لم يحرز الاجتماع التركي-الروسي والمباحثات التي شهدتها أنقرة الاثنين، حول إدلب أي تقدم، تزامنا مع قصف النظام السوري لقاعدة تفتناز العسكرية شمال سوريا، وقتله خمسة جنود أتراك وجرح آخرين.
وعلق الناطق باسم الحزب الحاكم بتركيا عمر تشيلك على قصف نظام الأسد للقوات التركية قائلا إن بلاده “تنتظر دعما من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على خلفية الوضع بإدلب”، وأضاف: “ننتظر من الناتو الوقوف إلى جانب تركيا في حربها ضد الإرهاب، وعليه أن يتضامن معها”.
طلب دعم سياسي
وأثار تعثر المفاوضات الروسية-التركية وحديث تشيلك، تساؤلات حول احتمالية لجوء تركيا لطلب دعم الناتو سواء عسكريا أو سياسيا، خاصة أن المادة الخامسة تطلب من الدول الأعضاء مساعدة أي دولة عضو تتعرض لهجوم عسكري.
ورجح المختص في العلاقات الدولية علي باكير، أن تطلب تركيا مبدئيا دعما سياسيا، وذلك وفق ميثاق الحلف، مستدركا بالقول: “لكن إذا كان لا بد من التصادم مع روسيا، فسيكون هناك حاجة تركية لاستخدام كل الأدوات الممكنة لتحقيق التوازن مع موسكو، ومنها العلاقة مع أمريكا والناتو بطبيعة الحال”.
وأشار باكير إلى أن “أي دعم ممكن لتركيا جيد لمعادلة الكفة مع روسيا، لكن الناتو مطالب حاليا بإعلان تضامنه السياسي معها، وهي خطوة مهمة جدا في هذه المرحلة وبالطبع هي رسالة لموسكو أيضا”.
وتساءل عن مدى التزام الناتو بدعم أنقرة في حال اتجهت الأمور إلى أبعد من وجود رسائل سياسية بين موسكو وأنقرة، معربا عن اعتقاده بأنه “لا توجد مؤشرات حقيقية على إمكانية مساهمة الناتو في دعم هجوم تركي من خلال معدات أو مشاركة أعضاء، لكن ربما يجري الحديث عن أصول دفاعية إذا لزم الأمر”.
وأكد باكير أن “الأمر بالنسبة لتركيا لا يتعلق بالقوات، فهي لديها القدرة العسكرية الكافية لسحق نظام الأسد وحلفائه أيضا، لكن المشكلة هي في احتمالية تدخل القوة الجوية الروسية”.
وتابع متسائلا: “عندها سيكون السؤال المهم، هل الناتو مستعد لمساندة أنقرة في حال تكرر سيناريو عام 2015؟”، ليرد: “لا أرى مؤشرات على ذلك حاليا، لكن في جميع الأحوال سيكون علينا الانتظار لنرى شكل التصعيد الحاصل”.
رغبة ثنائية بعدم التصادم
من جهته، أشار الكاتب المختص بالشأن التركي سعيد الحاج، إلى أن “تركيا لا تريد الدخول في مواجهة عسكرية مع روسيا، لكنها تريد لجم النظام السوري عن التقدم، وبالتالي انتهاكه لاتفاقية سوتشي 2018”.
وأكد أن “هناك عدة خيارات لتركيا لفعل ذلك، منها دعم المعارضة وتعزيز نقاط المراقبة العسكرية التابعة لها، لكن ليست هناك رغبة ولا إرادة ولا حتى قدرة تركية لمواجهة روسيا”، وفق قوله.
وتابع الحاج: “بالتالي فإنه بهذا المعنى ليس هناك حاجة تركية لدعم الناتو من الناحية العسكرية، وإنما بطبيعة الحال باعتبار أن هناك خلافات عميقة بين أنقرة وموسكو في ملف إدلب، ومع التفاوض المتعثر بينهما، فمن الواضح أن تركيا تريد التسلح قدر الإمكان بمواقف داعمة لها”.
ولفت إلى أن “الموقف الأمريكي الذي بدا أنه داعم لتركيا حتى هذه اللحظة، شكل أحد الأمور التي رفعت سقف الموقف التركي، وأعتقد أن عين أنقرة ستبقى على الموقف الأمريكي خلال تفاوضها مع موسكو في ما يتعلق بإدلب”.
وأردف الحاج: “لكن لا رغبة لتركيا حاليا بالحصول على دعم عسكري من الناتو، ولا يوجد ضرورة لطلب تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الناتو”.
وأوضح أن روسيا حرصت وعملت على مدى سنوات على إبعاد تركيا عن الناتو وأمريكا قدر الإمكان وتقريبها إليها كهدف استراتيجي، متوقعا أن “ينعكس هذا الحرص الروسي على ملف التفاوض، وسعي موسكو للوصول إلى اتفاق مع أنقرة”.
موقف الناتو
ورغم تأكيد المحللين على عدم وجود رغبة تركية في طلب دعم عسكري من الناتو، وإنما فقط في دعم سياسي، إلا أن الخلاف بين تركيا وبعض أعضاء الحلف من الأوروبيين حول قضايا عدة، منها الهجوم التركي على أكراد شمال سوريا، يدفع للتساؤل حول قبول الناتو بتقديم الدعم إذا طلبته أنقرة، وكيف سيكون شكله..
ويجيب على ذلك المحلل السياسي والمختص بالشأن الأمريكي جو معكرون، قائلا: “حلف شمال الأطلسي رفض سابقا التدخل لدعم تركيا في مواجهة القوات الكردية شرقي الفرات، بالتالي فلا أعتقد أنه سيقدم لها دعما عسكريا أو سياسيا في المدى المنظور بملف إدلب، ولا أعتقد بأن لديه رغبة في التورط في حرب إقليمية”.
ورجّح معكرون أن “تركيا لن تغامر بعلاقتها مع روسيا عبر استدعاء واشنطن أو الحلف الأطلسي، ولا العلاقات الأمريكية-التركية قوية لدرجة أن يتوفر هذا الدعم”.
وحول الموقف الأمريكي في حال طلبت تركيا دعما، قال معكرون: “ما يهم إدارة ترامب هو أن تبتعد أنقرة عن موسكو وليس بالضرورة مصالح تركيا في سوريا”، متوقعا أن “يتمكن الأتراك والروس عاجلا أو آجلا من التوصل إلى صيغة ما، لوقف القتال الميداني في الشمال السوري”.
من جهته، أشار المحلل السياسي إسماعيل خلف الله إلى أن “احتمالية تقديم الناتو وواشنطن دعما مباشر لتركيا في حال تصادمت مع روسيا، ضئيلة”.
ولفت خلف الله إلى أن “الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دائما ما ينتقد الدول التي لم تدفع الأموال للحلف، وخص تركيا بانتقاد لتدخلها العسكري في سوريا ضد الأكراد الذين قاتلوا تنظيم داعش إلى جانب الناتو، وهو الفعل الذي أغضب العالم حسب ترامب، كما إن هناك تصريحا سابقا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن حلف الناتو في حالة موت دماغي”.
وتابع خلف الله: “هذه المواقف والتصريحات مؤشرات على أن حلف الناتو، لن يُرسل قوات دفاعية لمساعدة القوات التركية، في حال حدوث تصادم مع القوات الروسية”.
وعبّر عن اعتقاده بأن “الناتو يعتبر تدخل تركيا عسكريا في سوريا ضد القوات الكردية خطأ فادحا، بل يعتبرونه جرما، وبالتالي فإن وقوفهم معها أمر مستبعد على الرغم من تصريحات أمريكية هنا وهناك تقول بأن واشنطن ستقف إلى جانب تركيا”.
واتفق خلف الله مع معكرون في أن أي تصادم تركي-روسي مستبعد، مضيفا أنه “ليس من مصلحة الطرفين حدوث ذلك، وإن كانت تركيا تعرضت لإهانة من خلال هجوم جيش النظام السوري، لكن تبقى هذه الأحداث عبارة عن مناورات روسية تركية وليس من مصلحة الطرفين أن يحدث هذا التصادم لما بينهما من اتفاقيات متعددة”، وفق تقديره.
.
المصدر/arabi21