ومن معارض صغيرة في بعض الأحياء التركية، انتقلت موضة ملابس المحجبات لتصل إلى العالمية عبر علامات تجارية كبرى بات لها فروع في أرقى المراكز التجارية في العالم العربي وأوروبا وسجلت أرقاماً قياسية في سجل صادرات الملابس التركية للعالم بعد أن تمكنت من كسر الصورة النمطية للباس الأسود التقليدي عبر التجديد والتنويع بألوان زاهية مع المحافظة على الطابع المحافظ عبر موديلات نالت إعجاب كل الأذواق.
إقبال عربي واسع
على جانبَي شارع فوزي باشا في منطقة الفاتح التاريخية وسط مدينة إسطنبول التركية تنتشر مئات المحلات والمعارض المتخصصة في بيع “ملابس المحجبات” في مشهد يبرز الطابع المحافظ لشريحة واسعة من سكان المدينة التي كانت عاصمة للحكم العثماني لمئات السنوات.
هذه المنطقة العريقة باتت وجهة للسياح القادمين من كل أنحاء العالم الباحثين عن الملابس المحتشمة التي تجمع ما بين الحشمة والموضة والتجديد والعصرية، وتدمج بشكل ساحر ما بين “أصالة الشرق” و”سحر الغرب”، على حد تعبير الكثير من السياح الذين التقتهم TRT عربي في تلك المعارض.
ربا من الكويت، تقول: “منذ قرابة 4 سنوات آتي برفقة صديقاتي إلى إسطنبول سنوياً ونشتري الأزياء التركية المحجبة، فهي تلبي متطلباتنا حيث ذاع صيت المنتج التركي في بلادنا، بالإضافة إلى أن أسعارها مناسبة وأقل بكثير مما هو متوفر في الكويت على الرغم من أنها أكثر جمالاً وجودة”.
أما ديمة من الأردن التي أعجبت بالأزياء من خلال المسلسلات التركية المدبلجة، تقول: “عند قدومي أول مرة قبل سنوات للسياحة في إسطنبول انبهرت كثيراً بالموضة التركية. فهي متنوعة وتجمع بين الحداثة والحشمة. وبها شق كبير مخصص للمحجبات وتناسب مجتمعنا العربي”، تضيف: “أتسوق في المعارض في إسطنبول، وعندما يتعذر عليّ ذلك أطلب عبر الإنترنت، الكثير من الماركات التركية تقدم خدمة التسوق الإلكتروني بطريقة إبداعية وتتمتع بسرعة إيصال المنتج بجودة كبيرة ومواعيد سريعة، بالإضافة إلى أنها توفر خدمة التسوق والرد على الاستفسارات باللغة العربية”.
من الخليج إلى أمريكا
شارع فوزي باشا هو واحد فقط من عدة مناطق باتت تعرف كمركز مهم لبيع ملابس المحجبات، ومنها منطقة “لالالي” المجاورة لمنطقة بايزيد وجامعة إسطنبول التاريخية، التي تتداخل مع السوق المسقوف (السوق المصري)، إلى جانب مناطق “عثمان بي” و”نيشان تاشي”، وغيرها الكثير من المناطق التي باتت وجهة للمواطنين والسياح على حد سواء.
الفلسطينية آية، عروس مقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية، جاءت إلى إسطنبول من أجل التحضير لحفل زفافها، تقول: “جئت إلى إسطنبول من أجل شراء فستان زفاف محتشم، ولكن بشرط أن يكون عصرياً وجميلاً، لقد سحرتني الكثير من الفساتين أعمل على اختيار أحدها”، تتابع: “أحببت فساتين الزفاف المخصصة للمحجبات التي تميزت بالتطريز العثماني وجودة خاماتها، وبالتحديد تكامل الفستان ذي الأكمام مع الحجاب فهي تناسب الحفلات المختلطة في أمريكا، فهذه الخيارات غير متوفرة في أمريكا”.
أما تاجر الألبسة أحمد يونس الذي جاء خصيصاً من فلسطين من أجل جلب الأزياء التركية التي تميزت بالفخامة والتطريز، يوضح أن: “يوجد إقبال ملحوظ من قِبل الفلسطينيات المحجبات لتراث زي التركيات اللاتي ظهرن بالتحديد في مسلسل حريم السلطان بارتدائها في حافلات الأعراس كنوع من التغيير، مثل القفطان والملابس العثمانية التي ترديها نساء القصور وتتميز باعتمادها على الحرير والمخمل والديباج باللون الأزرق والذهبي والأحمر”.
أسباب سياسية واجتماعية وثقافية
في العقدين الأخيرين، تطور قطاع ملابس المحجبات في تركيا بشكل كبير، ودخل مرحلة جديدة من التطوير والانتقال من المحلية إلى العالمية، ولقد ساهم في ذلك بشكل أساسي تطوير هذه الصناعة التي انتقلت من المعامل الصغيرة إلى الشركات الكبرى وباتت تحمل أسماء علامات تجارية وصلت إلى العالمية.
وعلى المستوى السياسي، ساهم وصول حزب العدالة والتنمية المحافظ إلى الحكم في تركيا عام 2003 في إعطاء زخم كبير لهذا القطاع، وذلك من خلال التحولات السياسية والاجتماعية الكبيرة التي شهدتها تركيا في ذلك الوقت لا سيما القرارات التشريعية والإجرائية المتلاحقة التي أعادت الحريات إلى كل شرائح المجتمع لا سيما المحجبات اللاتي منعن لسنوات طويلة من دخول مؤسسات الدولة المختلفة بالحجاب.
وبات مشهد زوجات الرؤساء ورؤساء الوزراء والوزراء الأتراك المحجبات وهن يرتدين الحجاب بأزياء عصرية راقية ملهماً لشريحة واسعة من الفتيات التركيات، قبل أن يتحول ذلك إلى مصدر إلهام للكثير من الشخصيات والفتيات من كل المستويات حول العالم.
تجارياً، جرى تطوير هذا القطاع بشكل كبير، وباتت تنظم له حملات دعائية على مستوى عالمي ومعارض وعرض أزياء يشارك فيها كل العاملين والمهتمين بقطاع ملابس المحجبات من جميع أنحاء العالم، وباتت إسطنبول بمثابة مركز عالمي للموضة وأزياء المحجبات يرتادها المهتمون من كل أصقاع الأرض.
في البداية، كانت الفتيات التركيات المحجبات الهدف الأول لصناع ملابس المحجبات في دولة يصل عدد سكانها إلى 82 مليون نسمة أكثر من 99% منه مسلمون ويتكون من شريحة واسعة من المحافظين الذين لا يزالون يتمسكون بالملابس الشرعية والحجاب، قبل أن يتوسع القطاع ليستهدف ملايين الأتراك الذين يعيشون في أوروبا لتلبية احتياجاتهم من الملابس المحتشمة، بعد أن عانت الفتيات التركيات في أوروبا من عدم وجود معارض أزياء تلبي احتياجاتهن، وبدأ الانتشار في ألمانيا حيث يعيش قرابة 4 مليون من أصول تركية هناك، قبل أن يمتد إلى باقي دول القارة الأوروبية.
وفي مرحلة لاحقة، باتت ملابس المحجبات التركية الخيار الأول للمسلمين في أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبالتزامن مع ذلك، كانت الملابس التركية تنتشر في العالم العربي على أوسع نطاق بعد أن وصلت إليه من خلال المسلسلات التركية التي تُرجمت إلى كل لغات العالم لا سيما العربية، وسيطرة على سوق المسلسلات والدراما في العالم العربي، إذ عرضت هذه المسلسلات أحدث صرعات الموضة التركية التي باتت الخيار الأول للفتاة العربية.
بالتزامن مع ذلك، كان ملايين العرب قد وصلوا إلى تركيا ما بين قرابة 4 مليون لاجئ سوري، ومئات الآلاف من اللاجئين من العراق واليمن ومصر، وغيرها من البلدان العربية، إلى جانب أعداد كبيرة من المقيمين العرب بهدف السياحة والعمل، وهو ما زاد من ارتباط المجتمعات العربية من تركيا ثقافياً واجتماعياً، يضاف إلى كل ذلك قرابة 45 مليون سائح يصلون إلى تركيا سنوياً من كل أنحاء العالم.
التسوق الإلكتروني
تطوُّر هذا القطاع في تركيا لم يجد له حدود، فتنوع من تسجيل ماركات كبرى على مستوى عالمي إلى افتتاح فروع خاصة بملابس المحجبات في أكبر المراكز التجارية في تركيا وأرقاها، وصولاً إلى افتتاح مراكز تجارية خاصة بالمحجبات، وليس انتهاءً باقتحام مجال التسوق الإلكتروني الذي حققت فيه نجاحاً باهراً.
ومن أبرز الماركات التركية التي ازدهرت في قطاع ملابس المحجبات (Armine ،Zühre ،Tuğba Venn ،Tekbir Kayra ،Kayra ،Setrems ، Alvina ،Nihan)، وتقوم بصناعة ملابس المحجبات من القميص والجاكيت والسراويل الواسعة والجلباب التركي إلى الأوشحة والشلات وصولاً إلى فساتين السهرة والزفاف وغيرها، وليس انتهاءً بملابس السباحة المحتشمة.
والعام الماضي، افتتح في مدينة إسطنبول التركية، مول Zeruj Port التجاري المخصص للنساء المحجبات، ويعد الأول من نوعه في العالم. إذ يقع هذا المول في قضاء زيتن بورنو في القسم الأوروبي من إسطنبول، ويضم المركز 126 محلاً تجارياً، ويحتوي على ملابس النساء والأطفال فقط.
وإلى جانب ذلك، كان في التسويق الإلكتروني مساحة واسعة لعشاق ملابس المحجبات في تركيا حول العالم، ولتلبية طلباتهم عملت الشركات التركية العاملة في هذا القطاع على تطوير مواقع تسويق خاصة بها على الإنترنت.
ولعل أبرز المواقع التي اشتهرت داخل تركيا وخارجها موقع Modanisa (موضة النساء) إحدى العلامات التجارية التابعة لشركة (TESETTUR) تستّر، أي محجب وكامل بالتركية، وهي المتخصصة في مجال ملابس المحجبات، ويتيح فرصة الشراء عبر الإنترنت بلغات مختلفة بينها العربية، وتصدر الشركة مجلات دورية خاصة بعرض أحدث صرعات موضة المحجبات، كما تقيم الشركة سنوياً ما بات يعرف بـ”أسبوع الموضة” الذي يشارك فيه المهتمون من كل أنحاء العالم.
وعلى نطاق مشابه، توجد مواقع كبرى منها “Fulyan ،SefaMerve ،Modamerve ،Modavina”، وغيرها الكثير من المواقع التي يزورها ملايين المشترين شهرياً، وتشير إحصائيات تركية إلى أن التسوق عبر الإنترنت بات يستحوذ على 50% من سوق مبيعات الملابس في البلاد.
إحصاءات رسمية
هذا الاكتساح الهائل لقطاع ملابس المحجبات التركي دفع شركات الألبسة العالمية الكبرى لمحاولة أخذ حصتها من هذا السوق الذي تقدر قيمته بنصف ترليون دولار سنوياً على المستوى العالمي، وباتت شركات عالمية تفرد جانباً من صناعاتها وترويجها موجهاً إلى المحجبات، وعلى الرغم من ذلك، تشير إحصائيات وزارة التجارة التركية إلى أن الملابس المحلية لا تزال الخيار الأول للسوق التركي الداخلي، وأن واردات تركيا من الملابس لا تقارَن بحجم استهلاك السوق الداخلي.
وحسب الأرقام الصادرة عن وزارة التجارة التركية، فقد ارتفعت صادرات تركيا في قطاع الملابس الجاهزة بشكل لافت في السنوات الأخيرة، وسجلت صادرات عام 2017 أكثر من 17 مليار دولار، بينما وصلت صادرات الملابس الجاهزة عام 2018 إلى 17.6 مليار دولار بارتفاع بلغ 3.6% عن العام الذي سبقه، وفي حين لم تصدر بعد الأرقام النهائية لصادرات عام 2019 فإن بيانات النصف الأول من العام تشير إلى ارتفاع أكبر في هذه الأرقام. كما تكشف الإحصائيات الرسمية عن أن المنسوجات والملابس التركية بشكل عام وصلت إلى 175 دولة حول العالم.
ولا تزال دول الاتحاد الأوروبي تعتبر بمثابة السوق الأول للملابس التركية، بعد السوق الداخلي، إذ حاز الاتحاد 70% من صادرات الملابس التركية عام 2018، فيما جاءت دول الشرق الأوسط بالمرتبة الثانية بقرابة 10%، ثم الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 4%، والدول الإفريقية أيضاً قرابة 4%.
وعلى صعيد الدول، احتلت ألمانيا المرتبة الأولى في صادرات الألبسة التركية، تليها بالترتيب إسبانيا وإنجلترا وهولندا وفرنسا، فيما حلت العراق الأولى عربياً والسادسة عالمياً، تليها الولايات المتحدة وإيطاليا والدنمارك، كما شهدت بعض الدول ارتفاعاً متسارعاً في نسبة استيرادها للملابس التركية كان أبرزها عدد من الدول العربية وهي ليبيا ومصر وقطر.
.
نجحت السلطات التركية، ممثلة بجهاز المخابرات الوطنية (MİT) ومديرية الأمن، في تنفيذ عملية سرية…
حذّر أخصائي جراحة الفم والأسنان والوجه، البروفيسور بيركان طه أوزكان، من خطورة الاستخدام غير الواعي…
يُعتبر الموز خيارًا شائعًا وسريعًا لدى الكثيرين كوجبة خفيفة أو إفطار، إلا أن الدكتور داريل…
توفيت طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات في أنقرة بعد ادعاء سقوطها من السرير، في…
في تصريحات هامة حول الوضع في الشرق الأوسط، أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، على…
أعلن رئيس منصة تجار التبغ في تركيا، أوزغور أيباش، عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن زيادة…
هذا الموقع يستعمل ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربة استخدامك.