المؤتمر الذي تم عقده في برلين من أجل العثور على حل لإنهاء الاقتتال الداخلي في ليبيا، يبدو أن تطبيق القرارات التي تم اتخاذها بصدده تحفها عوائق عديدة في الواقع.
وللأسف، ليس هذه العوائق نابعة من الداخل فحسب لتبدو مثل داء الغرغرينا، بل هي نابعة أيضًا من الخارج؛ أي من دول كبرى حضرت ذلك المؤتمر. إن اعتبار حفتر الذي تربى ونشأ على يد الولايات المتحدة شريكًا بحدّ ذاته مع انعدام مقابل على صعيد التوازنات الداخلية؛ يظهر بدوره إلى أي مدى الحل هو بعيد عن التطبيق. وإن المواد الـ55 التي تشكلت منها القرارات، قد ركزت بدورها على الحد من التأثيرات الخارجية أكثر من تركيزها على التوازنات الداخلية، وهذا بدوره يظهر حجم هذه الأزمة.
لم يستطع مؤتمر برلين أن يتهرب من تقديم صورة تجسد النفاق الكلاسيكي للدبلوماسية الغربية. أليس شيئًا غريبًا أن أولئك الذين يدعمون الأطراف في ليبيا، هم أنفسهم الذين يدعون إلى قطع هذا الدعم؟.
هل هناك دولة شرق أوسطية وإفريقية تقوم بتصنيع التجهيزات التي يستعرضها حفتر وقواته، بدءًا من الزي العسكري حتى أنظمة السلاح الجوي المتعددة؟ نعم، من الظاهر أن تلك التجهيزات وهذا الدعم تنطلق من عدة دول بالمنطقة على رأسها دولة الإمارات، أما بأي المخازن ومخازن من مسجلة؟ فإن الجواب على ذلك على الرغم من كونه معلومًا لدى الجميع، لكن لا مشكلة من طرحه على أولئك الذين يدعون إلى قطع الدعم عن الأطراف.
ما هو النظام الذي تقترحونه في ليبيا؟ هل الديمقراطية التي أنتجتموها في بلدانكم وزعمتم ان العقل البشري لن يجد مثيلًا لها، أم الديكتاتورية التي قمتم بدعمها بعد إخماد الربيع العربي؟ لا شك ان جوابكم على هذا السؤال سيكون نتاج نفاقكم المعروف. ستزعمون ان هدفكم هو الديمقراطية، لكنكم في الوقت ذاته ستسمرون في تقديم الدعم لحفتر. سوف تتحدثون عن حقوق الإنسان، إلا أنكم في الواقع ستكتفون بدور المتفرج على تراجيديا إنسانية جديدة في طرابلس ومصراتة، على غرار ما يحدث في إدلب.
تمامًا كما الحال في الماضي
لا ينبغي لأحد أن يخدع أي أحد. نعم إن العقل الغربي الذي قام بتطوير الديمقراطية، يتناسى كل قيمه حينما الأمر يتعلق بالشرق. تمامًا كما نسيت او تناست فرنسا كل القيم والمبادئ بمجرد عبورها البحر المتوسط نحو الجهة الأخرى، حين احتلالها الجزائر سنة 1830. في الحقيقة إن الغرب لا يرى الديمقراطية مناسبة للغرب على الإطلاق.
إن الاستعمار ليس موقفًا إنسانيًّا. بل هو سلوك يتعارض مع الطبيعة البشرية بغض النظر عن العرق والثقافة والدين. ومع ذلك يحاول الغرب عبر الرفاهية التي يوفرها أن يصور الاستعمار على أنه أمر مستحب وثقافة وراثية. ولا يبدو تخلص الغرب من هذا الدم والجينات السيئة أمرًا ممكنًا. لكن بالمقابل، تركيا لا تكون دولة استعمار مهما امتلكت من قوة أيًّا كانت. الدولة العثمانية حكمت ثلاث قارات على مدار عصور ولم تكن دولة استعمارية، والآن تركيا لا تقبل أن تكون استعمارية، لماذا يا ترى؟ الجواب على هذا كامن فيما يجري الآن.
اسمحوا لي أن أوضح القضية من خلال شاهدين أو موقفين:
بعد مؤتمر برلين 1878 والذي فتح باب مشاركة الأراضي العثمانية، تحولت أعين الغرب إلى أفريقيا العثمانية. عمدت إنجلترا التي كانت تطمع في مصر، إلى تشجيع الخديوي على توسيع نفوذه من خلال سيطرته على أراضي الدولة العثمانية في إفريقيا.
نششأت مطالبات تختبئ تحت مسمى الأمن والاستقرار، تطالب بنقل إدارة سواحل الصومال من الدولة العثمانية إلى مصر. وتحولت القضية إلى رأس أجندة كل من الدولة العثمانية وإنجلترا، ودارت بينهما مفاوضات عديدة في إسطنبول حول ذلك. كانت الدولة العثمانية تعي حجم خطورة الأمر. حيث كانت تعتقد ضرورة أن تخفق الراية العثمانية فوق أراضي الصومال.
هناك اجتماع لمجلس شورى الدولة العثمانية عام 1880 تحول من جلسة نقاش إلى تقرير مفصّل؛ ولقد تطرق إلى عدم كون الدولة العثمانية دولة استعمار على غرار ما كان يجري آنذاك من عدة دول. الاجتماع الذي كان يسوده عقل الدولة، تطرق أيضًا لمناقشة توفير حلول في سواحل الصومال، كي تظل الراية العثمانية خافقة هناك، ومن جهة اخرى كان الحديث يدور عن الضريبة التي هي من حق كل دولة ذات سيادة. وفي هذه النقطة الأخيرة، يتجلى الموقف الإنساني الذي جسدته الدولة العثمانية، حيث أصرت على تعليق تحصيل الضرائب إلى أن تتحسن الأوضاع التجارية في المنطقة. هذه الوثيقة المحفوظة في الأرشيف العثماني كافية في الحقيقة لشرح سبب الوجود العثماني في إفريقيا.
على النقيض من ذلك، وبعد 4 سنوات فقط من ذلك الاجتماع، استعرض خطاب الدعوة الموجه من رئيس الوزراء الألماني بيسمارك، الذي دعا بدوره الزعماء الأوروبيين لاجتماع مشاركة الأراضي الإفريقية في برلين؛ استعرض الوراثة الاستعمارية لدى الغرب. ينص الخطاب على أن أجندة الاجتماع كانت هي مصالح التجارة الأوروبية، وتوفير التحرك الآمن للمبشرين في إفريقيا، وبالطبع تحضير الأفارقة وتمدينهم!. في الواقع كان ذلك الاجتماع عبارة عن بدء تاريخ ابتلاع القارة الإفريقية من قبل الغرب عبر توحيد كل قواهم، ليتشاركوها سوية.
لنذكّر أولئك الذين يتساءلون؛ ما شأن تركيا في المنطقة؟
لا يمكن فهم قضية ليبيا دون قراءة القرارات المكونة من 55 مادة التي تم اتخاذها في مؤتمر برلين الأخير؛ في ضوء مؤتمري برلين الأول والثاني عبر التاريخ.
.
عرض التعليقات
تركيا العثمانية ليست تركيا العلمانية .
الدولة العثمانية بلفعل ليست إحتلال لكن كانت ذات قيم ومبادئ.
ليست دولة أتاتورك الذى كان أحد الأسباب للقضاء عليها .
لكن إذا كان نجح نجم الدين أربكان لإستعادة تركيا كدولة إسلامية كان الوضع الأن إختلف وكان لتركيا الأن جمهور وشعبية باعتبارها قائد .
يجب أن تتخلي تركيا ورئيسها عن أحلام وخرافات استعادة الدولة العثمانية وان يتواضعوا ويعلموا ان الدول العربية والإسلامية وشعوبها لن تسمح باستعمارها ابدا وان اردوغان زعيم تنظيم الإخوان المجرمين لن يستطيع أن يسيطر علي شارع في الجزائر او القاهرة او ليبيا او اي مكان آخر لان شعوب هذه الدول نار لا يستطيع أن يتحملها وسوف تنتهي هذه الأحلام باحتلال تركيا نفسها وليقرا اردوغان التاريخ جيدا او انه يعتقد أن مئات الإخوان المجرمين الهاربين الي تركيا من هذه الدول يشبهون الشعوب العربية وذلك وهم كبير لا يوجد إلا في رأس اردوغان نفسه لذلك أحذر اردوغان لا تقترب من النار والا احرقناك انت وتركيا ويكفيك إدارة بيوت الدعارة المرخصة ورعاية المثليين جنسيا وانت ناجح في هذا لكن الغاز ليس لديك المؤهلات لموضوع الغاز والنفط لان السيسي علم عليك وأصبحت مضحكة بين الأمم
تحيا مصر ويحيا السيسي ناكح اردوغان وتنظيم الإخوان المجرمين خونة الأوطان وتجار الدين
يا عبد السيسي عشت عبد لمبارك ولازلت عبد السيسي..... كلهم عبيد كراسي وخدم مطيعون .