في مثل هذا اليوم قبل قرن من الزمان شن أسطول التحالف هجوما كثيفا على مضيق جناق قلعة، وأمطره بوابل من القذائف التي قتلت وحطمت الكثير ولكنها أخطأت “سيد علي”.
وسيد علي هو الجندي المسؤول عن المدفعية في معقل “روملي” في شبه جزيرة “غاليبولي” الذي أصابه وابل القصف فتكسرت الرافعة التي تحمل القذائف، فما كان من الجندي سيد علي إلا أن حمل قذيفة بوزن 215 كيلوغراما على ظهره ووضعها في فوهة المدفع لتتسبب أولا في وقوع ومن ثم غرق سفينة فرنسية من أسطول التحالف الذي كان يرمي إبان الحرب العالمية الأولى إلى عبور مضيق جناق قلعة واحتلال شبه جزيرة غاليبولي ومن ثم احتلال العاصمة إسطنبول.
وسيد علي ليس إلا واحدا من أبطال معركة جناق قلعة التي تقف تركيا اليوم وقفة صمت تحية لأرواح الشهداء الذين سقطوا في يوم 18 آذار/ مارس من عام 1915 الذي سقط فيه أكبر عدد من الشهداء.
لم يكن للدولة العثمانية فعل شيء إلا خوض هذه المعركة أمام الاتفاقيات التي عقدتها الدول الكبرى المتحالفة ( إنكلترا وفرنسا) التي تنوي الاستيلاء على إسطنبول، فاتحةً بذلك الطريق أمام روسيا لإمدادها بالمساعدات العسكرية والغذائية في حربها ضد ألمانيا، حيث كانت روسيا بالكاد تنتج ثلث حاجتها من المعدات العسكرية، بالإضافة إلى المعاناة التي كانت تعيشها روسيا جراء قطع علاقاتها التجارية مع العالم.
ويمكن القول إن الاستيلاء على المضائق بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود وإيقاع مدينة إسطنبول تحت السيطرة كان له منافع تجارية وعسكرية لدول التحالف إنكلترا وفرنسا.
وطلبت ألمانيا من تركيا الدخول إلى المعركة إلا أن أنور باشا لم يرغب دخول المعركة فعليا لعدم اكتمال الاستعدادات في الحاميات العسكرية في جناق قلعة. وحسم الأمر بدخول سفن الأسطول الحربي الإنكليزي التي دخلت البحر الأبيض المتوسط.
وأعلن بدء الحرب في 1914 بقصف سفن الأسطول العثماني المرافئ الروسية في البحر الأسود التي كانت تجهز فيالقا لاحتلال المضيق.
وكان ونستون تشرشل يرى أن جناق قلعة ستكون لقمة سائغة بعد الضعف الذي أصاب الدفاع الأتراك عقب حرب البلقان.
ودخلت فرق أسترالية ونيوزلاندية مجهزة كامل التجهيز المعركة، حيث كانت وحداتها المقاتلة تنتظر في مصر وخاضت هذه القوات الحرب بدل الفيالق الروسية التي قاتلت في معارك أخرى.
وحاك القدر الظروف لتبدأ معركة جناق قلعة بشنّ أسطول مؤلف من سفن إنكليزية وفرنسية هجوما واسعا بلغ ذروته في 18 آذار 1915، إلا أنّ هذا الهجوم باء بالفشل ليعدل أسطول التحالف عن الهجوم البحري ويستبدله بالهجوم البري والاستيلاء على المواقع الدفاعية الساحلية. فدخلت القوات الإنكليزية والفرنسية لتتمركز في 5 مناطق جنوب شبه جزيرة غاليبولي في 25 نيسان/ أبريل من نفس العام واستطاعوا في البداية إحراز تقدم سرعان ما قابلته إرادة الجنود العثمانيين مجبرةٌ إياهم على التراجع لتفشل مخطط استيلاءهم على غاليبولي، على الرغم من وصول قوات للإمداد.
وقام مصطفى كمال أتاتورك الذي شارك في هذه الحرب كنقيب بإجبار الفرقة الإضافية التي أرسلت دعما للقوات الإنكليزية على التراجع إلى خط الصفر على البحر كما صد في اليوم التالي هجوم وحدات الأنزاك الأسترالية والنيوزلاندية.
وخرجت القوات الأجنبية جميعها من شبه جزيرة غاليبولي في كانون الثاني من عام 1915.
وسقط في أرض هذه المعركة 56 ألف شهيد في حين لاقي 21 ألف مصرعهم في المستشفيات وفقد 11 ألف جندي وجرح 97 ألف جندي و64 ألف بقي مريض خارج الحرب أي ما مجموعه 250 ألف من الأتراك، في حين سقط 252 ألف قتيلا من القوات المتحالفة.
وتذكر الإحصائيات أن عدد من المؤسسات التعليمية في ذلك الوقت لم تخرج طلابا لأنهم استشهدوا جميعا في المعركة.
كما تنبؤنا شواهد القبور هنالك في جناق قلعة أن فلسطينيين وسوريين وشبان من الشرق الأوسط ودول البلقان يرقدون اليوم بسلام بين شهداء جناق قلعة.
أما عن سيد علي فقد طلبوا منه بعد انتهاء المعركة حمل القذيفة التي يتجاوز وزنها الـ200 كيلو غراما من أجل تصويره فلم يستطع حملها، وصنعت من أجل الصورة قذيفة خشبية. وقال علي سيد: “لو حصلت معركة أخرى لحملتها.”