حين قراءة هذه المقال يمكنكم معرفة النقاشات التي تُدار في برلين وكذا النتائج المنبثقة عنها. ولذلك فإن ما سأكتبه سيحمل معنى أكثر بالنسبة لكم. لقد تم كتابة الكثير حتى هذه الوقت، عن الاتفاقية التي تم التوقيع عليها بين تركيا، وحكومة الوفاق الوطنية الشرعية في ليبيا، بدءًا من التقييمات الأكاديمية، والخطابات الشعبية، وكذا السياسية أيضًا. وأخيرًا سيتم وضع كل شيء على الطاولة في برلين.
من الممكن أن تكتسب النقاشات حرارة أكبر، حول الحديث عن تلك الاتفاقية التي زادت من نوع التحركات في المتوسط، وجعلت تركيا تقوم بالدور الرئيسي في تحالف نحو تحقيق السلام في المنطقة. إلا أنه وعلى الرغم من تحركات قوى خارجية ضد تركيا، وبينما المتوقع من الأكاديميين والكتّاب واصحاب الكلمات أن يردّوا على تلك التحركات بالجواب المناسب؛ فإن بعضهم على العكس تمامًا، يبدون وكأنهم باتوا المتحدث الرسمي باسم تحالف من نوع آخر؛ تحالف الشر.
حين الحديث عن تطور كبير من هذا النوع، فإن وجود انتقادات أو حديث عن مخاطر وتهديدات يبدو أمرًا ممكنًا، إلا أن تقويض المبادرات التي من شأنها أن تفتح أفق بلدك، والشروع بقصد أو دون قصد بأن تكون الناطق الرسمي باسم القوى الخارجية؛ إن لم يكن خيانة، فهو غفلة.
هناك البعض ممّن يتعاون مع الإعلام الغربي ويدلي لهم بتصريحات أقل ما يمكن وصفها بالمدمّرة، ولا يكفي ذلك بل هناك ما لا يمكن فهمه على الإطلاق؛ كأن يقوم أحدهم وهو نائب في البرلمان التركي، ويمسك قلمه ليكتب عمّا يقوم به بلده من نجاحات ويصفه بـ “مجاوزة الحدّ”.
للأسف، إن أحد أصحاب هذه الاضطراب، والذي استخدم في مقاله لـ يورو نيوز، مفردات “السلام، القوة الناعمة والاستمرارية”، أو بالأحرى ما حاول أن يغطي عليه في مقاله؛ هو النائب في البرلمان، أونال تشفيق غوز. يبدو أنه نسي هذه المصطلحات والمفاهيم التي تعلمها أصلًا من أجل أن يحمي بلده ويذود عنه، ليتحول إلى انعكاس للغة اللوبيات التي تعمل ضد تركيا. حتى ولو نسينا نحن، فإن التاريخ حتمًا سيحاكم أمثال هؤلاء.
لا ينبغي لأحد أن يستلخص أي نتاج سياسي من هذه مقالتي، إنني أتحدث انطلاقًا من موقف وهوية. حثي الحديث عن المسألة الليبية لا يمكن لأحد أن يتحدث عن حياد أو منقطة رمادية، ففي مثل هذه الأمور، إما أن تكون في صف بلدك أو ضده.
إنني أتساءل، هل يقوم أعضاء مجلسنا اليوم يا ترى، بالاطلاع على ألبومات البرلمانيين السابقين الموجودة في مكتبتهم، أو مواقفهم أو حتى سيرهم الذاتية الموجودة في الأرشيف؟.
لو أنهم لا يطلعون عليها، فأنا أذكّرهم إذن. هؤلاء البرلمانيون عليهم أن يطلعوا على حكايات أسلافهم البرلمانيين من الحزب ذاته. ما الذي قالوه، وما الذي كتبوه.
على سبيل المثال هل سمعتم بـ عزيز سميح إلتر؟
هذا الرجل صاحب القلب الكبير، كان نائبًا برلمانيًّا في الحقبة السادسة والسابعة والثامنة للبرلمان التركي، ولقد كان في خدمة الدولة بكل ما يملكه. لم يدخل المجلس بالطبع من قبيل الصدفة أو الحظ، أو عبر التوصيات المستترة والدعوات البروتوكولية، بل دخل المجلس البرلماني بعد أن خدم الدولة العثمانية بكل منطقة رفعت رايتها فيها، وصولًا للحرب العالمية الأولى وتأسيس تركيا ومجلسها البرلماني. لم يكتف بذلك فحسب، بل ساهم بدعم بلده عبر كتبه التي كان يكتبها، كما خلف من بعده الموارد العليمة المؤهلة للأجيال اللاحقة.
اسمحوا لي أن أذكّر أولئك الذين ينظرون لليبيا على أنها صحراء، وينظرون للعلاقات التركية معها من مصادر الخرائط الأجنبية؛ اسمحوا لي بتذكيرهم بكتاب “الأتراك في شمال إفريقيا”، للسيد عزيز سميح الذي يعتبر واحدًا من قامات الأعلام الأكاديمية. نشر هذا الكتاب حينما كان نائبًا برلمانيًّا عن حزب الشعب الجمهوري، عام 1934، حينما كانت تحكم تركيا حقبة الحزب الواحد، واليوم يعتبر الكتاب واحدًا من المصادر الأصلية للأطروحات والأبحاث التي تُكتب اليوم في تركيا. ربما غاب هذا الكتاب عن نظر البرلماني تشفيق غوز، لأنه مكتوب باللغة التركية، على الرغم من الاعتماد عليه كمصدر حتى من قبل الباحثين الأجانب على اختلاف لغاتهم، في النهاية هذا الكتاب يوضح بشكل مباشر ومفصل الدور التركي في ليبيا اليوم. السيد عزيز سميح، حينما تناول الجود التركي في شمال إفريقيا، من خلال المخطوطات العثمانية والمصادر الغربية، كان وكأنه يشير إلى ما يجري اليوم كي نتنّبه إلى مسؤوليتنا تجاه ذلك.
إنني أنصح السيد تشفيق غوز، بقراءة جميع أعمال عزيز سميح ومذكراته، لا سيما بصفته رئيسًا للجنة الحدود العثمانية-الإيرانية آنذاك. انظروا ماذا يقول السيد عزيز سميح لأولئك الذين يريدون رسم الخريطة على أساس حدود جنوب بايزيد-المحمرة آنذاك.
كانوا يقولون “حينما تذهب لجنتنا المكلفة إلى الحدود، فإن كل طرف من الطرفين سيصر على ما يريده، وحينها ستبدأ المفاوضات وقد تستمر لسنوات”. وهنا يخرج عزيز سميح ليقول كلمات تبدو وكأنها ترس ملامح ما يحدث الآن من تطورات في البحر المتوسط: “نحن كنّا سنقوم بترسيم الحدود مع إيران، وستكون حكومة كلّ من روسيا وبريطانيا حاضرة معنا بصفة مراقب أو حكم. إلا أننا لم نقم بدعوة هاتين الحكومتين لمهمة التحكيم، وكذلك إيران لم تبد رغبتها في ذلك. إضافة إلى أن روسيا وبريطانيا قامتا بتقسيم إيران إلى منطقتي نفوذ شمالًا وجنوبًا..”. (علي مراد كرشون – ذكريات من الحدود العثمانية-الإيرانية – منشورات أورداف – إسطنبول 2014).
بينما هناك الآخرون في ليبيا، وبينما إسرائيل واليونان والاتحاد الأوروبي يريدون الوقوف بوجه تركيا؛ فإنني أخاطب أولئك الذين يتساءلون: ماذا نفعل في ليبيا؟؛ لو أنكم لا تفهمون شيئًا من ذكريات رجل يذهب إلى الحرب وكأنه ذاهب إلى عرس، يحكي أنه قد ركض لمسافة 3600 كيلومتر على مدار 10 شهور من أجل شرف الدفاع عن الوطن؛ لو أنكم لا تفهون شيئًا من ذلك فلن تفلحوا أبدًا.
ستكونون في وادٍ وتركيا في وادٍ آخر.
.
بواسطة / زكريا كارسون