في ميزان مواجهة “كورونا”.. ترجح كفة تركيا على حساب أوروبا

قارنت مصادر طبية ومدنية، الإجراءات والتدابير الوقائية التي انتهجتها وسارت عليها وما تزال الحكومة التركية للحد من انتشار فيروس “كورونا”، وبين الإجراءات المتخذة في العديد من أهم الدول الأوروبية.

ومنذ بدء الحديث عن انتشار فيروس “كورونا” في عدد من الدول العربية والغربية، سارعت تركيا لرفع الجاهزية القصوى وخاصة في قطاع الصحة، بالإضافة لاتخاذ تدابير مشددة جدا، من أبرزها إغلاق المنافذ الجوية والبرية والبحرية لمنع تسلل الفيروس إلى البلاد، في حين أن الكثير من الدول الأوروبية كانت متساهلة في هذا الأمر.

ويؤكد مراقبون أن الإصابات التي سجلت في تركيا هي في غالبيتها الساحقة لأشخاص قدموا من خارج تركيا، فضلا عن الطلاب والمواطنين الأتراك التي تجليهم سلطات بلادهم وتضعهم في الحجر الصحي وقيد الفحوصات.

وفي هذا الصدد قال أخصائي الجراحة العامة وجراحة الأوعية، الدكتور أحمد العاصي لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “من حسن الحظ أن يكون مقر إقامتك في تركيا، حيث اتخذت الحكومة تدابير احترازية ووقائية للحد من انتشار فيروس (كوورنا) دون إثارة الذعر والهلع بين  المواطنين، وهو الأمر الذي سبقت فيه تركيا الكثير من الدول الأوروبية”.

وتابع “لقد قررت الحكومة التركية إغلاق المقاهي والمطاعم ودور السينما ومراكز تصفيف الشعر، وإيقاف المصالح الحكومية والحد منها إلا في الظروف القصوى لتقليل التجمعات ومنع انتشار الفيروس بصورة كبيرة”.

وأضاف العاصي أن “فيروس (كورونا) يؤثر على كبار السن بصورة كبيرة جدا، حيث أن نسبة الوفيات فيما من هم دون سن الستين، 2.5%، وهو أمر انتبهت له الحكومة التركية وقررت العزل المنزلي لمن هم فوق الـ 65 عاما، ولم يتوقف الأمر على العزل فقط، بل وفرت في كل الولايات التركية أرقاما مخصصة للشرطة والبلديات يتصل عليها كبار السن لتوفير احتياجاتهم، حيث إنه حتى أمس الأول الثلاثاء، قامت الشرطة التركية بتوصيل 144 ألف طلبا لمن هم فوق الـ 65 عاما، وبالمثل يتم معاملة أصحاب الأمراض المزمنة”.

وأشار العاصي، إلى أن “الأمر لم يقتصر على ذلك أيضا، بل اتخذت تركيا قرارا برفع الرواتب التقاعدية لـ 1500 ليرة وتسليمها لكبار السن حتى منازلهم أو إيداعها في حساباتهم المصرفية أو مكاتب البريد”.

وقال إنه “في منعطف تاريخي لم يكن أمام الحكومات الكثير من الخيارات، فإما أن يتم اتخاذ بعض الإجراءات التي ستقاسي معها الحكومات اقتصاديا، أو يتم تجاهل الأمر وتسير الحياة بشكل طبيعي مع التضحية بعدد كبير جدا من المواطنين، وهو ما قررته بريطانيا على لسان رئيس وزرائها جونسون، الذي قال إن مبدأ (مناعة القطيع) سيكون هو التعامل الأمثل مع أزمة (كورونا) وهو ما يعني تجاهل الأمر وليحدث ما يحدث”.

وتابع العاصي قائلا “لن يستطيع أحد إيقاف العدوى، فالفيروسات هي عوامل مرضية تبلغ حدا متناهيا في الصغر وحدا متناهيا في القدرة على الأذى، إنها عدو مجهول، لكن من حسن الحظ أن يكون هناك بعضٌ من الحكومات قادرة على دفع الضرر قدر الإمكان، وهو ما تفعله الحكومة التركية بكافة الإجراءات الوقائية وتحمل الأعباء الإقتصادية من أجل الحفاظ على الشعب التركي”.

من جهته، قال باسل نمرة، المختص في الإرشاد النفسي المجتمعي لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “الإجراءات التي قامت بها الحكومة التركية لمواجهة (كورونا) هي من الإجراءات الجيدة على مستوى العالم، حيث تعاملت منذ البداية على أساس الاحتواء المباشر فأصدرت العديد من القوانين التي ساعدت على التخفيف من حدة انتشار الفيروس في البلاد”.

وأضاف نمرة أن “النقطة الأهم هي أن الجو العام في تركيا يختلف عما هو عليه في أوروبا من ناحية العادات الشخصية التي يتبعها المواطن التركي في نظافته والتي تختلف عن العادات التي يتبعها المواطن الأوروبي”.

وأشار إلى أن “الإجراءات التركية منذ البداية لاحتواء الأزمة كانت سريعة جدا، بعكس أوروبا التي انتظرت إلى حين استفحال الأزمة لتبدأ باتخاذ الإجراءات”.

وأضاف نمرة أن “البنية التحتية في تركيا كانت جاهزة بشكل كبير جدا، ما ساعد وسيساعد على تفادي الوضع الكارثي الذي وصلت إليه عديد من الدول الأوروبية لاحتواء الأزمة”.

وبالتوجه إلى أوروبا وتحديدا النروج، قال أحد المقيمين هناك، وهو مواطن عربي كان يعيش سابقا في تركيا، لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “الفرق كبير بين تركيا وبين أوروبا فيما يتعلق بالإجراءات والتدابير التي تم اتخاذها من قبل الحكومة التركية مقارنة بما يجري في أوروبا اليوم لمواجهة فيروس (كورونا)”.

وأضاف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن “كبار السن لا أحد يهتم بهم هنا، بينما في تركيا يمنع على كبار السن الخروج من منازلهم ولكن الحكومة التركية بكافة قطاعاتها تهتم بهم، حتى أن عناصر الشرطة تحولوا للعمل لخدمة المسنين إضافة لعملهم الأساسي”.

وتابع المصدر مقارنا بين مسألة “الكمامات والمعقمات” في تركيا وبينها في أوروبا، قائلا إنه “في تركيا إذا احتكر أحد الكمامات الطبية فإنه يعاقب، وبالتالي هي متوفرة في الأسواق التركية، بينما في أوروبا لا يوجد كمامات ومن الصعب الحصول عليها وحتى من الصعب الحصول على المعقمات، حتى أنك تشاهد في النروج طوابير من الأشخاص على أبواب الصيدليات للحصول على المعقمات، بينما في تركيا الخدمة أفضل بكثير”.

وأضاف أن “تركيا تهتم بشعبها أكثر من أوروبا، فإذا شك أحد الأشخاص بأن لديه عوارض الإصابة بفيروس (كورونا)، فإن الدولة تسارع للاهتمام به ونقله للمستشفى مباشرة، بينما هنا فإن الشخص يتصل بالمستشفى فتكون الإجابة بتزويده بالتعليمات عبر الهاتف من ليعزل نفسه بشكل تلقائي، وهنا نجد الفرق في كل شيء بين تركيا وأوروبا”.

ويرى مراقبون أن تركيا تتعامل مع أزمة “كورونا” بمنتهى الدقة والشفافية، حيث تطلع تطلع مواطنيها باستمرار على كل الخطوات التي تخطوها للوقاية من الفيروس، في حين أعرب محللون اقتصاديون عن اعتقادهم الكبير أن “تركيا ستقلب تلك المحنة إلى منحة” في القريب العاجل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.