نظمت وسائل إعلامية وصحفية عربية لا سيما قناة “مكمّلين”، يوم الجمعة الماضي، حفل توقيع لـ5 من كتبي تمت ترجمتها للعربية، أو بالأحرى لكتبي الخمسة التي تنشر للمرة الأولى باللغة العربية. إلا أن هذا الاجتماع لم يكن مجرد حفل توقيع كتب فحسب، بل امتد إلى أكثر من ذلك؛ حيث ناقش عدة مواضيع حول العالم الإسلامي، كما دار النقاش بشكل خاص حول الفكر الإسلامي التركي ومدى انعكاساته في العالم العربي.
في الحقيقة، إن هذا الإدراك في الآونة الأخيرة لم يكن نابعًا منا فقط، بل كان يشعر به العرب بشكل أكثر، ويحاولون فعل ما يتوجب بهذا الخصوص. تركيا تعتبر الأكثر إثارة لدى العالم الإسلامي، يتم ترقبّها وهي صاحبة تأثير بما تفعله، هواجس في نظر الظالم، وأمل في نظر المظلوم. هي دولة برزت وتميزت بفضل موقفها السياسي، وبما جسدته من مواقف على صعيد القضايا الإسلامية والإنسانية، أمام النظام العالمي بأكمله. لقد حازت تركيا على امتزاج سريع لدى العالم العربي، بفضل قيادتها وشعبها. وإن هذا الامتزاج في الواقع لاقى أهمية بالغة مع انطلاق ثورات الربيع العربي، لكن أصحاب الصورة المضادة الذين أقحموا أنفسهم، حاولوا جاهدين بعد ذلك إلى الإطاحة بهذه الشعبية التركية في العالم العربية دون توقف بينما أضحت آمالهم حطامًا. إن تركيا في ظل قيادة رجب طيب أردوغان حازت على أسمى مكان ضمن جغرافيا القلوب المتسعة للغاية.
هذا المتسع الذي حازته تركيا تتنوع مصادره، فربما من مواقفها السياسية، وربما من ثقافتها الشعبية، أو من منتجاتها، أو حتى أفلامها ومسلسلاتها، وربما أيضًا من التاريخ الذي تذكّر به. إلا ان جانبًا واحدًا ظل يفتقر إلى ذلك ألا وهو البعد الفكري، هناك إنتاج ثقافي-فكري يعتبر غنيًّا في تركيا، وهو في الواقع لا يلاقي انعكاسه في العربية، بقدر ما يلاقي الفكر العربي انعكاسه في التركية. هذا هو النقص الذي يجب ملامسته ومن ثمّ العمل على معالجته.
في الحقيقة، لقد عملت وزارة الثقافة التركية على تدراك هذا النقص، وإن الدعم الذي قدمته للترجمة من التركية إلى لغات مختلفة، لا يمكن مقارنته مع الدعم القليل في الماضي. وبفضل هذا الدعم تمت ترجمة ونشر العديد من الأعمال التركية إلى عدة لغات، لا سيما اللغة العربية.
لكن في المقابل، تبقى وتيرة الترجمة عن العالم العربي وتصديرها إلى التركية، أكثر وأسرع، وهو ما يمثل جانبًا آخر من هذه المسألة. إن التراجم من لغات متعددة إلى التركية، جعلت الجانب الفكري التركي الذي يتم تغذيته من الخارج عنصرًا قويًّا. وربما هذا الشيء يتم قراءته عبر المناقشات المحلية على أنها أزمة. لكن في نهاية المطاف وكطبيعة بشرية، فإن هناك الكثير من الأشياء يمكن أن يتعلمها الناس من بعضهم البعض، ولا بد أن يمنح هذا الفكر قسطًا للآخر في أي وقت.
وفي النتيجة إن الأفكار التي يتم ترجمتها ربما لا يكون لها شيء من القوة في المكان الأصلي الذي أنتجت فيه قبل ترجمتها. وربما بعد ترجمة تلك الأفكار ومن ثمّ قراءتها بلغة أخرى تحمل تأثيرًا مختلفًا عن تأثيرها الأصلي فيما لو بقيت دون ترجمة. إن الأفكار التي ربما لا تعثر على قيمتها الحقيقية في أرضها الأصلية التي انطلقت منها، فإنها من الممكن ان تعثر على ذلك في مكان آخر أي بلغة أخرى، وهناك الأمثلة التي لا تنتهي حول ذلك.
من بين كتبي الخمسة التي ترجمت للعربية، كان كتاب “سيد قطب: اللاهوت السياسي – التاريخي – الفقه”، لقد كان يمثابة استجواب تفسيري جدّي؛ ممّن وكيف يتم فهم سيد قطب، في مصر بالمقام الأول، وفي العالم ولا سيما في تركيا، وذلك بعد 50 عامًا من إعدام قطب. وبعد استعراض تلك القراءات، يبقى السؤال؛ أيها يمكن أن تُعزى بالفعل إلى قطب بشكل مباشر؟.
إنه سؤال يستحق أن نتوقف عنده، لكن هناك حقيقة أخرى وهي أن سيد قطب كما أنه إنسان لا يمكن عزو البراءة المطلقة إليه أو الكمالية إلى أفكاره؛ فإنه يجب تقييمه أيضًا على أنه إنسان تمكن من فتح طرق متعددة نحو هذا الكم الفكري الهائل، من حيث نصوصه الغنية والتي تتستحق التعليق عليها حتى يومنا هذا. وبالطبع يجب أن تكون قضية قراءة سيد قطب ومن قبل من وكيف، موضوًعاً منفصلًا يستوجب تقييمًا آخر.
إلى جانب هذا الكتاب حول سيد قطب، فقد شهد حفل توقيع الكتب عملًا آخر؛ “فك الاشتباك عالمية الإسلام ومصادر العلمنة”، حيث تعاملت مع العلمنة والعلمانية من حيث بعدهما الثقافي والسياسي، كما انتقدت فيه المنظور التاريخي الذي ينظر إلى العلمنة على أنها مرحلة من مراحل التطور التاريخي. وعمل آخر أصدرته على الفور بعد أحداث 25-17 كانون الأول (2013)، تحدثت فيه عن الوجه الحقيقي لمنظمة غولن، من بعد اجتماعي وفلسفي وبالطبع من أبعاد أخرى، وقد حمل عنوان “تاجر الدين، نموذج لاستغلال الدين في أغراض سياسية”. وإلى جانبه كتابي “أزمان الكاريزما” تناولت فيه الكاريزما لدى السياسة التركية من منظور اجتماعي، منذ انقلاب 28 شباط والتي بدأت فيه تلك السياسة تحاول التخلص من وصاية أنظمة الانقلابات. وأخيرًا كتابي “أرض الكنانة: الثورة والثورة المضادة” وهو الكتاب الأول لي الذي ينشر بالعربية، تناولت فيه الأحداث التي نتجت عن انقلاب 2013 في مصر، وما رافقه بنفس التوقيت في تركيا وتجلى بما يعرف بأحداث “غيزي بارك”، وما رافق ذلك أيضًا على صعيد السياسة العالمية ولا سيما التركية.
حفل التوقيع الذي تم تقديمه بشكل موسّع، افتتحه المذيع الناجح بقناة مكملين المصرية، محمد ناصر، والذي كنت ضيفه مرات عديدة، كما تم تداول الأفكار حول محتوى الكتب، مع المثقف والعالم السياسي الشهير في جامعة القاهرة، البروفسور. سيف الدين عبد الفتاح، والمفكر الموريتاني محمد مختار الشنقيطي والذي له كتب مترجمة للتركية أيضًا، دارت نقاشات قيمة للغاية حول محتوى الكتب، كما كانت محفزة وتثير أفكارًا جديدة. لقد وصف الشنقيطي حفل التوقيع على كتبي الخمسة قائلًا “أنا ككاتب، أعتبر أن الكتاب هو الابن الذي يمكن أن يعيش أكثر من عمر الكاتب ذاته، وإننا اليوم نشهد على ولادة خمسة كتب في وقت واحد”، هذه العبارة أعادها أيضًا المفكر المصري سيف الدين عبد الفتاح.
إن ما عرضته في كتبي والذي هو في الحقيقة واقع معاش؛ من حيث اهتمام العالم العربي بالنموج التركي وخلفياته الفكرية وغيرها، كان أكبر دليل عليه هو الحشد الذي ملأ قاعة الحفل التي لم تتسع للحاضرين.
وبالطبع أريد أن أتوجه بالشكر الجزيل، بالمقام الأول إلى الذين هم جزء من هذا الاستحقاق الذي رأيته، والذين اقترحوا بالأصل لتنظيم هذا الحفل وتحمّلوا كافة أعبائه؛ إلى المنتجين الكرام في قناة مكملين المصرية، أحمد الشريف، أحمد صبحي وحمزة زعبة. إلى الناشر االكويتي الذي نشر الكتب، خليل إبراهيم موسى، إلى جميع الذين قاموا بتنظيم الحفل وبذلوا جهودهم متطوعين، وإلى جميع الحاضرين وعلى رأسهم مختار الشنقيطي، سيف الدين عبد الفتاح، محمد ناصر، وإلى جميع الأصدقاء الذين حضروا الحفل، وجميع السفراء الذين جاؤوا من تركيا وخارجها.
عرض التعليقات
كلو في الكلتش يا هجاص
صراحة اعتناء تركية بأمور الدول الإسلامية يعجبني ويجعل لي من رئيسها أردغان بطلا ومثلا ينبغي أن يسير على خطاه الدول الإسلامية عموما وبالأخص الإفريقية التي بقيت في هوجس الظلم وظلمات الإدارة السياسية.