تركيا والتأقلم مع زمن كورونا
أعلنت تركيا في الأيام الأخيرة اتخاذ تدابير جديدة في مختلف المجالات لمواجهة وباء كورونا، والحد من آثاره السلبية، والحفاظ على حياة المواطنين، مثل فرض حظر التجول على من تتجاوز أعمارهم 65 عاما، وحزمة المساعدات والحوافز المالية التي أطلق عليها “درع الاستقرار” لدعم الاقتصاد التركي وضمان مواصلة عملية الإنتاج والتصدير والتجارة.
انتشار فيروس كورونا المستجد حول العالم خلال أشهر، انطلاقا من مدينة ووهان الصينية، أجبر ملايين الناس على البقاء في بيوتهم لمدة أيام، وغيَّر نمط الحياة في معظم البلدان. وأصبح كثير من الموظفين يقومون بأعمالهم في منازلهم، وآخرون انضموا إلى صفوف العاطلين عن العمل بسبب إغلاق المقاهي والملاهي والمطاعم والأسواق التجارية، وتحوُّل العواصم العالمية المكتظة إلى مدن أشباح، كما بدأت المدارس والجامعات تطبق برامج التعليم عن بعد، وأصبحت الاجتماعات تعقد عبر تيليكونفرنس.
تركيا تملك نظاما صحيا تعززت قوته في السنوات الأخيرة من خلال المستشفيات الحديثة والمدن الطبية التي تم إنشاؤها في المدن المختلفة. وكانت وزارة الصحة التركية لديها خطة شاملة تم إعدادها العام الماضي للتعامل مع أي حالة تفشٍ محتملة لفيروس الإنفلونزا، وهذ ما ساعدها في سرعة اتخاذ التدابير وتهيئة المستشفيات والمراكز الصحية لمواجهة الوباء، على الرغم من اختلاف الفيروسين.
الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي في تركيا كان من أهدافه أن يمنح الحكومة فرصة لسرعة اتخاذ القرار وتطبيقه، بالإضافة إلى تعيين كفاءات لتولي الحقائب الوزارية من خارج السلطة التشريعية، كي يركز الوزراء على أعمالهم، بعيدا عن المناكفات السياسية اليومية. ومن المؤكد أن وزير الصحة التركي، الدكتور فخر الدين كوجا، الذي يراه معظم المواطنين ناجحا في إدارة الأزمة، من ثمار هذا الانتقال. وإضافة إلى ذلك، هناك لجنة علمية قامت وزارة الصحة التركية في بداية الأزمة بتشكيلها من 31 خبيرا يعملون في كبرى الجامعات التركية، وهذه اللجنة برئاسة وزير الصحة هي التي تقود حاليا جهود مواجهة الوباء. ولما سأل وزير التعليم التركي، ضياء سلجوق، رئيس الجمهورية التركي رأيه في تمديد فترة إجازة المدارس، وجَّهه الأخير إلى اللجنة العلمية، قائلا إنها صاحبة القرار في الموضوع.
وزارة الصحة التركية استوردت من الصين كمية من الدواء الذي ثبت أنه يؤدي إلى تخفيض فترة الشفاء من 11 يوما إلى أربعة أيام لاستخدامه في معالجة المصابين بفيروس كورونا، وتم توزيع الأدوية على 40 محافظة تركية، كما اشترت من شركة صينية قطرية عشرات الآلاف من اختبار فحص سريع لتشخيص الإصابة بالفيروس المسمى “كوفيد-19”.
وأعلن وزير الصحة التركي أن تركيا تبدأ إنتاج أجهزة التنفس الاصطناعي المحلية لاستخدامها في البلاد وإرسالها إلى الدول الصديقةالمحتاجة إليها، كما أن معهد اللقاح التابع للوزارة بدأ عمله لتطوير لقاح ضد فيروس كورونا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تسعى الحكومة التركية من خلال حزمة “درع الاستقرار” التي أعلنتها، إلى التقليل من الآثار السلبية التي يمكن أن يتسبب فيها تفشي الفيروس والتدابير الوقائية المتخذة. ومن المؤكد أن مواجهة الوباء سيكون لها ثمن، إلا أن محاصرة تلك الآثار السلبية ومواصلة عملية الإنتاج والتصدير ولو بوتيرة بطيئة نسبيا، ستجعل البلاد تخرج من هذه الأزمة بأقل خسائر اقتصادية ممكنة، كما أن تراجع أسعار النفط قد يعوض تلك الخسائر، وأن التقلبات التي سيشهدها العالم قد تخلق أسواقا جديدة للمنتجات التركية.
رفوف المتاجر في تركيا مليئة بكافة المنتجات والأغذية، كما أن حركة التسوق تجري بشكل طبيعي، في ظل تأكيد الشركات المنتجة أنها قادرة على توفير احتياجات البلاد، مشيرة إلى أن تركيا في كثير من المنتجات الزراعية، مثل القمح والحمص والقطن والخضروات والفواكه وغيرها، تنتج أكثر مما تحتاج إليه، ما يعني أنه لا داعي للخوف والهلع وتخزين كمية كبيرة من المواد التموينية والغذائية في البيوت.
التعليم هو المجال الآخر الذي يحتاج إلى سرعة التأقلم مع الظروف الطارئة. وأطلقت وزارة التعليم التركية، صباح الاثنين، برنامج التعليم عن بُعد، بالتنسيق مع التلفزيون الرسمي، كما بدأت الجامعات تطبق برامج مماثلة عبر الإنترنت. ومن المعروف أن تركيا تتمتع بخبرة واسعة في هذا المجال، وأن هناك عددا من الجامعات، مثل جامعة الأناضول، تطبق برامج التعليم عن بعد منذ سنوات.
تركيا بكل وزاراتها ومؤسساتها وشركاتها تبذل جهودا جبارة من أجل التأقلم مع الظروف الطارئة التي فرضها تفشي فيروس كورونا وتلبية متطلباتها، بالإضافة إلى الاستعداد لما بعدها، لأن القيادة التركية تؤمن بأن هذه الأزمة العالمية ستؤدي إلى صعود دول تديرها بنجاح، وتتجاوزها بسلامة.