-الليبي.
حسب وسائل إعلام أوروبية، يوجد تنسيق بين عدة دول أوروبية في مقدمتها إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا بخصوص الملف الليبي مؤخراً لدعم الحل السياسي، وهو ما يبدو أنه نتج عنه زيارة وشيكة لطرابلس من وزراء خارجية هذه الدول رفقة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل في السابع من يناير/كانون الثاني الجاري، حسب وكالة الأناضول.
التقدير في أنقرة بأن الحراك الأوروبي يحاول قطع الطريق عليها أكثر مِما يسعى لحل حقيقي ومستدام للأزمة الليبية، لا سيما وأن هجوم حفتر على الحكومة الشرعية والمدعوم من أطراف إقليمية كالإمارات ومصر والسعودية لم يستحثّ حتى اللحظة جهداً أوروبياً مشابهاً رغم أن حكومة السراج معترف بها من الأمم المتحدة.
بدا كأن أطرافاً مختلفة كانت تأمل بتغيير هجوم حفتر الوقائع على الأرض قبل مؤتمر برلين المزمع عقده نهاية الشهر الجاري أو بداية الشهر المقبل، لكن احتمال إرسال قوات تركية لدعم حكومة طرابلس قلب الأمور رأساً على عقب.
يدعم هذا التصور التركي الموقف الأوروبي شبه الموحد ضد أعمال البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي التي تقوم بها قرب سواحلها وسواحل جزيرة قبرص، الأمر الذي وصل إلى درجة فرض عقوبات أوروبية-سياسية واقتصادية عليها.
بالتوازي مع هذه الخطوات التركية الحثيثة لدعم حكومة التوافق المعترف بها دوليّاً في مواجهة هجوم حفتر الجديد على العاصمة طرابلس، ثمة تحرك أوروبي لافت مؤخراً عنوانه الرئيس مواجهة أنقرة أو محاولة تحييدها عن الملف. فالمواقف الدولية خصوصاً الأوروبية الغامضة أو الباهتة في أحسن الأحوال إزاء هجوم حفتر على العاصمة تحولت فجأة إلى خطوات علمية وملموسة فقط بعد الاتفاق التركي-الليبي.
حسب وسائل إعلام أوروبية، يوجد تنسيق بين عدة دول أوروبية في مقدمتها إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا بخصوص الملف الليبي مؤخراً لدعم الحل السياسي، وهو ما يبدو أنه نتج عنه زيارة وشيكة لطرابلس من وزراء خارجية هذه الدول رفقة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل في السابع من يناير/كانون الثاني الجاري، حسب وكالة الأناضول.
التقدير في أنقرة بأن الحراك الأوروبي يحاول قطع الطريق عليها أكثر مِما يسعى لحل حقيقي ومستدام للأزمة الليبية، لا سيما وأن هجوم حفتر على الحكومة الشرعية والمدعوم من أطراف إقليمية كالإمارات ومصر والسعودية لم يستحثّ حتى اللحظة جهداً أوروبياً مشابهاً رغم أن حكومة السراج معترف بها من الأمم المتحدة.
بدا كأن أطرافاً مختلفة كانت تأمل بتغيير هجوم حفتر الوقائع على الأرض قبل مؤتمر برلين المزمع عقده نهاية الشهر الجاري أو بداية الشهر المقبل، لكن احتمال إرسال قوات تركية لدعم حكومة طرابلس قلب الأمور رأساً على عقب.
يدعم هذا التصور التركي الموقف الأوروبي شبه الموحد ضد أعمال البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي التي تقوم بها قرب سواحلها وسواحل جزيرة قبرص، الأمر الذي وصل إلى درجة فرض عقوبات أوروبية-سياسية واقتصادية عليها.
بهذه الخطوات تكون تركيا فرضت نفسها لاعباً فاعلاً في الأزمة الليبية، ومِن ثَم طرفاً مشاركاً في مؤتمر برلين، بل دعت لإشراك أطراف أخرى قريبة من رؤيتها مثل تونس والجزائر وقطر في المؤتمر الذي ازدادت أهميته في ضوء التطورات الأخيرة. بهذا المعنى، إما أن يعيد المؤتمر الهدوء الميداني للعاصمة طرابلس ويدعم الحل السياسي بشكل حقيقي، وإما أن يُقِرّ الواقع الميداني بما يعني شرعنة هجوم حفتر وتخفيض شرعية حكومة الوفاق الوطني.
لذلك تحديداً تسارع تركيا الخطى لتثبيت حكومة الوفاق وطرابلس على الأقلّ حتى عقد المؤتمر. لكن ما تأثير الجهود الأوروبية على قرار أنقرة؟
ليس متوقَّعاً أن يكون لها تأثير كبير على ما تنوي تركيا القيام به، لا على صعيد إقرار البرلمان الذي يبدو شبه مضمون ولا على قرار دعم حكومة الوفاق الذي تصر عليه أنقرة.
لكن من المهم الإشارة إلى أن قرار التفويض وإصرار تركيا على دعم حكومة الوفاق وصمود طرابلس لا يعني بالضرورة إرسال قوات عسكرية كبيرة بشكل فوري للأراضي الليبية. فمجالات الدعم التركية لحكومة السراج كثيرة ومتدرجة، تبدأ من التأثير المفترض للاتفاق وإقرار البرلمان لإرسال قوات مروراً بالدعم اللوجستي والأسلحة النوعية لا سيما الجوية منها وانتهاء بإرسال خبراء أو قوات بأعداد قليلة أو كبيرة.
لا تنوي تركيا الغرق في تفاصيل النزاع الليبي الداخلي ولا يبدو ضمن خططها كسر حفتر أو هزيمته نهائيّاً، خصوصاً أن ذلك قد يعني احتمال مواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع بعض القوى وفي مقدمتها روسيا ومصر. وإنما تسعى لدعم صمود طرابلس وإبقائها تحت سيطرة حكومة الوفاق، ذلك أن سقوطها سيعني وفاة الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية الذي يشرعن خطوات التنقيب التركية ويعيد لها بعض حقوقها في غاز المتوسط الذي يسعى محور إقليمي تقوده اليونان لحرمانها منها.
في ضوء ذلك، يمكن القول بأن المساعي الأوروبية مزعجة لتركيا، لكنها ليست متعارضة بالمطلق مع أهدافها في ليبيا. فإذا ما أدَّى الحراك الأوروبي إلى تهدئة ميدانية تدعم مسار الحل السياسي، فذلك مِما يخدم الرؤية التركية للحل والذي يقوم على مسار سياسي لا عسكري ومِن ثَم على وقف العدوان الحالي على طرابلس، فضلاً عن أن الزيارة الأوروبية رفيعة المستوى للعاصمة طرابلس تضفي مزيداً من الشرعية على حكومة الوفاق الوطني التي تتعاون معها تركيا.
تدرك العواصم الأوروبية الفاعلة بالتأكيد أن استمرار هجوم حفتر على طرابلس يفرغ مؤتمر برلين المنتظر من معناه، كما صرح بذلك الرئيس التركي قبل أيام، ومِن ثَم ينبغي أن تكون معنية بوقفه إن كانت جادَّة في دعم الحل السياسي أو إبقاء فرصة له على أقل تقدير، كما أنها تدرك أن فشلها في ذلك سيزيد مسوغات التدخل التركي دعماً لحكومة الوفاق وسيشرعن أي خطوة تركية بهذا الاتجاه، وهو الذي ستكون أنقرة مستعدة له قانونيّاً وسياسيّاً وفنيّاً بعد خطوة إقرار البرلمان المتوقعة.
وعليه، رغم أن التحرك الأوروبي موجه ضد أنقرة لاحتواء تحركاتها بشكل رئيسي، فإنه لا يملك مقومات ذلك بشكل كامل، خصوصاً في ظل إصرار حكومة الوفاق على طلب الدعم التركي وشكوكها المبررة بالمواقف الدولية، بل قد يصبّ بعض ارتدادات هذا التحرك في خدمة الأهداف التركية في الأزمة الليبية ويكفي أنقرةَ مؤونة خطوات أكبر كلفة ومِن ثَم تكتفي الأخيرة بخطوات أخفض سقفاً وأقل ثمناً لتحقيق ما تصبو إليه في ليبيا وانعكاساته المنتظرة على ملف غاز شرق المتوسط.