عندما أعلنت تركيا عزمها إرسال قوات إلى ليبيا لدعم ومساندة الحكومة الشرعية في طرابلس، لاقت هذه الخطوة ردود فعل متباينة من قبل بعض الجهات والدول العربية، بين مرحب ومندد بها، أو متحفظ عليها. لكن التطورات التي تلت القرار التركي أسفرت لأول مرة منذ نحو 9 أشهر عن وقف لإطلاق النار، وهو ما حظي بترحيب الجميع، سواء على المستوى العربي أو الدولي.
ودخل اتفاق وقف لإطلاق النار مساء الأحد حيز التنفيذ بين طرفي الحرب في ليبيا، بعدما أعلنت الحكومة الليبية برئاسة فايز السراج، وقوات الضابط المتقاعد المناوئة لها خليفة حفتر، موافقتهما على مبادرة تركية – روسية بهذا الصدد، دعا لها كل من الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في زيارة الأخير إلى تركيا الأربعاء الماضي.
ولم يكن التوصل إلى هذه الهدنة أمراً سهلاً، فقد بذلت جهود مكثفة، سياسياً ودبلوماسياً، وحتى عسكرياً، لا سيما من قبل أنقرة، من أجل تحقيق هذا الهدف. وكان حفتر قد رفض ابتداء الاستجابة للدعوة التركية – الروسية، قبل أن يجبر على الموافقة، بحكم ارتباطه الوثيق بموسكو، واعتماد هجومه العسكري في طرابلس تحديداً على المليشيات المتعددة الجنسيات، وفي مقدمتها مرتزقة فاغنر الروسية.
وأعلنت سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وبعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، الأحد، ترحيبها بوقف إطلاق النار في ليبيا.
كما رحبت جامعة الدول العربية، في بيان، بوقف إطلاق النار في ليبيا الذي تم التوصل إليه استجابة لمبادرة تركية-روسية، معتبرين إياه خطوة مهمة لحقن دماء الليبيين.
وفي بيانات منفصلة، رحبت كل من مصر والجزائر وتونس باتفاق وقف إطلاق النار، داعين جميع الأطراف الليبية إلى الالتزام به، واستئناف مسار التسوية السياسية.
ورغم أن الهدنة المعلنة في ليبيا توصف حتى الآن بالهشة، إذ لم تخل من خروقات محدودة حتى الآن، خاصة من قبل قوات حفتر، فإن الجهود التركية فيما يتعلق بموقف روسيا ذهبت نحو ترسيخ وقف إطلاق النار وتثبيته، من خلال جمع طرفي الصراع الليبي في موسكو، للاتفاق على التفاصيل، وذلك بالتزامن مع قدوم وفد تركي عالي المستوى مؤلف من وزيري الخارجية والدفاع التركيين إلى العاصمة الروسية.
وحيث بدأ الوزيران مولود تشاوش أوغلو وخلوصي أقار اجتماعهما في موسكو بنظيريهما الروسيين، فإن المعلومات تفيد بأنها سيبحثان جهود إرساء السلام والاستقرار في ليبيا، وفقاً لوكالة الأناضول.
وبحسب ليف دينغوف، رئيس فريق الاتصال الروسي بشأن ليبيا، فإن حفتر والسراج سيحددان في موسكو “طرق تسوية مستقبلية في ليبيا بما في ذلك إمكان توقيع اتّفاق هدنة وتفاصيل هذه الوثيقة”.
وقال دينغوف إن كلاً من حفتر والسراج سيلتقيان “بشكل منفصل مع المسؤولين الروس ومع ممثلي الوفد التركي الذي يتعاون مع روسيا حول هذا الملف”، لافتا إلى أن مسؤولين من مصر والإمارات سيكونون موجودين أيضا على الأرجح بصفتهم مراقبين في المحادثات.
أثبتت تركيا أن نواياها تجاه ليبيا في إرسال قوات كانت تصب في مصلحة حقن الدم الليبي، والدفع نحو إعلان وقف لإطلاق النار، بل وأبعد من ذلك، استئناف الحوار والعملية السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة، والهادفة إلى تنفيذ اتفاق الصخيرات، الذي أنتج حكومة الوفاق، قبل أن ينقلب عليها حفتر مدعوماً بنفس الدول التي وجدت نفسها مضطرة اليوم للترحيب بالهدنة والمسارعة لحجز دور لها في صياغة التسوية السياسية.
ومن المتوقع أن تمهد هذه الهدنة لمؤتمر دولي حول ليبيا ينعقد في برلين خلال الشهر الجاري برعاية الأمم المتحدة. وبعد المبادرة التركية – الروسية لوقف إطلاق النار، أجرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل محادثات في هذا الشأن في موسكو السبت مع الرئيس الروسي الذي أجرى سلسلة اتصالات هاتفية مع القادة العرب والأوروبيين.
وكانت تركيا، بالتوازي مع تحركها لإرسال قوات إلى ليبيا، واتصالاتها مع روسيا، قد عملت من خلال اتصالاتها مع ألمانيا، التي تستضيف المؤتمر المذكور، على ضم الجزائر إلى قائمة الدول المشاركة في المؤتمر، اعتقاداً من أنقرة بدور الجزائر الهام والحيوي، باعتبارها دولة مجاورة لليبيا وذات مصلحة في استقرار هذا البلد، وأيضاً ملتزمة بدعم الشرعية هناك، الأمر الذي أحدث نوعاً من التوازن في الصراع الليبي، وهو الشرط اللازم لإجبار قوات حفتر، الطرف المهاجم، على الرضوخ للأمر الواقع، وتنحية البندقية جانياً.