“دموع بالمقهى”.. شهادات عن معركة صعبة لأطباء إيطاليا

في مقهى صغير يقدم القهوة المخبوزات بالقرب من مدخل مستشفى لودي، شمال إيطاليا، يجلس الأطباء في زاوية ويجهشون بالبكاء، بعد انتهائهم من النوبة الليلية في المستشفى، أملا بأن يكون اليوم القادم أفضل من الذي سبقه.

هذا ما أخبرته صاحبة المخبز، لعاملين في منظمة “أطباء بلا حدود”الدولية، خلال تعرفها على الصعوبات التي يواجهها الأطباء في خضم معركة صعبة ضد فيروس كورونا.

وتقول رئيسة “أطباء بلا حدود” ومنسّقة حالة الطوارئ المرتبطة بفيروس كوفيد-19 في إيطاليا، كلوديا لوديساني: “عندما وصلنا إلى لودي، في شمال إيطاليا، اتّضح لنا على الفور مقدار الصدمة النفسية عند الموظفين الطبيين. أرادوا أن يتحدّثوا عن الأزمة، وعما قاسوه على الخطوط الأمامية من الاستجابة لحالة الطوارئ هذه لمدة أسبوعَين أو ثلاثة أسابيع. لم يسبق لهم أبدا المرور بحالة مشابهة، وسرعة تواتر الأحداث أصابتهم بصدمة حقيقية”.

وقالت لوديساني في تصريحات حصلت عليها سكاي نيوز عربية، أنها تحرص على الاستماع للأطباء الذين يعملون بالصف الأول في مكافحة الفيروس، والتعاطف معهم، لأنها تعلم ما يعني لهم التمكّن من التحدّث والبكاء أمام أشخاص يفهمون فعلا أهمية الأمر.

وتقول لوديساني: “الخطوة الأولى في التصدي لهكذا تفشي هي حماية العاملين في الخطوط الأمامية. فمن دونهم، يستحيل الاستجابة للجائحة. يُصاب الآلاف من هؤلاء العاملين الصحيين بالمرض في جميع أنحاء البلدان المتضرّرة، ولذلك، يُعدّ الحفاظ على سلامتهم وصحتهم وضمان عدم إصابتهم أمرا أساسيا”.

وتعتبر الطبيبة الإيطالية تعرّض كبار السن بالأخص للإصابة بمرض كوفيد-19، أمر مؤثّر ومأساوي للغاية.

وتقول لوديساني: “عندما تصل إلى جناح المستشفى وترى أمامك 80 أو 100 شخص مسنّ يظهر عليهم الضعف، تشعر بانزعاج مؤلم. هم معزولون عن أسرهم حتى أثناء معاناتهم جرّاء هذا المرض. خلّف ذلك أثرا كبيرا في نفسي. في الحقيقة ستخّلف هذه الجائحة في أنفسنا كل واحد منا في منظمة أطباء بلا حدود مشاعر مختلفة، وسيتغير العالم بأسره للغاية.”

أما منسقة مشروع “أطباء بلا حدود” في لودي، كيارا ليبورا، فقالت: “لدينا فريق من حوالى 25 شخصا يعملون هنا في منطقة لومبارديا، لا سيما حول المستشفيات في لودي وكودوغنو وسانت أنجيلو. إن النظام الصحي هنا متقدّم للغاية ولكن الفيروس تفوّق على كل محاولات التعامل مع العدد المتزايد من الحالات”.
وأضافت: “أضحت اليوم طاقات المستشفيات منهكة. ازدادت سعة غرفة الطوارئ في مستشفى لودي لتضم 80 سريرا حاليا، ولكن بالرغم من هذه السعة الإضافية، تبقى الفرصة الوحيدة أمام دخول أي مريض جديد إلى المستشفى هي إمّا تعافي مريض آخر أو وفاته”.

وتتمثل مهمة ليبورا وفريقها الرئيسية، بتوفير الدعم للطاقم الطبي داخل المستشفيات، فالحفاظ على صحة الأطباء وسلامتهم، يعني فرصة أكبر لعلاج المرضى.
وقالت ليبورا: “لدينا خبرة كبيرة في الوقاية من العدوى ومكافحتها، اكتسبناها من مواجهة الأوبئة التي نعالجها في جميع أنحاء العالم. من هنا، نساعد على إنشاء مسارات وعمليات داخل المستشفيات للحرص على حماية الموظفين من العدوى وضمان عدم تعرّض السالمين منهم للإصابة”.
وأضافت: ” تجاوز العمل الذي يقوم به الطاقم هنا أقصى الحدود الممكنة. أذهلنا رؤية أشخاص يعملون على مدار الساعة، ويحاولون التكيف والتعلم والتعاون لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح، بينما يُحيط بهم الموت من الجهات كافة”.

ومع الجهود المكثفة لمحاربة الجائحة في إيطاليا، تظهر لنا اليوم بارقة أمل، تتمثل بانخفاض أعداد الوفيات اليومية، في بؤرة تفشي الفيروس في إيطاليا.
وسجلت إيطاليا، الأحد، أقل حصيلة يومية للوفيات خلال أكثر من أسبوعين، بوفاة 525 شخص، ليصل إجمالي الوفيات إلى 15887 حالة، فيما تراجع عدد المرضى في وحدات العناية المركزة لليوم الثاني على التوالي.
وارتفع عدد من تماثلوا للشفاء بين المصابين الأوائل في إيطاليا إلى 21815، الأحد، مقارنة بعددهم قبل يوم وهو 20996، وفق ما ذكرت وكالة رويترز.
وقد يكون المخبز الصغير في لودي شاهدا على دموع الأطباء، لكنه كذلك قد يكون شاهدا يوما ما على انتصار “للجيش الأبيض” على فيروس أنهك العالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.