الذين منعوا النقاب بالأمس يرتدونه اليوم

عندما تم فرض حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة في كانتون تسينو جنوب سويسرا، قبل حوالي أربع سنوات، أرادت نورا إيلي وهي ناشطة مسلمة سويسرية، ان تعترض على قرار الحظر هذا. انطلقت إيلي برفقة رجل الأعمال الجزائري رشيد نكاز، من تسينو إلى مدينة لوكارنو متجولة في الشوارع بنقابها. بالطبع الشرطة السويسرية سارعت للتدخل وإيقاف هذا الاحتجاج، بل وقامت بتغريم كل من إيلي نكاز، بـ ١٠ آلاف فرنك سويسري. حينها أعلن رجل الأعمال الجزائري نكاز أنه وحده سيتكفل بتسديد الغرامة، بينما نجحت إيلي في هدفها الذي يكمن في لفت الأنظار لهذه القضية. وبالفعل دخلت هذه القضية بعد وقت قصير، بوابة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، كما تحدثت عنها العديد من قنوات التلفاز ووسائل الإعلام، وبينها التركية.

ها هي نورا إيلي بطلة قضية النقاب، ترحل عن عالمنا يوم الاثنين الماضي ٢٣ مارس/آذار، في تمام الساعة ١٩.٥٩ مساء، في إحدى مشافي العاصمة السويسرية برن. رحلت بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان الذي اكتشفت إصابتها به للمرة الأولى عام ٢٠١٢، وعلى الرغم من تحسن حالها بعد ذلك من حين لآخر، إلا أنها كانت تتعرض لانتكاسات متعاقبة كذلك، لينتهي المطاف بها خلال الشهور الأخيرة إلى اشتداد المرض لتدخل تحت العناية المركزة. وبسبب الإجراءات والتدابير المتخذة في ظل فيروس كورونا، تم دفنها في العاصمة السويسرية برن، وسط جنازة متواضعة وعدد قليل، يوم الخميس ٢٦ مارس.

ولدت نورا إيلي في أوستر القريبة من مدينة زيورخ السويسرية، في ٣ أبريل عام ١٩٨٤، وهي ابنة الطبيب النفسي السويسري الشهير إيلي فشنتياغيرد. على الرغم من تعميدها في الكنيسة الكاثوليكية، إلا أنها نشأت بتأثير من عائلتها اليسارية، في خط معاد للنظام التحرري. كانت إيلي في مطلع شبابها تقضي معظم أوقاتها مع صديقاتها، وذلك بسبب انفصال والديها عن بعضهما في ذلك الوقت، وسرعان ما تحولت إلى عضو فعّال في ثقافة “البانك” ونباتية صوفية مهتمة بالبوذية. إلا أن رحلتها عام ٢٠٠٢ وهي تبلغ الثامنة عشر، إلى الإمارات وعُمان، كانت نقطة تحول في حياتها:

كانت تلك الرحلة هي أولى خطواتها نحو عالم العرب والمسلمين، كانت مفتونة بالمعاملة بين الناس، وكرم الضيافة، ولا سميا صوت الأذان، وحسب تعبيرها فلقد “شعرت بنور داخلي” يلامسها آنذاك. أعلنت قرارها واختارت ان تصبح مسلمة. كان هناك عامل آخر شجعها أيضًا على اعتناق الإسلام، هو اعتناق صديقها باتريك جيروم اذلي صار اسمه قاسم إيلي (والذي سيصبح زوجها لاحقًا) الإسلام قبل أسبوعين من قرارها. تعرفت نورا على قاسم الذي درس الهندسة وعلوم الحاسوب، خلال مشاركتها في مظاهر لنصرة فلسطين. ومع مرور الوقت تكللت هذه الصداقة بزواج نورا من قاسم، لينجبا فيما بعد ٦ أطفال.

لم تتوقف نورا عن مواصلة تعليمها بعد اعتناقها الإسلام، بل أكملت تعليمها في جامعة زيورخ لتحصل أخيرًا على درجة الدكتوراة في علم مقارنة الأديان. في ذلك الوقت بدأت ارتداء النقاب بعد أن كانت قد ارتدت الحجاب من اعتناقها الإسلام. على الرغم من مظهرها كان صادمًا لجميع محطيها، إلا أن تعليمها وثقافتها العالية تمكنا من مجابهة منتقديها وسواهم. أسست في العام ٢٠٠٩ مع زوجها قاسم وصديقه الذي اعتنق الإسلام أيضًا نيكولا عبد الله بلانشو، مجلس الشورى الإسلامي في سويسر، لتتسلم نورا رئاسة شؤون المرأة في المجلس، الذي تأسس في ردّ على السلطات التي كانت قد عرضت قانون حظر المآذن للتصويت.

بعد جولتها مرتدية النقاب في مدينة لوكارونا، حلت نورا إيلي ضيفة على برناج “تولك شو” الذي تقدمه المذيعة الألمانية الشهيرة آن ويل، لتصبح بعد هذه الحلقة شخصية معروفة في عموم أوروبا. بعد هذه الحلقة بدأ نقاش حاد في الأوساط الإعلامية الأوروبية، والتساؤل عن كيفية تسليط الضوء على نماذج راديكالية عبر شاشات التلفاز، رافق ذلك جدل هو اتهام نورا وزوجها قاسم بـ “الإرهاب”. لكن مع ذلك استمرت نورا إيلي في خروجها على العديد من القنوات، والتي وجدت فيها فرصة للتعبير عن آرائها أمام الجميع، وبذلك كانت نورا واحدة من الشخصيات الأوروبية الرائدة التي جعلت موضوع الإسلام والمسلمين على جدول أعمال سويسرا. ليس هذا فحسب، بل إن الخطابات التي ألقتها نورا في سويسرا وألمانيا والنمسا، إلى جانب ما قدمته عبر الإنترنت؛ تسببت بإسلام عشرات النساء والفتيات، وإن ذلك يمثل بعدًا هامًّا من حيث مكانتها لدى الرأي العام.

رحلت نورا إيلي عن هذا العالم بعد مرور ٤ سنوات من ملاحقة الشرطة والقضاء لها بسبب ارتدائها نقابًا يغطي وجهها في الشارع، في الوقت الذي يخاف فيه الناس الآن من الخروج إلى الشوارع دون ارتداء كمامات وأقنعة تغطي وجوههم خوفًا من فيروس. على الرغم من أن إيلي لم تدرك هذه المهزلة لأنها كانت تحت العناية المركزة في المستشفى، إلا أن هذه المفارقة كانت واضحة للمتفكرين والمتأملين. لقد جعل هذا الفيروس غير المرئي، جميعَ من في الشوارع السويسرية متساويين، فالجميع يرتدي قناعًا يغطي وجهه.

.

طه كلينتش بواسطة / طه كلينتش  

2 تعليقات
  1. زيدان يقول

    المنقبة معوقة, تدس وجهها في التراب

  2. زيدان يقول

    المنقبة معوقة تدس وجهها في التراب
    كشف الوجه للجنسين فطرة, و النقاب مرض
    رأينا كيف خرب النقاب الحياة في مدن الجزيرة العربية و أفغانستان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.