اليوم يكمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جدول أعماله في الجزائر، ليتوجه بعد ذلك إلى غامبيا. ومن ثمّ يختتم هذه الرحلة بزيارة إلى السنغال، وبذلك يكون قد أجرى جولة إفريقية لثلاث دول، الشيء الذي يكاد قد أصبح قاعدة في جولاته الإفريقية التي لا تقل عن زيارة 3 دول.
كان آخر زيارة أجراها للجزائر، قبل عامين في مارس/آذار، وقد زار حينها السنغال أيضًا، كما زار مالي ومريتانيا في جولة ضمت 4 دول إفريقية. وفي هذه الجولة إضافة للجزائر والسنغال، فإنه سيزور للمر الأولى دول غامبيا، في زيارة تعتبر الأولى منه نوعها لرئيس تركي يزور هذه الدولة الإفريقية.
كما تحدثنا سابقًا، فإن كل زيارة يجريها الرئيس أردوغان إلى أي دولة، فإنها ينظم خلال تلك الزيارة منتدى للأعمال يتناول خلاله الرؤى والدوافع التي ستقود العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى درجة أفضل.
وإن هذا النوع من الأعمال لا يمكن أن يتصف أصلًا بأنه يجلب الفائدة لصالح تركيا فقط دون الطرف الآخر. بل على العكس تمامًا، يجب أن يكون هناك مكاسب ثنائية بين كلا الطرفين، من أجل مواصلة العلاقات والحفاظ عليها. وهذه هي الرسالة الأهم لهذا النوع من المنتديات التجارية أو الاقتصادية. وإن هذا هو الفارق بين تركيا والدول الأخرى من حيث اهتمامها بالقارة الإفريقية في الماضي والحاضر؛ علاقة تركيا مع أي بلد تقوم بكل تأكيد على إكساب هذا البلد الفائدة ذاتها بنفس الدرجة.
وجود الجزائر في هذه الجولة الإفريقية، يكتسب أهميته من التغيرات التي طرات على البلد مؤخرًا، وموقعها المهم في المنطقة، إضافة إلى حجم التبادل التجاري بينها وبين تركيا.
من المعلوم أن احتجاجات ملات الساحة الجزائرية منذ إعلان الرئيس السابق بوتفليقة الذي يحكم البلاد منذ عام 1999؛ ترشحه للانتخابات للمرة الخامسة، مما أسفر عن تأجيل الانتخابات وتراجع بوتفليقة عن الترشح. وبالفعل بعد فترة من الوقت أجريت الاتنخابات الرئاسية، وتم انتخاب عبد المجيد تبون رئيسًا للجزائر، حيث حصل على 58 بالمئة من الجولة الأولى.
على الرغم من استمرار بعض الاحتجاجات في الجزائر، نظرًا لكون تبون شخصية محسوبة على النظام السابق، إلا أن هناك انتخابات قد تمت وقد جاء عبر نسبة قوية من الأصوات. وعلى الرغم من علاقته الجيدة بالطبقة الحاكمة في النظام السابق، إلا أن ذلك قد يعتبر فرصة مهمة للتوصل إلى حل وسط في المجتمع الجزائري. إنه إنجاز كبير ولا سيما على صعيد الدول العربية والإسلامية، حينما يتم تشكيل بيئة سياسية حرة من غير استبعاد تام لمطالب الشرائح الاجتماعية، ومن غير استبعاد أي أحد من المجال السياسي في الوقت ذاته.
للأسف، هناك العديد من الدول الإسلامية تبدو محرومة من أدنى درجات المصالحة، وحرية التعبير والمشارة السياسية. وإن الجزائر تعتبر بلدًا يواصل عمليته السياسية بنضج مهم في هذا الصدد. ويمكن القول أن هذا النضج له علاقة كبيرة في الحقيقة، بالدروس المستخلصة من التجارب المؤلمة التي عاشتها الجزائر في الماضي.
في الحقيقة، من المهم للغاية أن يتم الابتعاد عن عراقيل المصالة السياسية، التي يمكن أن تودي إلى صراع عنيف أو انقلاب ينهي البيئة السياسية بشكل كامل. نعم بالطبع، يمكن أن تخلق الحساسية إزاء ذلك، انتهازية تركز على نقطة الضعف من أجل فرض نظام استبدادي مختلف.
بغض النظر عما قيل ويقال، فإن الجزائر الآن تقطع خوات هامة في طريق الديمقراطية والوطنية. بالتأكيد ليس من الضروري أن يحدث كل شيء يصدر عن إحدى طرفي النزاع على حساب الطرف الاخر. بل المهم والضروري أن لا يتم تجاهل طرف من الأطراف، وأن يكون هناك حل وسط ونقطة التقاء. هناك العديد الأخبار تبعث الأمل في أن الرئيس الجزائري الجديد تبون، يسعى نحو رفع سقف جو هذه المصالحة والمشاركة السياسية، من قبيل إطلاق عفو عام وترتيبات سياسية جديدة.
لقد تابع الرئيس أردوغان جميع التطورات في الجزائر عن كثب، ولقد أبدى احترامه وتقديره الكبيرين لإرادة الشعب الجزائري وخياره، وحين الإعلان عن نتائج الانتخابات بادر بالاتصال بالرئيس المنتخب الجديد، ليكون أول رئيس يقوم بتهنئته.
يتمتع الجزائر بإمكانيات مهمة للغاية في شمال إفريقيا، من خلال جيوسياسته، وثروته البشرية والمادية. كما أنها تعتبر ثالث أغنى دولة في إفريقيا من حيث احتياطي النفط بعد ليبيا ونيجيريا، فضلًا عن أنها تملك أعلى احتياطي للغاز الطبيعي بعد نيجيريا. وتفوق جغرافيا الجزائر 3 أضعاف مساحة تركيا، بعدد نفوس 42 مليون نسمة، أي نصف عدد سكان تركيا.
بالطبع ليس هذا وحده هو أهم ثروة بالنسبة للجزائر. إن تمتعها بنسبة كبيرة من الشباب، يعتبر موردًا بشريًّا ضخمًا بالنسبة للجزائر، في حال تم إدارة ذلك بشكل صحيح. وإن وجود هذه النسبة الشبابية يعتبر مصدرًا وفيرًا لسوق العمل، فضلًا عن كونه فرصة كبيرة للغاية لإضفاء الطابع المؤسساتي التعليمي الجيد. وإن هذا بحد ذاته يعتبر أمرًا مهمًّا للغاية، يدعو بكل تأكيد لتقييمه على صعيد التعاون في مجال التعليم بين الجزائر وتركيا.
إن الشعب الجزائري يعتبر المثال الأكثر استثنائية من حيث الحفاظ على هويته وأصالته ضد الاستعمار، من خلال النضال والكفاح والمقاومة النبيلة.
لا يمكن تصور أي صعوبة يمكن أن تقف بوجه الدولة، حينما تكسب هذا الشعب بجانبها، وبمعنى آخر حينما تقف هي بجانب شعب من هذا النوع.
من ناحية أخرى، بالطبع هناك الملف الليبي أيضًا على جدول أعمال زيارة الجزائر. ويمكنني القول بأن انشغال الجزائر بالأزمة الداخلية لوقت طويل، قد ساهم إلى حد بعيد بما وصلت إليه ليبيا الآن.
وإلا فإن الجزائر كدولة لها هذه الحدود الطويلة مع ليبيا، لن تتحمل ولن تسمح ما يجري من احتلال وإدارة بالوكالة لهذا البلد.
أولئك الذين استغلوا ذلك الفراغ لتأسيس احتلالهم، عليهم من الآن فصاعدًا أن يحسبوا حسابًا، فإن الجزائر قد عادت وإنها حاضرة بنفس المستوى الذي عليه تركيا.
.
بواسطة / ياسين اكتاي