لقد كانت بلدة خان طومان بريف حلب، عرضة لهجمات ميليشيات مدعومة من إيران، خلال الأيام الأخيرة. هناك فيديوهات تظهر كيف أن الهجمات والصواريخ التي طالت المنطقة، وتسبّبت بقتل المدنيين، لم تكن عن طريق الخطأ أو بشكل ما لا إرادي؛ بل بشكل متعمد وبدم بارد وتلذذ. إحدى الفيديوهات تعرض بعض الميليشيات وهي تضرب صواريخ “كاتيوشا” روسية الصنع والتي لا شك أنها ستقتل المدنيين؛ مكتوبًا عليها اسم قاسم سليماني. يظهرون وهم متلذذون للغاية بينما يقومون بذلك. ولقد تعمدوا بنشر ومشاركة الفيديو، كي يظهروا للعالم كله أنهم متلذذون بهذا الشيء.
إن هذا دليل طازح على أن قاسم سليماني الذي قُتل إثر غارة أمريكية في بغداد يوم 3 كانون الثاني/يناير؛ قد لعب دورًا هامًّا في تدمير سوريا. في السياق ذاته أيضًا، الطيار بسلاح جو النظام السوري والذي قتل إثر إسقاط مروحيته قبل أيام، تم العثور على صور عديدة له وهو مع سليماني جنبًا إلى جنب.
هناك العديد من المشاهد وصلت من المناطق التي باتت خاضعة لنظام الأسد في إدلب. إحدى هذه المشاهد، عبارة عن مقطع فيديو يظهر عناصر من جنود الأسد داخل مسجد قد تحول إلى خرابة إثر القصف، كانوا يردّدون هتافات داخل المسجد وفوق المنبر وبكل تلذذ “بالروح بالدم نفديك يا بشار”.
نفس الأشخاص هؤلاء ظهروا بفيديو آخر وهم داخل مقبرة بريف إدلب، يكسرون شواهد القبور بأحذيتهم. حتى لفظ الجلالة الذي على شواهد القبور لم يسلم من ضربات أحذيتهم. نفس الشيء أيضًا قد تعرض له ضريح خامس الخلفاء الراشدين، عمر بن عبد العزيز، مطلع الشهر الجاري.
جميع هذه الأمور من شأنها أن تظهر لنا الدوافع الحقيقية التي كانت وراء الحرب تحت ذريعة مكافحة داعش أيضًا. إن الممارسات الإيرانية على الساحة السورية وبدعم روسي، إلى جانب كونها لا تمنح أي قيمة للحياة الإنسانية، فإنها أيضًا تشير إلى واقع خطير من شأنه ارتهان العالم الإسلامي خلال العشر سنوات القادمة، عبر فتنة حرب طائفية خطيرة. والأغرب من كل ذلك، هو اتهامنا بأننا نحمل “مفاهيم طائفية أو منظورًا مذهبيًّا”، لمجرد أننا نقوم بهذا الطرح. أما الطرف الآخر، فإنه على العلن يعرض تلك “المفاهيم” دون خفاء، بل وبكل تفاخر. نحن نتحدث عن وحوش بدم بارد يضربون المدنيين العزّل والأبرياء، بتلذذ ودون أن يرفّ لهم جفن، باسم “قاسم سليماني”.
كأناس ننظر إلى الشرق الأوسط من نافذة تركيا، فإن هناك واقعًا يجب أن لا نخرجه من أذهاننا على الإطلاق:
الولايات المتحدة الأمريكية، إسرائيل، إيران، السعودية، بريطانيا، فرنسا وغيرها، أي دولة كانت؛ الجميع يعمل على حماية مصالحه وأهدافه وفوائده الخاصة في الشرق الأوسط. ويؤسسون سياساتهم تبعًا لذلك. ومنظماتهم الاستخبارية والعسكرية مرهونة لهذه الأهداف أيضًا. الأمر ذاته ينطبق على تصريحاتهم الرسمية وممارساتهم على الأرض، بل حتى على ضحكاتهم واقترابهم أو ابتعادهم. لذلك فإن أيّ “تعاطف مطلق” مع أي دولة أخرى أو زعيم سياسي ما من طرف الدولة، سيؤدي إلى خسارة أو هزيمة ما في وقت لاحق. ولذلك أيضًا يعتبر مبدأ “لا يوجد صداقة بين الدول، بل المصالح” مهمًّا للغاية، ويجب أخذه بعين الاعتبار على الدوام.
بالنسبة لصنّاع القرار السياسي والذين هم على رأس أي دولة، يعتمدون على تنويع الخيارات في السياسة الخارجية قدر الإمكان، وعدم الوثوق الكامل في أي بلد، وعدم ملء كل البيض في سلة واحدة، واختبار مدى اتساق الوعود اللفظية بما يحصل على أرض الواقع، واللعب بعناية على اليد الناعمة، ومن خلال المعاملة بالمثل، كل ذلك يبدو ضروريًّا لدى صناع القرار، وخيارًا لا غنى عنه في سبيل حماية المصالح الوطنية.
ونعود إلى إدلب، تلك المنطقة التي يتم فيها تقييم كل شيء على أساس المصالح والمنافع، لدرجة أن لا قيمة للبشر هناك.. إدلب هي الضعفاء الذين يصارعون القصف والموت والبرد القاتل.. إدلب هي الأطفال الأبرياء الذين يمشون نحو حتفهم، على مرأى العالم الإسلامي الذي يغض بصره عما يحصل.. إدلب هي تلك المنطقة التي لا يريد أحد أن يراها، والتي تحولت إلى “سربرنيتسا” واقعنا المعاصر.
بغض النظر عن الطريقة التي تدور بها عجلات النظام الدولي الوحشية، فإن هناك مسؤولية تقع على إمكانياتنا في سبيل مد يد العون لهؤلاء المستضعفين في إدلب. تقديم أي شيء على الأقل، لحاف، أحذية، ألبسة، أو حتى مجرد خيمة أو سقف.. أيّ شيء يمكننا تقديمه. هيّا.
.