عكست التجاذبات الأخيرة بين روسيا وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” جانبا من النقاط الخلافية، التي طفت على السطح مؤخرا، بعد العودة الأمريكية إلى الملف السوري مجددا، من خلال العملية السياسية.
والجمعة الماضي، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قد اتهم “قسد” بإطلاق سراح عناصر من تنظيم الدولة لقاء سعر معين، الأمر الذي انتقدته “قسد”، واصفة في بيان التقارير التي اطلع عليها لافروف بأنها غير دقيقة، مضيفة: “نجحنا في إدارة هذا الملف بما يحافظ على الأمن والسلم الدوليين”.
وأتت الاتهامات الروسية، بعد يومين من قيام “قسد” بمنع القوات الروسية من إنشاء قاعدة عسكرية في ريف الحسكة الشمالي، بتعليمات أمريكية، وفق وكالة “الأناضول” التركية.
وأوضحت الوكالة، أن “قسد” منعت قافلة روسية مؤلفة من 60 آلية عسكرية من إنشاء قاعدة عسكرية لها بالقرب من حقول “رميلان” للنفط شمال الحسكة، التي تتمركز فيها القوات الأمريكية، مؤكدة أن القافلة الروسية عادت إلى موقع تمركزها في مطار القامشلي العسكري شمال الحسكة.
استياء من “قسد”
من جانبه، أثار الخبير بالشأن الكردي، الدكتور فريد سعدون، في حديثه لـ”عربي21″، عددا من النقاط الخلافية المستجدة التي تدفع بالعلاقة بين روسيا و”قسد” إلى مزيد من التأزم.
وقال إن “على رأس هذه النقاط الخلافية، خشية قسد من أن تكون ثمنا لصفقة جديدة تحاول روسيا التوصل إليها، بين كل من تركيا وحكومة دمشق”.
وأضاف سعدون، أن اللقاء الأمني الأخير الذي جمع بين رئيس جهاز الاستخبارات التركي، هاكان فيدان، وعلي مملوك، أثار استياء “قسد”، ومخاوفها من إمكانية إعادة صياغة جديدة لاتفاقية أضنة المبرمة عام 1989، بشأن حزب العمال الكردستاني.
وبحسب الخبير بالشأن الكردي، فإن أي تقارب بين الأسد وتركيا، سينعكس سلبا على “قسد”، وخصوصا أن روسيا دعت في وقت سابق إلى تفعيل “اتفاقية أضنة” التي هي أساسا اتفاقية موجهة ضد “حزب العمال الكردستاني”.
وأوضح أن تفعيل المبادرة يعني إعلان حرب من روسيا وتركيا والأسد على “قسد” ومشروعها “الإدارة الذاتية”، لأن الاتفاقية تنص على السماح لتركيا بالتوغل داخل الشريط الحدودي مع سوريا كاملاً.
فشل المحادثات مع الأسد
من جانبه، أشار مصدر مقرب من “الإدارة الذاتية”، في حديثه لـ”عربي21″، إلى أن “قسد” ما زالت ترى أن روسيا لم تقم بدورها المطلوب، من خلال الضغط على النظام السوري لتقديم تنازلات في سبيل إنجاح المحادثات معها.
وقال طالبا عدم الكشف عن اسمه، إن “من الواضح أن ما يهم روسيا النفط والثروات الأخرى، وموسكو تريد من “قسد” تسليمها كل ذلك، دون أن تعطي الأكراد أي مقابل، سياسي أو عسكري”.
وبحسب المصدر، فإن “قسد” اضطرت في وقت سابق مع إعلان الإدارة الأمريكية عزمها على سحب قوات بلادها من سوريا إلى تقديم تنازلات للروس، غير أن عدول ترامب عن قراره ذلك، أعاد لـ”قسد” القوة مجددا.
ولا يعتقد المصدر أن “قسد” ستكون قابلة لتقديم تنازلات أكثر للنظام روسيا، ما لم تحصل على تعهدات من الجانبين، من قبيل الاعتراف بشرعيتها طرفا له حضور فعال في العملية السياسية السورية.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، رعت روسيا اتفاقا بين النظام السوري و”قسد”، ينص على انتشار قوات الأول في شمال شرق سوريا، منعا لتقدم تركي لتلك المناطق، بعد إطلاق أنقرة عملية “نبع السلام”.
“قسد” حذرة
وفي سياق متصل، أشار المصدر المقرب من “الإدارة الذاتية”، إلى أن “قسد” تنظر بحذر للمليشيات التي شرعت روسيا بتشكيلها الشهر الماضي في شرق الفرات.
وكانت مصادر متعددة أكدت أن روسيا بدأت في إنشاء مليشيات جديدة في كل من تل تمر وعين عيسى وعامودا والدرباسية بشكل مبدئي، وتدريبهم ضمن معسكرات خاصة بقوات الاحتلال الروسي كمعسكر مطار القامشلي ومعسكر اللواء 93 القريب من بلدة عين عيسى، وستمنحهم رواتب تصل إلى 150 دولارا شهريا مع صلاحيات خاصة ضمن المنطقة التي سيعملون فيها.
وعقّب المصدر، من الواضح أن روسيا تعد العدة لاستبدال “قسد” بمليشيات موالية لها، في إعادة لتجربة “الفيلق الخامس” في الجنوب السوري، وهذا ما يقلق “قسد” ويعقد حساباتها في علاقتها مع روسيا.
وأكد أن روسيا تتطلع في أحسن الأحوال إلى دمج “قسد” بجيش النظام السوري، دون ضمان أي خصوصية قومية للقوات الكردية، ما يجعل الأخيرة عرضة لخسارة كاملة لكل الإنجازات العسكرية التي تحققت بفعل محاربة تنظيم الدولة.
روسيا تضغط
بدوره، أوضح المسؤول في منصة “INT” الإخبارية جوان رمو، أن زيادة الضغوط الروسية الممارسة على “قسد”، في سبيل إمداد النظام السوري بالنفط، واعتراض الولايات المتحدة على ذلك، أسهم في تأزيم العلاقة الثنائية بين روسيا و”قسد”.
وأضاف أن لدى روسيا العديد من الأوراق للضغط على “قسد”، وفي مقدمتها تركيا التي تتربص بـ”قسد”.
ومشاطرا رمو في الرأي، قال الكاتب الصحفي والناشط السياسي، درويش خليفة، إن روسيا تتعامل مع “قسد” كما تعاملت سابقا مع فصائل الجنوب السوري، حيث تريد موسكو امتثال “قسد” بشكل كامل لأوامرها، وإلا تركتها فريسة لتركيا.
ورأى أن السياسة الروسية هذه كانت قابلة للتطبيق لو كانت الولايات المتحدة انسحبت فعلا، مضيفا أن “قسد اليوم بوضع مختلف، وهي على تنسيق جيد مع “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن”.
وفي هذا الصدد، أشار خليفة إلى ما يجري من حراك سياسي أمريكي لإشراك “قسد” في مؤتمر “القاهرة3″، وجعلها طرفا مشاركا في “منصة القاهرة” للمعارضة السورية.
وكان جمال سليمان، رئيس “منصة القاهرة” للمعارضة السوري، قد أكد قبل يومين، أن المؤتمر سيرسل دعوات إلى القوى السياسية الكردية لتمثيل الكرد في المؤتمر.
فيما أعلن رياض درار الرئيس المشترك لـ”مجلس سوريا الديمقراطية- مسد”، مشاركة المجلس في اللجنة التحضيرية لمؤتمر “القاهرة3”.
وأوضح درار في تصريح صحفي، أنهم من الداعين وليسوا من المدعوين إلى المؤتمر، لأنهم من اللجنة التحضيرية له.
لحظة اختبار
وبسؤاله عن مستقبل العلاقة بين “قسد” وروسيا، قال خليفة إن العلاقة بينهما تمر في لحظة اختبار، غير أن من المستبعد أن تذهب إلى القطيعة، نظرا للمصلحة المتبادلة لكليهما.
وأوضح أن روسيا التي ترى نفسها لاعبا أساسيا في سوريا، تحرص على إبقاء العلاقة مع كل الأطراف السورية، و”قسد” على وجه الخصوص.
وتابع بأن الاستراتيجية الروسية حريصة على عدم قطع العلاقة مع أي قوى سياسية كانت أم عسكرية متواجدة في الجغرافيا السورية، وذلك مراعاة للمصالح الروسية.
وقال: “لن تغامر روسيا بإيصال علاقتها مع “قسد” إلى القطيعة، لأن من شأن ذلك تقوية موقف الولايات المتحدة في سوريا”.
توتر مرحلي
ومجيبا على السؤال ذاته، حول مستقبل العلاقة بين روسيا و”قسد”، رأى الخبير بالشأن الكردي، فريد سعدون، أن العلاقة بينهما لن تذهب إلى القطيعة، بل إلى توتر محدود ومرحلي
وأضاف أن تعزيز روسيا لتواجدها العسكري في شمال شرق سوريا، يجعلها رقما صعبا لا يمكن لـ”قسد” أو أي طرف آخر تجاهله.
وبحسب سعدون، فإن مشاركة “قسد” في أي حل سياسي يحتاج إلى موافقة ودعم روسيا، وهذا ما يحتم على “قسد” أن لا تتجاوز بخلافاتها مع روسيا حدودا معينة.
.
المصدر/ arabi21